أنا ولجنة التحديد والتحرير
د. محمود عباس
أنا ولجنة التحديد والتحرير
5
في اليومين الأخيرين وعندما كان رئيس اللجنة يكتب التقرير النهائي وبخط وتخطيط منمق، وكما ذكرتها سابقا، قال: وكأنه يقولها لذاته لكنها كانت موجهة لي، بأن سقف الملكية هي 120 هكتار، وأضاف أنها كثيرة!
ومن الغريب أن السلطة وبعد مرحلة هذه اللجان بسنوات، أصدرت المرسوم التشريعي رقم (31) بتخفيضها إلى 85 هكتاراً، وبأمر جمهوري، وكأن رئيس اللجنة كان على دراية بما كان يجري في أروقة النظام، حيث الاستيلاء على أراضي جديدة، بعد الانتهاء من المرحلة الأولى في بناء المستوطنات؛ والبدء بالثانية وهي توسيع وتعميق مسيرة التعريب.
وفي الواقع الفعلي ما ترك في ملكية الوالد مع جميع الإخوة والوالدتين لقرية نصران بعد عزل ملكية الفلاحين، كان مخططا للقضاء على البنية الاجتماعية والاقتصادية في القرية كجزء من كلية المجتمع الكوردي، ومن خلالها الحد من مسيرة الأخوة الطامحين للحصول على التعليم العالي والذي كان يتطلب العيش في المدن الكبرى وحيث التكاليف الباهظة مقارنة بالمرحلة الثانوية، وفعلا تمكنت السلطة من تدمير الحالة المعيشية للفلاحين قبل الملاكين، ومجتمع قرية نصران كان النموذج لما آل إليه معظم عائلات الملاكين الكورد والفلاحين في غرب كوردستان.
ولإدراج الفلاحين وعائلاتهم وأبنائهم في هذا الواقع، لم تقم السلطة بانتفاعهم للأراضي التي كانوا يستثمرونها بتوزيع من الوالد منذ بناء قرية نصران، لم تفعلها لغايتين اللذين سيوصلها إلى حيث الهدف الرئيسي وهو التدمير الثقافي والاقتصادي والاجتماعي:
1- لئلا ينقلوا الفلاح الكوردي من مستثمر لأراضي الملاكين إلى ملاكين أو منتفعين وتنطبق عليهم قانون الانتفاع وبها سيحصلون على مساحات أو بضع هكتارات أخرى إلى جانب ما يستثمرونها، لأن حصصهم المستثمرة الحالية قليلة فيما لو طبقوا قرار الانتفاع، وحينها كان يجب أن يوزعوا عليهم ما تم الاستيلاء عليه من المالك، أو من مزارع الدولة التي تستثمرها قيادات السلطة ورؤساء القوى الأمنية.
2- في حالة الانتفاع ملكية الفلاحين لن تدرج ضمن ملكية المالك، وبالتالي ما تبقى للمالك لن تتجاوز سقف حدود قرار الملكية، أي لن يكون هناك استيلاء على الملاكين الكورد؛ وإن تم فستكون بنسبة قليلة جدا، أي عمليا لما تمكنوا من توطين الغمريين في نصران وغيرها من القرى الكوردية.
لنقولها بعملية حسابية بسيطة: فلاحي قرية نصران يستثمرون قرابة 205 هكتارا من أصل 411 هكتار مساحة القرية وهي التي وزعها الوالد على العائلات التي استقرت في القرية في نهاية الأربعينيات. (*)
وحصل الغمريون على أكثر من 166 هكتارا، وقد كان من المفروض أن تبقى قرابة 40 هكتار للعائلة، لكن في الواقع العملي، هناك نقص في مساحة ملكية العائلة والفلاحين معا، والمساحة الضائعة كما ذكرتها سابقا صرفت بعضها مع الغمريين وبعضها كانت تستثمرها جهة مخفية! ومن ناحية أخرى فما ترك للمالك في محضر الاستيلاء أقل مما ملكها أية عائلة من الغمريين، وسقف الملكية حينها كانت 120 هكتارا، حسب قانون الإصلاح الزراعي رقم (161) لسنة 1958م، وكان من المفروض أن تحصل الزوجة مع الأطفال على عدد من الهكتارات، أي عمليا نصران كانت تتجاوز النسبة المشمولة بالاستيلاء، حتى عندما خفض سقف الملكية في عام 1980م إلى 85 هكتاراً، لذلك تلاعبوا بنص التقرير؛ فأقحموا ملكية الفلاحين في العملية لتمرير ما خططوا له.
وقد جاء في محضر الاستيلاء التالي ” بناء على مصلحة الإصلاح الزراعي وبعد أخذ رأي الفلاحين وعملا بتوجيهات الوزارة في كتابها رقم (450) تاريخ 6/2/1986م بعدم أخذ الأراضي المشغولة بالفلاحين، فقد قررت لجنة الاستيلاء فرع الأرضي … الحجز عليها وفق ما يلي….” وفي الواقع كنت مع اللجنة بشكل دائم، وكانوا يصرون أن أكون معهم أثناء تخطيط طبوغرافية بيوت القرية، فلم يتم أخذ رأي الفلاحين ولا الحديث مع أي منهم حول إشكاليات الاستيلاء، وما نشر كذب ونفاق غايته كان خلق الصراع بين الملاكين والفلاحين، وقد طلب المحافظ، عندما حجز الوالد ليلة في المحافظة، أن يعمل على أخذ أملاكه من الفلاحين، رفض الوالد عرضه والمطروح كلياً!
ملاحظة: عندما أكتب عن اللجنة ورئيسها إنما أعني السلطة، ومن خلالهم الكشف عن إحدى أبشع جرائم الأسد والبعث وحيث العشرات من القوانين والقرارات التعسفية العنصرية بحق الشعب الكوردي، فمهمة هذه اللجان كانت تنفيذ المخططات وترسيخ مسيرة البعث والأنظمة السابقة له، وهي كانت الألة الميدانية، وربما تم تلقينهم للتعامل بفظاظة مع الملاكين.
فالبعض من الكتاب العروبيين وبعد عام 2011م يحاولون تبرئة حزب البعث وسلطة الأسد من المخططات العنصرية، بل وحتى من الحزام العربي وبناء المستوطنات، وبلغ بهم النفاق إلى حد الكتابة في الويكيبديا وبوقاحه يبرئون فيها البعث من قضية الحزام العربي، وكل من يطلع على الموقع سيجد كيف كتب النص بخباثة…
*- (سمعنا من الكبار أن أغلب الفلاحين كانوا حينها يفضلون القليل من الهكتارات لكون الفلاحة والحصاد كان يدويا حيث المحراث والحصاد بالمنجل، وكانت تحتاج إلى جهود كبيرة. أتذكر بعض الأحاديث في ديوان الوالد في نهاية الستينات، قيلت من بين الأحاديث الفكاهية عن الماضي، كيف أن أحد الفلاحين تهاوش مع جاره في الحقل متهما إياه بأنه ترك قسم من دونماته بدون فلاحة، متزرعً بأنها لجاره، وكل طرف كان يلقيها على الأخر، إلى أن ذهب معهم بعض رجال القرية والوالد إلى الحقل، لتخطيط الحدود بينهم، وعند العودة أحدهم كان يقول للأخر عرفت بأنها كانت لك وكنت تريد أن تضيفها إلى حقلي! اختلف الأمر مع ظهور ألات الحراثة والزرع والحصاد).
يتبع…
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية