أحوال عربيةأخبارأخبار العالمأمن وإستراتيجية

حرب طوفان الأقصى عسكريا

طبيعة الحرب …

فهد سليمان

في الجانب العسكري وانعكاساته المباشرة

■ من بين «الحروب غير المتناظرة» التي خيضت ضد الكيان الغاصب، تتسم حرب تشرين/
أكتوبر 23 بأمور، تؤكد فرادتها ورقيّْ سويتها، ويتمثل أهمها بمايلي:
أولاً- بأسلوبها المبتكر في المحطات الثلاث التي إجتازتها حتى كتابة هذه السطور:
1- في محطة الإغارة الاستراتيجية في ساعاتها الأولى، التي طاولت العمق المعادي، بعد الإطاحة
بجدار غزة المنيع، الذي كان يسوّق باعتباره عصياً على الإختراق، وصولاً إلى غلاف غزة (أو
غرب النقب) بمستوطناته ومواقعه العسكرية الحاضنة لـ«فرقة غزة» المكلفة – إلى جانب مهماتها
الدفاعية، التي لم يكن يتراءى لها، أنها ستكون مطروحة عليها عملياً – بالاعتداء دورياً على قطاع
غزة، على ما كان عليه الحال، فيما مضى.
2- وفي محطة إحتواء مفاعيل القصف التدميري للقطاع، الذي طاول البنيتين الحضرية بمدنييها
والعسكرية بمقاتليها، والرد عليها بالمثل ودونما إنقطاع على امتداد 19 يوماً سبقت شروع العدو
بالغزو البري للقطاع.
3- كما وفي محطة الصمود الأسطوري للمجتمع الفلسطيني رغم تكبده خسائر هائلة في الأرواح
والممتلكات، والدمار الواسع الذي لحق بالبنية التحتية والمرافق الحيوية في القطاع، تعبيراً عن
إرادة وطنية لا تلين عند الشعب، وإرادة القتال حتى النصر المبين لدى الفدائيين، فبتنا أمام ظاهرة
المقاتل المندمج في مجتمعه، المنصهر بقضية الوطن، المتفوق معنوياً وأخلاقياً على عدو هابط
السوية، معنوياً وأخلاقياً، على الرغم من تفوقه التقني.
ثانياً- في المحطات الثلاث آنفة الذكر، تجلت عبقرية العقل العسكري الفلسطيني، وتفوقه في
التنظيم والتخطيط والقيادة والسيطرة (C&C) والأداء التكتيكي، كما تبدَّت في مهارة الميدان،
وحسن إستخدام الأسلحة المتاحة المضادة للدروع والتحصينات والأفراد، وصولاً إلى ذروة
الإبداع، عندما تحوّلت شبكة الأنفاق، بما هي – أساساً – بنية تحتية بوظيفة دفاعية (إيواء المقاتلين
وتخديمهم + مراكز القيادة والسيطرة + أدوات العمل التذخيرية والتسليحية واللوجستية، الخ …)
إلى سلاح هجومي من الطراز الأول.
ثالثاً- تسببت الحرب على الجبهة الرئيسية في غزة، وجبهتي الإسناد في الضفة الغربية وجنوب
لبنان، بـ«استنزاف تكتيكي» لدولة العدوان على أكثر من مستوى:
1- الأول، تعبر عنه أرقام قاطعة وناطقة بحد ذاتها، بالخسائر البشرية العالية، والمادية المكلفة
التي لحقت بجيش العدو، والنزف الاقتصادي الغائر الذي لحق بالدولة والمجتمع بشكل عام.
2- المستوى الثاني، يمثله الإستنزاف بجانبه الأمني، الذي لا يقتصر تعريفه – إسرائيلياً – على
مستوى الدولة فحسب، أي بالمعنى الإجمالي للمصطلح الذي يعبر عنه عادة مفهوم «الأمن
القومي»، بل أيضاً على مستوى أمن الأفراد والمجتمع المحلي بالمعنى الضيق للكلمة، والذي
يترجم بمقولة: الأمن الكامل لمواطني الدولة على كامل مساحتها، وليس الأمن المنقوص في
مناطق معينة من الدولة، كما هو حال مستوطنات غلاف غزة أو شمال فلسطين، التي نجم عن
أعمال المقاومة فيها، تهجير ربع مليون من سكانها.

3- المستوى الثالث، يطاول سمعة إسرائيل بالخسارة التي لحقت بها على يد المقاومة الفلسطينية،
فثلمت أسطورة الكيان، كدولة مرهوبة الجانب بحكم إمتلاكها لجيش لا يقهر، ومخابرات لا تخيب،
وتكنولوجيا شاهقة المستوى، الخ … هذا إلى جانب ما نتج عن الجرائم الموصوفة التي إرتكبتها
دولة العدوان بحق المدنيين من أبناء الشعب الفلسطيني، ما أدى إلى تلطيخ سمعتها، وقوَّضّ
الأسس الأخلاقية التي يقوم عليها أي كيان سياسي، وقادها صاغرة إلى قوس «محكمة العدل
الدولية» بتهمة إرتكاب جريمة الإبادة الجماعية – Genocide، ما يستدعي إنزال العقاب بها،
حتى لو إقتصر الأمر على مجرد توافر النية لارتكاب هذه الجريمة، وهذا ما حصل بداية–
26/1/2024 بالتدابير الإحترازية التي أقرتها المحكمة المندرجة في إطار الشق المستعجل في
القضية المرفوعة■

■■■

■ ما سبق يطرح السؤال التالي: لمن الكلمة الأخيرة في هذه الحرب؟ للمقاومة، أم لدولة العدوان؟
ففي الحروب المتناظرة، وعندما تتوفر الإدارة التكتيكية المتمكنة في إطار الاستراتيجية المناسبة،
تكون الغلبة – في العادة – لمن يملك «قوة النيران» ويتفوق في إدارتها. أما في الحرب غير
المتناظرة، فتكون الغلبة للمقاومة القادرة على مواصلة «إستنزاف» قدرات عدوها. وهذا ما يمكن
للمقاومة الفلسطينية أن تحققه بتضافر عدد من العوامل، أهمها يقوم على مواصلة المقاومة المحمية
بصمود مجتمعها، وكذا الأمر بالنسبة لدور جبهات الدعم والإسناد الشقيقة، وبالتوازي معها تعاظم
زخم حركات التضامن الشعبي في كل مكان. هذا ما يمكن البناء عليه، كي ينتصر الشعب
الفلسطيني في معركة شاقة، ما زالت تفتقد إلى مرجعية وطنية عليا تضم الكل الفلسطيني، يشكل
غيابها حتى الآن، ثغرة بيَّنة في صموده■
(2)

«طوفان الأقصى» … حرب محلية أم إقليمية؟

[■ كانت حرب تشرين/ أكتوبر 73، آخر الحروب الإقليمية في المنطقة، حيث إلتقت على أرضها
وتوحدت جهود وإمكانيات ثلاث دول عربية محورية بمواجهة إسرائيل: مصر وسوريا في الجانب
العسكري، والسعودية في الجانب الاقتصادي المتمثل بسلاح قطع النفط عن الغرب. وكانت لهذه
الحرب أبعادها الدولية، إذ وضعت قطبي النظام العالمي في حينها: الولايات المتحدة والإتحاد
السوڤييتي في مواجهة بعضهما البعض.
الحروب غير المتناظرة في المنطقة التي أعقبت أكتوبر 73، على إمتداد الـ50 عاماً المنصرمة –
على أهمية بعضها ومحوريتها – لم تكتسِ طابعاً إقليمياً، فحتى حرب الـ82 التي أخرجت م. ت.
ف من لبنان، وأحلّت الجيش الإسرائيلي محتلاً في مناطق واسعة منه، وعلى الرغم من التحول
الجيوسياسي المهم الذي أحدثته، لم تأخذ منحى الحرب الإقليمية، والأمر نفسه ينطبق على حرب
2006.
على هذه الخلفية يأتي السؤال حول كيفية تصنيف حرب 7/10 التي أطلقتها عملية «طوفان
الأقصى»، هل هي حرب محلية، أم إقليمية؟ وعلى هذا نجيب بما يلي:]■ سرعان ما عبّرت حرب تشرين/ أكتوبر 23 عن طابعها كحرب إقليمية ذات تداعيات دولية،
فمنذ اليوم الأول لاندلاعها، سارعت الولايات المتحدة وفي ذيلها المملكة المتحدة، إلى توجيه
قطعها البحرية إلى المنطقة، تحسباً لاحتمال تمدد مسرح العمليات شمالاً، ومنها إلى أكثر من
مكان، ودفعت الحرب بعض الملفات السياسية التي كانت تحتل الواجهة، إلى الخلف، فحُجبت
حرب أوكرانيا عن الرؤية، وتباطأت على نحو ملحوظ إندفاعة التطبيع في المنطقة … وبالمقابل،

دُفعت إلى الواجهة، مساعي إحتواء الحرب وتداعياتها، وجُدد الاهتمام – شكلاً – بملف التسوية،
فاستعيدت مقولة «حل الدولتين»، إنما دون تحديد لمضمونها.
■ إلى جانب ما تنطوي عليه القضية الفلسطينية بحد ذاتها من أبعاد إقليمية ودولية في زمن السلم،
وبشكل خاص في فترة الحرب، ثمة تطورات هامة على مستوى الإقليم واكبت حرب 7/10 منذ
اندلاعها، وساهمت بتأكيد طابعها الإقليمي بامتياز:
1- فجبهة المساندة الفعلية التي أشعلتها المقاومة الإسلامية في لبنان، إنطلاقاً من جنوبه، أثارت في
سياقها قضايا ذات طبيعة إقليمية متصلة بالصراع اللبناني – الإسرائيلي: تحرير ما تبقى من
أراضٍ لبنانية محتلة (مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وشمال شرق بلدة الغجر) + ترسيم الحدود بعد
تسوية النزاع على 13 نقطة على الخط الأزرق + إعادة صياغة معادلة الردع المتبادل على
جانبي الحدود، التي أعادت المقاومة الإسلامية صياغتها من خلال تعليق وقف عملياتها ضد
الكيان، على وقف العدوان على غزة.
2- في العراق، وإلى جانب القيام بقصف العمق الإسرائيلي، رفعت المقاومة الإسلامية مطلب
الخلاص من القواعد الأميركية في العراق، ما يستتبع إنهاء الوجود الأميركي العسكري في شمال
شرق سوريا، بكل ما يترتب على ذلك من تغييرات جيوسياسية وجيوستراتيجية في كلا البلدين.
3- وفي اليمن بقيادة أنصار الله، تحوّل شعار التضامن بالنار مع المقاومة في غزة، إلى فرض
الحظر على السفن المتوجهة إلى مرفأ إيلات، ما فتح على مواجهة مع الولايات المتحدة طرحت
أمن الملاحة في البحر الأحمر – كمسألة إقليمية – في ضوء المسعى الأميركي الحثيث لعسكرته.
■ إن حرب أكتوبر 23، بتعدد جبهاتها على مساحة الإقليم من شط العرب شرقاً إلى المتوسط
غرباً، فإلى باب المندب جنوباً، وبطبيعة قضايا الصراع التي أحيتها بأبعادها المحلية والإقليمية
معاً، تجعلنا نقف أمام حرب مترابطة الأهداف، تدور فصولها في أكثر من دولة في الإقليم
بمواجهة نفس العدو المشترك، وتشكل الحرب الدائرة رحاها في غزة وفي امتدادها في الضفة
الغربية – وموضوعها ليس أقل من القضية الفلسطينية – عقدة الحل والربط فيها، فهل ما زلنا
بحاجة إلى مزيد من الوقائع لإثبات الطابع الإقليمي للحرب التي نحن بصددها؟■

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى