تعاليقرأي

الجهاد“.. رُبّ كلمة لا يُلقى لها بال!

الجهاد“.. رُبّ كلمة لا يُلقى لها بال!

رشيد مصباح (فوزي)

**

قبل أن أكتب هذه السطور المتواضعة قلتُ في نفسي أتمهّل قليلا وأُتريّثُ عسى أن تأتي الأخبار المتواترة من غزّة المستعصية الشّامخة الأبيّة بما يخالف ظنّي واعتقادي، وبقيتُ متردّدا بين هذا وذاك، بين التفكير والكتابة؛ وأنا متأكّد تماما أن هناك من لا يعتقد إلّا فيما يعتقد ويريده هو، لا فيما يراه غيره.

هؤلاء الذين يتكلّمون عن الجهاد بطريقة لا تعبّر سوى عن ضحالة فكر و سطحية وعقم في التّفكير. يعتقدون أن الجهاد مجرّد ”نزهة“ لا يتطلّب سوى القليل من المهارة والشجاعة، وبعض الوسائل الماديّة والإمكانيات البسيطة، كالذي كان يخوضه من قبل الصّحابة ـ رضي الله عنهم جميعا ـ

وهؤلاء يدركون جيّدا، ومن خلال الوسائل الحديثة التي بين أيديهم وتزوّدهم بالمعلومات والصوّر الضّروريّة، أن حروب هذه الأيّام ليست كحروب زمن الرّسول ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وتختلف كثيرا عن الحروب التقليدية التي تعتمد على الوسائل البسيطة والشجاعة والمهارة.

وفي هذا العصر المتميّز بالأسلحة الذكيّة والتي تتحكّم فيها الأقمار الصناعية؛ يريد بعض “المشعوذين” استخدام الرؤى والأحلام واسقاطها على ما يجري في غزّة!

ينادون بالجهاد دون غيره من الفرائض، والجهاد في الإسلام هو عمل تطوّعيّ يأتي في المرتبة الأخيرة وبعد القيام ببقيّة الفرائض. وقد ورد في صحيح مسلم والبخاري أن رجلا “جَاءَ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، يَسْتَأْذِنُهُ في الجِهَادِ فَقالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَفِيهِما فَجَاهِدْ”.

وكان لابد على الذي ينادي بالجهاد أن يكون ليس رجلا فقيها فحسب، بل وملمّا بأمور الدّنيا كلّها؛ عالما بأحوال النّاس، مدركا لظروف العصر، مطّلعا على ثقافات الأمم والأجناس الأخرى، متمكّنا من لغاتهم، بالقدر الذي يمكّنه من فهمهم… ومع ذلك كلّه، لابدّ من ”مرصد“ يعود إليه المفتي في استصدار فتواه، ولكي لا ينفرد برأيه.

الجهاد الذي نادى به بعض الانتهازيين قبل هذا، وبمجرّد أن سنحت لهم الفرصة بذلك، ولم يرجعوا فيه إلى الدّين ويردّوه إلى أصحابه المتفرّسين.. تسبّب في قتل وتشريد المئات من الأفراد والأسر، وفي دمار كبير، وفي ذهاب أنظمة هي؛ ”أقل شرّا“ من الخراب الذي نجم عن سقوط دول بأكملها.

واستغلّ أعداء هذه الأمّة هذا ”الجهاد“ في تشويه صورة الإسلام، واتّهام المسلمين بالإرهاب. وذهبوا في ذلك إلى حدّ المطالبة بحذف كلمة “جهاد” من المصحف الشّريف؛

فهل ينبغي أن نكون بمثابة معاول هدم في أيدي أعدائنا؟

انظروا إلى ما جرى للشعوب في أصقاع العالم؛

وفي أفغانستان تحالف جهاز المخابرات الأمريكية ”السي آي آي“ مع ”القاعدة“ للتخلّص من عدوّهما المشترك ”السّوفييت“. فتسبّب ذلك في قتل وتشريد شعب بأكمله، ودمار وخراب كبيرين.

وفي الجزائر تسبّبت رعونة القادة من الجهتين؛ المدنية والعسكرية، في قتل وتشريد الآلاف، ونهب لخزينة الدولة وتخريب للممتلكات العامّة والخاصّة، ولعشرات المؤسّسات.

و تلهّف الإخوان للحكم في مصر و أعجبتهم كثرتهم؛ قال الله تعالى عن مثل هذا العُجب والغرور في محكم تنزيله:

[وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا

التّوبة. الآية (25).

فانظروا إلى ما جرى للإخوان الذين اعتقدوا أن الأبواب ستكون مفتوحة لهم ”على مصراعيها“ بعد فوزهم بالانتخابات وتولّيهم الرّئاسة.

وما حدث في سوريا، والعراق، واليمن، وتونس مؤخّرا، ليس أقلّ منه شأنا.

لم يخرج الأمريكان صاغرين من أفغانستان، كما كنا نعتقد، بل سلّموا البلاد والسلاح الذي تركوه وراءهم، وكذلك الأموال لطالبان كي يكونوا عقبة أمام طريق ”الحرير“ بين روسيا والصّين.

وللدّواعش في كل من سوريا و العراق حكاية مع الشّركات الأجنبية؛ التي تواطأت معهم وقدّمت لهم الأموال، في قتل ونحر العديد من الأبرياء.

وكما للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وارتباطها بمخابرات بعض الدول الإقليمية والشركات الأجنبية ألف حكاية وحكاية.

الجهاد ليس مجرّد كلمة تلوكها ألسنتنا في القاعات الفارهة والصالونات المكيّفة دون تدبير أو تفكير.. نقولها هكذا، ثم نذهب إلى الفراش لننام قريري العين هانئين مطمئنّين نحلم بغد أفضل.

”رب كلمة لا يلقي لها الإنسان بَالًا يهوي بها في النار سبعين خريفا“

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى