أبو الأنبياء!!
المتعارف عليه أن إبراهيم النبي الأوري العراقي، ذهب إلى أرض أخرى بعد أن نجا من النار، وتوطن الأردن أو فلسطين، وزوجته (سارة) بلغت من العمر عتيا ولم تنجب، وبشرتها الملائكة التي جاءت رسلا إلى إبن عمه أو أخته (لوط)، بأنها ستكون أما لطفل، وكان الوليد المعجزة (إسحاق)، ومن نسله (يعقوب) وسلسلة الأنبياء التي إنتهت بعيسى.
و(هاجر) زوجته الجارية المصرية التي أنجبت (إسماعيل)، وألقى به وبأمه في بلادٍ دعى ربه أن تكون آمنة، فانطلقت فيها (عين زمزم)، وبعدها السعي بين (الصفا والمروة)، وما حصل من تطورات، وصار إسماعيل أبو العرب، ومن نسله جاء نبي الإسلام.
وينسب إلى ذريته ثلاثة أديان رئيسية حسب المتوارد مكتوبا ومنقولا، وهي اليهودية والمسيحية والإسلام، وأخذنا نمسمع عن الديانات الإبراهيمية، ديانات أولاد العم الذين قتلوا من بعضهم البعض ما لا يُعد ولا يُحصى من الأبرياء.
وفي زمن الإسلام وحتى نهاية الخلافة العثمانية، لم يعتدِ المسلمون على كنيسة أو كنيست أو معبد لديانات أخرى إلا فيما قل وندر.
أي أن الأديان تعايشت في ظل الدولة التي ترفع رايات الإسلام، ولا توجد ديانة غيرالإسلام أوجدت التعايش بين الأديان، فالأديان بطبيعتها تتصارع وتسفك دماء غيرها بإسم ربها، وما فترت نوازعها العدوانية على بعضها إلا في النصف الثاني من القرن العشرين، وبقيت العديد منها في نوبات تصارعية متوحشة لا يستوعبها خيال.
وفي دول عربية عديدة هناك مسجد وجامع ومعبد متجاورة أو قريبة من بعضها، مما لا يبرر الهبة الإعلامية المثارة حول بناء ما يمثل الديانات الثلاثة في موقع واحد.
هذا التقارب الرمزي بالعمران، لا يعني ذوران الأديان ببعضها، فهو سلوك ليس بالجديد، ولا بالغريب، ويبدو أن الضجة الإعلامية تهدف لتنمية إرادة التطرف، وتعميق الخلافات بأنواعها، لتأمين غنائم القائمين عليها.
الأديان إنتماءات قلبية ولن تزعزعها المجاورات العمرانية، أو المحاورات، ومحاولات إقناعها بما لا تراه دينا، فكل دين يرى أنه الدين وغيره لا دين.
وعندما تقنعون شخصا يعبد فأرا، أنه يجب أن يغير دينه، فعندها تكلموا كما يحلو لكم عن الديانات الثلاثة التي ستبقى هكذا إلى الأبد، فتلك إرادة الدوران والصراع اللازم لديمومة ما فوق التراب.
فعن أي إبراهيمية يتكلمون؟!!
د. صادق السامرائي