احذروا الإمعية

احذروا الإمعية

قد يشدّنا غرابة  مصطلح العنوان  ، ولكن اختياره وتوظيفه بالغ الأهمية في حياتنا  ، مهم في بناء شخصية الكائن الإنساني المزود بخصائص متفردة  ، تميزه عن باقي الكائنات ، فهو يحسّ ويشعر ، يتألم ويتلذذ ، كما أنه يميّز القبح والحسن،  وهو مزود بنزعات الخير والشر ،  كما له عناصر المقاومة تمكنه لإثبات وجوده  ، فتجده يرفض الاحتواء والذوابان ، يعمل بما يستطيع  ليثبت  ذاته وتميزه عن غيره ، كما أنه يفكر ويبدع ، يصيب ويخطئ ،  له قدرة على تدوير الأراء وفرزها والحكم علبها وبطلانها ، كل تلك الخصائص الإنسانية تجعله مميزا عن غيره ،  وكل تلك السمات لا تمنع  هذا الكائن ، أن يتناغم مع الآخر  في شراكة ندية نفعية ، فيشارك الغير  خبراته وأفكاره  ، وتلك  سمّة الشخصية السّوية  ، الشخصية المؤثرة والفاعلة  ، فتكون جميع تلك الخصائص عوامل صحّة ، تقوي بنية  الشخصية السوية. 

في حين يعد مفهوم مصطلحنا الذي سنتناوله بشيء من التحليل المبسط ،  فالشخصية المستقلة في قرارها وتفكيرها ، هي الشخصية التي ينتفع المجتمع الإنساني ، أمّا الشخصية التي يحملها التّيار حيث يشاء ومتى شاء وأين شاء وكيفما يشاء، فإنها   تسير في ركب الإمعية ،  التي من معانيها ، جمود الفكر  وانحباسه، ومسايرة المتغلب مغمض العينين ، يصدقه المثل الشعبي عندنا ( أغمض عينيك واتبعني ) ، أو كما  تصفه الحكمة الجاهلية ( إذا كنت في قوم  فاحلب في إنائهم ) ،  في موافقة عمياء ، تذوب فيها الفروقات الفردية ، وتلك تعدّ مصيبة كبيرة ، بل طامة كبرى  .

ولي ولك أن تتأمل أن الشارع الحكيم حرّم  على العبد المسلم  التقليد في الاعتقاد ، بل شرع للمسلم أن يكون حرا، في اختياره  ،  رفع عنه الإكراه ،  حتى يتحمل نتائج أفعاله،  فكان العقل مناط التكليف الشرعي ، فجعل العقل ركنا من أركان التكاليف الشرعية ، وفي تلك  تظهر عظمة وتمييز إيجابي لديننا الحنيف  ، للذي يعطي   التكريم   لهذا الكائن المكرم  ، الذي جاءت كل  أحكامه   ترفض الإمعية بكل صورها وأشكالها  ، لأنها تغمط الحق وتزكي الباطل لسلبية  صاحبها  ، الذي يوافق الجميع دون ضابط. 

كما قررت السنة النبوية المكرمة تميزها  أن أقرت ضوابط  حماية ، فرضت للمسلم أن لا  يكون إمعة ، يسير في الركب ، كالأطرش في الزفة ، ولكم أن تتأملوا أحاديث رسولنا صلى الله عليه وسلم  وأقوال سلفنا الصّالح 

وأخرج الإمام أحمد وغيره من حديث عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليبعثن عليكم قوماً ، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ” .

وثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (اغد عالما أو متعلما ولا تغد إمعة بين ذلك). وعنه -أيضا- قال: (لا يكون أحدكم إمعة، قالوا: وما الإمعة يا أبا عبد الرحمن؟ قال: يقول: إنما أنا مع الناس، إن اهتدوا اهتديت، وإن ضلوا ضللت، ألا ليوطن أحدكم نفسه على إن كفر الناس، ألا يكفر).

وخلاصة المقال على المرء   أن يكون كيسا  فطنا ،  لا يجامل على حساب الحق والفضيلة ومكرمة الأخلاق  ، على المرء  أن لا  يكون إمعة ينقاد  كرغوة الصابون ، أو الريشة الطير  في الهواء ، تأخذها حيث شاءت ، على المرء  ألا يجامل في الحق ولو خسر الصديق والقريب ، بل ينبغي أن يكون ذا رأي حصيف  وعزيمة قوية ، يساير من يرفع قدره ، و يعلي مكانته ، ويحفظ قدره بين الأشهاد (يوم لا ينفع مال ولا بنون )  .

الأستاذ حشاني زغيدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى