إجراءات الشرطة القضائية المُستعجلة لضبط الجريمة

ماجد احمد الزاملي
باحث حر -الدنمارك

روح القانون واعتبارات العدالة تأبى كل ما هو تحكمي وغير منضبط، كان لزاما وضع معايير وضوابط موضوعية تضبط قدر الإمكان مثل هذه السلطة التقديرية بوزن مدى كفاية الأدلة لممارسة رجال الضبط الجنائية صلاحياتهم الاستثنائية بحالات التلبس، وذلك للحد من السلطة التحكمية لرجال الضبط في تقدير توافر الدلائل الكافية.
و إكتشاف حالة التلبس بالجريمة من طرف ضبّاط الشرطة القضائية أو القائمين على التحري تُوجب عليهم ممارسة مجموعة من الإجراءات المُستعجلة التي تفرضها ضرورة ضبط هذه الجريمة أثناء وقوعها، تتمثل هذه الإجراءات في إخطار المُدَّعي العام حالاُ بحالة التلبس، ثم الإنتقال لمكان وقوع الجريمة دون تَمَهُّل والمحافظة على الأدلة فيه بهدف جمعها، وتحرير المحاضر عن كل هذه الإجراءات، حتى يتمكن من إرسال ملف القضية إلى النيابة العامة. وتتميز هذه الإجراءات؛ بأنها مترابطة ومتداخلة فيما بينها، وأنها إجراءات استدلالية بحتة لا تتضمن أي مساس بالحريات الشخصية، و تخلو من أي قهر وإجبار، كما أنها تدخل ضمن الإختصاصات الأصلية والمألوفة لضباط الشرطة القضائية، إلاّ أنها ذات طبيعة خاصة ومتميزة منحها لهم المشرِّ ع المقارن في حالة التلبس بالجريمة على سبيل الوجوب، بهدف الإسراع في كشف الحقيقة قبل ضياعها. وقبل انتقال ضابط الشرطة القضائية الذي اكتشف الجريمة إلى مكان الحادث لممارسة السلطات المخوَّلة له في حالة التلبس، يلزم عليه إخطار القاضي، ثم يبادر بالإنتقال دون تمهل إلى مكان الحادث، و يتم عندها مباشرة المحافظة على مكان الجريمة، حتى يتمكن من جمع الأدلة التي تكشف عن الحقيقة.إنَّ المحافظة على مكان الجريمة تكتسي أهمية بالغة في مجرى التحريات حول الجريمة المتلَبَّس بها، إذ أن المشرع لم يوجب على ضباط الشرطة القضائية المحافظة على مكان الجريمة فحسب، إنما منع كل شخص لا علاقة له بالتحريات بإجراء تغيرات فيه، وإلاّ يتعرض للعقوبة المقررة . وتتحقق حالة التلبس باتصال مأمور الضبط بالجريمة بأية حاسة من حواسه، حيث قضت محكمة النقض المصرية في حكم ّ لها بأنه “لأنّ ماهية المادة التي شاهدها، بل يكفي يشترط في التلبس بإحراز المخدر أن يكون رجل الضبط الذي شهد الحالة قد تبين في ذلك تحقيق تلك المظاهر الخارجية بأي حاسة من الحواس، يستوي في ذلك أن تكون حاسة الشم أو السمع أو البصر”(1).
وقد عدّدت القوانين المقارنة حالات التلبس بالنص عليها صراحة، إلا أنها لم تستقم على ذات الطريقة في تحديدها؛ ففي حين اتفقت غالبية القوانين العربية على تحديد مجموعة من حالات التلبس من خلال إفراد نص خاص بها، لم يتبع قانون الإجراءات ذات النهج، ولم تعالج حالة التلبس أو ما سماها بالجريمة المشهودة في قانون المحاكمات الجزائية الكويتي رقم (17 ) لسنة 1960 تم في إطار تنظيمه لإجراءات القبض والتفتيش.
لم يرد في قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 تعريفاً للتلبس ،وكذلك هو الحال في القوانين الاجرائية في الدول الاخرى، بل اقتصر الامر على ذكر الحالات التي تكون فيها الجريمة مشهودة او متلبس بها. والتشريعات جميعاً خَلَت من تحديد أو ذكر معيار صريح وواضح للتلبس، بل ترك الامر للسلطة التقديرية للمحكمة المختصة، على ان تأخذ بنظر الاعتبار وقائع الحادث وملابساته، والمدة التي مضت على حصول الجريمة، وهو امر نراه سليم ،لان المدة تختلف من جريمة الى اخرى وفق ظروف كل حالة على حدة فما يعد متلبس به في جريمة قد لا يُعد كذلك في اخرى. الفقه الجنائي عمِلَ جاهداً الى وضع تعريف له فعرَّفهُ بأنه تقارب زمني بين لحظة ارتكاب الجريمة ولحظة اكتشافها،وعُرِّف ايضاً بأنه تطابق او تقارب زمني بين وقت إرتكاب الجريمة ووقت اكتشافها. اورد المشرع العراقي في الفقرة (ب) المادة (الاولى) من قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ الحالات التي تكون فيها الجريمة مشهودة أو متلبس بها على سبيل الحصر، والتي نصت على ما يأتي (تكون الجريمة مشهودة إذا شوهدت حال ارتكابها أو عقب ارتكابها ببرهة يسيرة أو إذا تبع المجني عليه مرتكبها اثر وقوعها أو تبعه الجمهور مع الصياح أو إذا وجد مرتكبها بوقت قريب حاملا آلات أو أسلحة أو أمتعة أو أوراقا أو أشياء أخرى يستدل منها على انه فاعل أو شريك فيها أو إذا وجدت به في ذلك الوقت آثاراً أو علامات تدل على ذلك ). ويشترط ان تكون المشاهدة جاءت بطريق مشروع وقد استقر قضاء محكمة النقض المصرية على ذلك فقضت “بأنه لا يجوز إثبات حالة التلبس بناءً على مشاهدة عضو الضبط القضائي من خلال ثقوب أبواب المساكن لما في ذلك من مساس بحرمتها والمنافية للآداب كذلك لا يجوز إثبات حالة التلبس بناءً على دخول المنزل دون إذن تفتيش باعتبار أن ذلك يشكل جريمة”. ان المشرع العراقي لم يكن موفقاً عندما أورد عبارة مشاهدة الجريمة، وكان الافضل ايراد عبارة(ادراك الجريمة حال ارتكابها)، فالإدراك لفظ أعم واشمل من المشاهدة كونه يشمل جميع الحواس، اما المشاهدة فتكون قاصرة وفق المعنى اللغوي والاصلاحي على العين أي حاسة الرؤية فقط،،وهذا يؤدي الى عدم إنطباق العديد من الوقائع على تلك الحالة، وهذا خلاف ما اراده المشرع،ويُشترط للمشاهدة في جميع الحالات أن تتم بطريق مشروع أي وفقا للقانون فلا تعد الجريمة مشهودة إذا حصلت عن طريق النظر من فتحة الباب أو حصلت بناءً على تفتيش قام به شخص ما دون أمر صادر من سلطة مختصة.
وقد جاء المشرع اللبناني بحالة جديدة للجريمة المشهودة في المادة (29/ب)من قانون أصول المحاكمات الجزائية وهي الجريمة التي يقبض على فاعلها إثناء ارتكابها. والتلبس هو حالة تلازم الجريمة ذاتها فهو وصف ينصب على الجريمة دون فاعلها. هذا يعني أن الجريمة واقعة وأدلتها ظاهرة بادية ومظنة احتمال الخطأ فيها طفيفة والتأخير في مباشرة الإجراءات قد يعرقل سبيل الوصول إلى الحقيقة.إن ضبط الجريمة في حالة تلبس يبرر الخروج على القواعد العامة في الإجراءات الجزائية والتي يمكن عَدها نوع من الاستثناء يسمح فيه المشرع لجهة معينة بالإسراع في اتخاذ الإجراءات خشية ضياع الأدلة وان مظنَّة الخطأ في التقدير أو الكيد للمتهم منفية غير متحققة أو ضعيفة الاحتمال. ومن ثم جعل القانون للتلبس أحكاماً خاصة منح فيها ضبّاط الشرطة ومفوضيها سلطة في قبول الشكوى والإخبار وإمكانية أجراء التحقيق في حدود معينة.
الجریمــة المشــهودة هــي تلــك الجریمــة التــي تُكشــف أو تُضــبط حــال التلــبس بهــا، وقــد عرفتهـا المـادة (1/ب) مـن قـانون أصـول المحاكمـات الجز ائیـة العراقــي علـى انـه (تكـون الجریمــة مشهودة إذا شوهدت حال ارتكابها أو عقب ارتكابها ببرهة یسیرة أو إذا تتبع المجني علیه مرتكبهـا اثـر وقوعهـا أو تبعـه الجمهـور مـع الصـیاح أو إذا وجـد مرتكبهـا بعـد وقوعهـا بوقـت قریـب حـاملا آلات أو أسلحة أو أمتعة أو أوراقـا أو أشـیاء أخـرى یسـتدل منهـا علـى انـه فاعـل أو شـریك فیهـا أو إذا وجدت به في ذلك آثار أو علامات تدل على ذلك). والجريمة المشهودة هــي التــي تشــاهد حــال ارتكابهــا أو بعــد البــدء فــي الارتكــاب وســمتها التعاصــر بــین الفعــل وتقریـره حیـث یفاجـأ الجـاني بالشـهود أو رجـال السـلطة أثنـاء ارتكـاب الجریمـة وتعنـي المشـاهدة فـي هذا الحالة إدراك الأفعـال المادیـة أو أي منهـا تلـك المكونـة للـركن المـادي للجریمـة بأیـة حاسـة مـن حـواس القـائم بـالتحقیق ویمكـن لحالـة التلـبس إن تـدرك بحاسـة الشـم أو السـمع أو تشـاهد بحاسـة البصـر والمشـاهدة البصـریة هـي التـي تـدرك فیهـا حـالات التلـبس فـي الغالـب وكـذلك ممكـن إدراك حالة التلبس بحاسة الذوق أو اللمس كمن یدرك مسدسـاً فـي الظـلام الـدامس أثنـاء تفتیشـه لشـخص مقبــوض علیــه ویحكــم هــذه الحالــة الفتــرة الزمنیــة التــي یســتغرقها تنفیــذ الأفعــال المادیــة المكونـــة للجریمة لكونها تقوم على عنصر المفاجأة أثناء ارتكاب الأفعال المادیة. ومـن الجـدیر بالـذكر بـان التمثیـل الـذي أورده المشـرع للأشـیاء التـي یحملهـا المـتهم كـالآلات والأسلحة والأمتعة والأوراق لم یأتِ على سبیل الحصر بدلیل ما جاء بـنص التشـریع العراقـي ( أو أشیاء أخرى ) وكذلك هو شأن التشریع المصري والفرنسي. ویمكـن إن تــرد الـدلائل التــي تشــیر إلـى إن المـتهم فاعـل أو شـریك فــي الجریمـة إلــى أدلــة مادیة أو علامات ذات وجود مادي ظاهر ومكشـوف، فقـد تتجسـد الأدلـة فـي سـكین أو مسـدس أو بضـائع مسـروقة أو مسـتندات وكـذلك الحـال بالنسـبة للآثـار والعلامـات التـي قـد توجـد علـى جسـم المــتهم أو ملابسـه كالخــدوش والجـروح والــدماء علــى ملابــس الجــاني والتــي قـد تنشــأ مــن مقاومــة المجني علیه.
والمعاينة يقصد بها ؛ ذلك الإثبات المباشر والمادي لحالة الجريمة، وحالة الأمكنة، والأشياء والأشخاص، والكشف عن كل آثار الجريمة كما تركها الجاني، و هي و صف شامل ودقيق لمكان الجريمة، لإثبات وقوعها، ونوعها، أسبابها، كجريمة القتل التي يتم معاينتها، إذا ما أُرتكبت عمداً أو انتحاراً أو قتلاً بالسم، و إثبات وقت ومكان وقوعها الفعلي، و اكتشاف الوسائل المستعملة. تكتسي المعاينة أهمية بالغة في مجرى التحريات، باعتبارها إجراءً أولياً يتم عند وقوع الجريمة، لا يمكن تكراره أو تصحيحه مهما استمرت التحقيقات، وتُمثل صورة واقعية وصادقة ومباشرة لوقائع الجريمة، يتم خلالها تحرير محضر المعاينة، وتهدف إلى إعادة بناء أحداث الجريمة، وتسلسلها و بيان طريقة ارتكاب الجاني للجريمة، وكيفية دخوله والأدوات المستعملة في تنفيذ الجريمة، وكشف الآثار المتخلفة عنها(2)، فهي تصوير واقعي لما يوجد بمكان الجريمة من مكونات، للتوصل إلى إكتشاف الحقيقة، عن طريق الربط بين عناصر الجريمة وأثارها.
ويقصد بالإستعانة بالخبراء الفنين؛ استدعاء أحد ضباط الشرطة القضائية للأشخاص المؤهلة لتقدير المسائل الفنية، و التي يحتاج في تقديرها؛ دراية علمية تتعلق بالتحريات في مكان الجريمة، فالخبير الفني؛ هو الشخص المؤهل بتقنية معينة يحتاجها ضباط الشرطة القضائية في تحرياتهم لا يملكونها بأنفسهم ولا يمكن تأخيرها، ما يدفعهم إلى استدعاء الخبراء للقيام بتلك المعاينة، التي قد تتعلق بوسائل ارتكاب الجريمة أو ظروفها أو أثارها…الخ، إذ يتم تحدد الخبراء حسب كل جريمة، كالمصور الجنائي، الطبيب الشرعي، خبير البصمات…الخ(3). مثل استدعاء الطبيب الشرعي لمعاينة علامات الوفاة، أو تشخيص أسبابها في جريمة القتل، استدعاء خبير لتحليل الطبيعة الكيميائية لمادة مجهولة على مكان الجريمة تسخير شخص مؤهل بفتح الأبواب أو الخزائن، تسخير خبير حوادث المرور لمعرفة أسبابه(4).بالنظر إلى خطورة الجريمة المتلبس بها، وما تستوجبه لضبطها، نجد أن المشرع أفرد لها تنظيم قانوني خاص، من خلاله حاول مواجهتها بسرعة من ناحية، ومن ناحية ثانية أن يتم ذلك في إطار الشرعية الإجرائية، ويتحقق ذلك بالإلتزام بتطبيق الإجراءات الخاصة بحالة التلبس بالجريمة، دون التوسع أو القياس مهما كانت الظروف، ووضع لذلك المشرع مجموعة من النصوص القانونية لمواجهة الجريمة المتلبس بها، في قسم خاص بعنوان: “في الجنايات والجنح المتلبس بها”، خول من خلالها لضباط الشرطة القضائية سلطة ممارسة إجراءات أوسع من الإختصاصات الأصلية لهم ، وذلك استثناءاً لما تستوجبه هذه الحالة من إجراءات سريعة لضبطها، عندما تكون إجراءات التحري غير كافية، أو عاجزة عن استكمال التحريات حولها لجمع الأدلة وضبط المجرمين، و دون تمكن هذا الأخير من العبث بالأدلة. وحتى يمارس ضباط الشرطة القضائية هذه السلطات؛ لا بد من تحققه من توافر حالة التلبس بالجريمة. وتتميز حالة التلبس بالجريمة، بأنها حالة تلازم الجريمة وليس شخص مرتكبها، فالتلبس بالجريمة حالة عينية لا تتضمن عناصر شخصية، باعتبارها نظام قانوني يتسم بالحالة الواقعية التي تتأسس بالتقارب الزمني.
إن إدراك أحد ضباط الشرطة القضائية لتحقق إحدى حالات التلبس بالجريمة الواردة على سبيل الحصر؛ لا يكفي لتحقق حالة التلبس الصحيحة والمنتجة لأثارها القانونية، إنما يشترط في ذلك أن يراعي ويضمن احترام مبدأ الشرعية الإجرائية، وعدم التعدي والتعسف على الحقوق والحريات أثناء اكتشاف حالة التلبس، والتي تخوَّل لضباط الشرطة القضائية سلطات واسعة في مجال البحث والتحري، ولذلك لصحة حالة التلبس بالجريمة يستلزم توافر ثلاثة شروط، إذا تخلف إحداها لا نكون بصدد الجريمة المتلبس بها , توافر حالة من حالات التلبس ,مثل أن يشاهد شخص مقتول مخضب بدمه ، أو مشاهدة الجاني تلاحقه العامة بالصياح إثر وقوع الجريمة، تمثل بذلك مظاهر كافية تتحقق فيها حالة التلبس بالجريمة، أما مشاهدة شخص يقدّم لشخص أخر شيء مجهول لا يمكن وصفها جريمة متلبس بها على أساس الشبهة والشك فيه، وبذلك يجب عليهم أن يتحرّوا الدقة في وصف أو تصوير الجريمة الواقعة، و يتأكدوا من تحقق إحدى حالات التلبس، وإلاّ اعتبر التلبس باطلاً، وتبطل كل آثاره القانونية(5). معاينة حالة التلبس بالجريمة من طرف ضباط الشرطة القضائية,وفي هذه الحالة يشترط أن يتم اكتشاف الجريمة في إحدى حالات التلبس من طرف أحد ضباط الشرطة القضائية شخصياً، حتى يتمكن من مباشرة السلطات الإستثنائية المخولة له. أن تتم عملية التتبع إثر وقوع الجريمة يَحوز هذا الشرط أهمية بالغة في تحديد توافر حالة التلبس، ويقصد به أن يتم التتبع بعد الإنتهاء من تنفيذ الركن المادي للجريمة، وبالتالي تكون الفترة الزمنية قصيرة بين وقوع الجريمة وتتبع الجاني من طرف العامة، وهي الفترة التي تعقب ارتكاب الجريمة، وهو ما يستخلص من عبارة: “في وقت قريب جدا من ارتكابها”، أن يكون التتبع والصياح إثر وقوع الجريمة، دون أن يحدد فيها المشرع الفاصل الزمني، و يعود تقدير ذلك لمحكمة الموضوع.(6)مشاهدة أدلة الجريمة على المشتبه فيه في وقت قريب جداً من وقت وقوع الجريمة, لم يحدد المشرع المدة الزمنية الفاصلة بين ارتكاب الجريمة ومشاهدة الجاني في حيازته أشياء أو أثار، و اكتفى بنصه: “في وقت قريب جدا”، ما يعبّر على أن المدة قصيرة جدا، وبذلك تثبت الأدلة المادية ارتكاب المشتبه فيه للجريمة في حالة التلبس على سبيل القرينة القوية القائمة بين وقوع الجريمة وحيازته لهذه الأشياء أو الآثار، كما أنه وسَّع مجال ضبط الأدلة في هذه الحالة، باستعماله عبارة حيازة المشتبه فيه للأشياء أو الآثار، و التي تشمل كل توابعه، إذ قد يتم ضبط الأدلة مع المشتبه فيه أو في منزله أو حديقته …الخ(7). الإلمام بجوانب الموضوع، والذي ينحصر في مجمل الإجراءات التي يمارسها ضباط الشرطة القضائية، إثر اكتشافهم لحالة التلبس بالجريمة المقررة على سبيل الحصر وتحقق شروط صحتها، و تتمثل هذه الإجراءات في وجوب إخطارالمدعي العام حالاً، والإنتقال فوراً لمكان الحادث لجمع الأدلة و ضبط الفاعلين و المحافظة على مكان الجريمة، والقيام بإجراءات المعاينة و الإستعانة بالخبراء، ضبط الأشياء وعرضها على المشتبه فيه، سماع أقوال الحاضرين وتحرير المحاضر لكل الإجراءات التي يتم انجازها في مكان الحادث، كما أنه إذا ما استدعت ضرورة التحري يجوز لضابط الشرطة القضائية المكلف بالجريمة المتلبس بها، أن يأمر بعدم مبارحة الحاضرين مكان الجريمة حتى ينتهي من تحرياته، واستيقافهم للتعرف على هويتهم أو التحقق من شخصيتهم، ويجوز له إجراء التوقيف للنظر، و ممارسة بعض الإجراءات الخاصة ، وهي إجراء تفتيش المسكن أو إجراء اعتراض المراسلات تسجيل الأصوات والتقاط الصور أو التسرب.
تحديد حالات التلبس بشكل أوضح، وتدارك المفاهيم المبهمة التي تأخذ عدة تأويلات وتحديد المدة التي تستمر فيها حالة التلبس بالجريمة، حتى لا يقع ضباط الشرطة القضائية في المغالطات واللبس أثناء تكييف توافر حالة التلبس بالجريمة. ضرورة وضع تنظيم قانوني واضح لإجراء االإستيقاف والأمر بعدم المبارحة، وذلك في نصوص تبين حالات إجرائها، وحدود ممارستها، و الفترة الزمنية المحددة لكل إجراء، في حالة غياب نصوص كافية تنظمه. ضرورة تنظيم إجراء تفتيش الأشخاص بنصوص قانونية خاصة به، حتي يتقيد بها ضباط الشرطة القضائية، و التي يجب أن تحدد فيها حالات وشرو ط إجرائه، حتى يضفي عليه الشرعية الإجرائية، و يمثل خروجاً عنها في وضعية ممارسته دون أساس قانوني. تشديد الرقابة القضائية على سلطات ضباط الشرطة القضائية، و ذلك بالتجسيد الفعلي لقواعد المسؤولية الجنائية، وعدم الإكتفاء بالبطلان عند مخالفة الإجراء للقانون.

إن كفاية الدلائل على الاتهام غير كاف لتقرير مشروعيتها؛ فواجب رجل التحري في أن يبذل قصارى جهده واستنفاذ كل جهد ًمثل هذا ممكن، لجمع كل الاستدلالات الممكنة حول الشبهة، وتقديمها لسلطة التحقيق، لمنحه الإذن بالقبض أو التفتيش مثلا الواجب، يقتضي لثبوت جدية رجل الضبط في جمع التحريات؛ التثبت من استيفاءه، وقيامه به على أتم وجه، وهو ما يمكن تسميته “بجدية التحريات”، وهو مفهوم مغاير لقصور التحريات، ويمكن أن يدخل في تقديره خطأ رجل الضبط، في أي وصف او واقعة، ولو لم تكن مؤثرة في تقدير كفاية الدلائل للاتهام، طالما كانت تنبيء -في ذاتها- عن عدم جدية رجل الضبط، أو عدم حرصه -بالدرجة المطلوبة- في بذل كل جهد ممكن، لجمع كل التحريات اللازمة حول الجريمة التي يجمع استدلالاته عنها. ً لذلك، نجد محكمة النقض المصرية(9). أبطلت العديد من الإجراءات لعدم جدية التحريات التي سبقتها ومهدت لاتخاذها، وتطبيقا ، وتحديد مكان اقامته، وسنه أو عمله. من ذلك ما قضت به في حكم لها من أنه “إذا لم يتضمن كالخطأ في حقيقة اسم المتهم محضر التحريات سوى اسم المتهم، وأنه من منطقة غيط العنب التابع لقسم كرموز، دون تحديد لمحل اقامة المتهم في هذه المنطقة او عمره أو عمله، فإن هذا التجهيل ينبئ في وضوح عن عدم جدية التحريات، وعدم كفايتها لتسويغ إصدار الإذن”(10).كذلك نجد ما قضت به محكمة جنايات بنها المصرية في حكم لها من أن “خلو محضر التحريات من تبيان مهنة المتهم كطبيب في قرية، رغم أنه طبيب يشتغل وظيفة مرموقة، وله عيادة يمارس فيها مهنته، في ذات المنزل الذي يقيم به في قريته، فإن ذلك ينال من جدية التحريات وكفايتها”(11).

1-نقض مصرية 15/3/1970 مجموعة أحكام النقض س21 ق88 ص355 . عن: أبو عامر، محمد زكي، الإجراءات الجنائية، 1984، دار المطبوعات الجماعية، ص200.
.(2 -عبد الفتاح عبد اللطيف الجبارة، مرجع سابق، ص676
(3-عبد الفتاح عبد اللطيف الجبارة، إجراءات المعاينة الفنية لمسرح الجريمة، الطبعة الاولى ،دار الحامد، عمان، الأردن، 2011.،).
4-أحمد غاي، التوقيف للنظر، الطبعة الثانية ،دار هومة، الجزائر، 2010.، ص194 .
5-سليم علي عبده، الجريمة المشهودة، منشورات زين الحقوقية، بيروت، لبنان، 2004 ،ص77 – 78
أحمد غاي، مرجع سابق، ص 178). 6—
7-إسحاق إبراهيم منصور، المبادئ الأساسية في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، بن عكنون، الجزائر، 1995.، ص80-81
8-نقض مصرية تاريخ 26/11/1978 مجموعة أحكام النقض س29 رقم 170 ص830 .عن: فاروق، ياسر الأمير، القبض في ضوء الفقه والقضاء، دار المطبوعات الجامعية، 2012 ،ص589
9-نقض مصرية 4/12/1977 الطعن رقم 720 لسنة 47ق. عن: فاروق، ياسر الأمير، القبض في ضوء الفقه والقضاء، دار المطبوعات الجامعية، 2012 ،ص589) حاشية رقم 5
10-نقض مصرية 4/12/1977 الطعن رقم 720 لسنة 47ق. عن: فاروق، ياسر الأمير، القبض في ضوء الفقه والقضاء، دار المطبوعات الجامعية، 2012 ،ص589) حاشية رقم 5
(11)جنايات بنها تاريخ 23/4/1992 الجناية رقم 606 لسنة 1990 .عن: فاروق، ياسر الأمير، القبض في ضوء الفقه والقضاء، دار المطبوعات الجامعية، 2012 ،ص590.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى