الأعمار قِصار!!
د. صادق السامرائي
البشرية في مسيرتها وعلى مر العصور كانت تعاني من قصر الأعمار، فمعدل العمر البشري لم يتجاوز الأربعين في أحسن الأحوال، وكان الزواج يحصل عند البلوغ، أي مبكرا، لأن الموت يأتي مبكرا.
ولهذا فالتقدم كان بطيئا لعدم توفر الوقت الكافي لإكتساب التجارب والخبرات، وتفعيلها وتأكيدها بإرادة العقل المبصر.
ومن النادر أن توفرت لجيل ما فرصة الحياة المديدة، وعندما يكون ذلك تتحقق المعجزات، كما حصل في اليونان القديمة، وللعرب أبان إنطلاق الدعوة للإسلام، فقد عاش الصحابة وعلى رأسهم نبي الإسلام أكثر من ستين عاما، وما أصاب مكة والمدينة وباء أو موت أسود، فكانت المعجزة والثورة التي قادها النبي.
ولو أن الطاعون قد ضرب مكة والمدينة في تلك الفترة، لما تمكن الإسلام من الظهور والوصول إلى ما حققه من إنجازات وكينونات راسخة في الحياة.
وفي هذا الأمن من الأمراض السارية والمعدية معجزة مغفولة.
والحقيقة التي يتقصد في إنكارها المؤرخون أو المزيفون للتأريخ، أن الأعمار قِصار، فتأملوا أعمار الخلفاء في دول بني أمية وبني العباس وبني عثمان، فمن النادر أن يتجاوز أحدهم الخمسين.
فنسبة الموت البشري كانت عالية في مرحلة الطفولة، وبعدها كذلك، وما تتركه أمراض الطفولة من مضاعفات وتداعيات على الذين نجو من الموت.
ومن المعروف أن البشرية حققت نصرها على الأوبئة باللقاحات، التي بدأت في النصف الثاني من القرن العشرين، وبسببها تنامت أعدادها وإنطلقت مسيرات التقدم الغير مسبوقة.
وعندما نقرأ المدوّن في التأريخ عن العديد من الشخصيات، نرى ما يتعارض والواقع العام، وما لا يتفق ومعدلات عمر البشر في حينها، فيُقال أن فلان قد مات مسموما، وكأنه محروز من الموت، ولا ينتمي إلى البشر من حوله.
إن القول بالموت بالسم قد يكون موضوعيا إذا توفرت الأدلة والإثباتات، أما أن يكون ذلك تعميما على جميع الذين ماتوا فالأمر محفوف بشكوك وأسئلة.
فعندما تجد أعتى سلاطين تلك الأزمنة قد ماتوا في أعمار دون الأربعين، ولآسباب بسيطة لعدم توفر العلاجات الوافية، ولمحدودية القدرات العلمية آنذاك، عليك أن تتفكر وتكون واقعيا فيما تذهب إليه من إستنتاجات لا رصيد لها من الأدلة والإثباتات، وإنما وفقا لقيل وقال.
فهل من موضوعية وعلمية في تناول الأحداث التأريخية بعيدا عن العاطفية والإنفعالية الخرقاء؟!!
د. صادق السامرائي