أخبارتعاليقرأي

منهج غزة في التربية

أعتقد أن هذا العنوان يصلح أن يكون موضوع دروس عميقة وخطب فاعلة بل وندوات وملتقيات ومحاضرات، ولا أظنني مبالغا إن زعمت أنه يصلح أن يكون موضوع رسائل جامعية، والأمر لا علاقة له بطغيان عاطفة آنية إنما هو العلم والفقه لأن المسألة تتعلق بظاهرة واقعية تتجاوز التحليلات المتسرعة والتناول السطحي، وتحتاج إلى دراسات وبحوث إيمانية وأكاديمية لتتبع خيطها من أوله لتنتهي إلى تفسير هذا الإعداد العجيب للرجال والنساء والعتاد الحربي الذي أعطى بالكيان الصهيوني ضربة قاصمة لم تقدر عليها جيوش الشرق الأوسط في حروبها معه منذ احتلاله لفلسطين.

ما يمكن قوله في عجاله هو أن حماس استطاعت تجاوز حالة الحصار وإكراهاته النفسية والمعيشية واللوجيستية باعتمادها منهجا مغايرا تماما لما عليه الدول العربية بدءا بالتربية والتعليم، فهذا القطاع هو الذي صنع الفارق بل صنع المعجزة، فمن ناحية تشهد الهيئات المختصة منذ سنين أن مستوى التحصيل العلمي في غزة – وعند جميع الفلسطينيين خاصة في الشتات – مرتفع جدا مكّن القطاع المحاصر من الابتكار في مجال تصنيع الأسلحة والتحكم في المعلوماتية والتكنولوجيا الحديثة تحكما كبيرا جدا مكّن حماس – مثلا – من مخادعة أنظمة الاستخبارات الصهيونية والغربية فلم ترصد شيئا من الإعداد لطوفان الأقصى، كما مكّنها من مهاجمة المركز العسكري الصهيوني السري داخل فلسطين المحتلة والاستلاء على أجهزة الكمبيوتر التي تحوي أكثر المعلومات العسكرية سرية مثل قوائم الجواسيس والمتعاونين مع الكيان، وكذلك الشفرات وكلمات السر ونحوها، وهذا ما آلم الكيان أكثر من القتلى والأسرى لأنه أهال التراب على صورة “الجيش الذي لا يقهر”، وهل يمكن أن يتم هذا إلا بالتحكم بمهارة كبيرة في أدق التكنولوجيات الحديثة؟ مع العلم أن هذه المهارات تكاد تنعدم في الدول العربية الضعيفة لأنها ليست على رأس أولوياتها التي تتجه نحو التحكم في شعوبها بدل مواجهة عدوها…كيف تمّ هذا الإعداد الدقيق في قطاع محاصر برا وبحرا وجوا؟ الإجابة المنطقية هي أن التعليم فرع من التربية، وهذا بيت القصيد في المقارنة مع التعليم في باقي الدول العربية…حماس لم تحصر مهام المدرسة في تحصيل العلوم فحسب بل شفعته بالتركيز على التربية الدينية والأخلاقية والإنسانية على أساس أن غزة يكفي أن تخرّج علماء بل يجب أن تخرج جيلا متشربمعاني العقيدة والرجولة والعزة والتضحية وحب الاستشهاد، هنا نسترجع تلك الصور التي كان بعض الناس لا يفهمونها، وآخرون يسخرون منها، صور تخرج آلاف حفظة القرآن الكريم بإشراف الحكومة وهياكلها، وكان السطحيون يخطئون في تفسير الظاهرة ولا يعيرونها اهتماما بينما هي في الحقيقة جزء من الإعداد الشامل للأطفال والمراهقين والشباب من الجنسين في إطار المنهج التربوي المتكامل، ودليل ذلك أن كتائب الأقصى مكوّنة من هؤلاء المتخرجين من المدارس الحماسية، وهم يجمعون بين التكوين الديني والتكوين العسكري رفيع المستوى، هم الذين حفروا تلك الخنادق التي دوّخت الصهاينة وكانت – وما زالت – تأوي القيادات السياسية والعسكرية والأسلحة المتطورة…بالمناسبة هذه الأسلحة التي مكنت المجاهدين من إلحاق الخسائر الكبرى بواحد من أكبر الجيوش في العالم هي من صنع محلي على يد المتخرجين من مدارس غزة وجامعاتها ومعاهدها، وهي بتلك الفاعلية الكبرى التي تدل على تحكم علمي وتكنولوجي كبير عجزت عنه معظم الجيوش الإقليمية التي تكتفي بشراء الأسلحة من أعدائها، وإنما تمّ هذا الإعداد في أجواء خاصة يتوق إليها كل مسلم يفهم دينه وعصره والتحديات والحقائق، أجواء إيمانية بعيدة عما عليه البلاد العربية من تشبه شديد بالغربيين في أخلاقهم وأذواقهم وحياتهم اليومية، ففي غزة الرجال رجال والنساء نساء، ولا وجود للحركات النسوية التي يتلخص دورها في كل مكان في إفساد الفطرة وتمرد المرأة على الدين والأخلاق والرجل، ليس هناك تبرج ولا تخنث بل هناك زوجات وأمهات هن حاضنات رجال حماس المتمرسين سياسيا ورجال القسام الذين يقف العالم منبهرا أمام أدائهم، نساء جنّبن أبناءهم التخنث والإلحاد والمخدرات والمسكرات وغيرها من الآفات التي تنخر الجسم العربي، ليس في غزة شذوذ جنسي ولا حفلات فاجرة ولا هوس بكرة القدم، بل علم وجد وترفيه في حدود المعقول، إذا جاز أن يكون في القطاع المحاصر ترفيه…نجوم المجتمع الغزاوي ليسوا الممثلين والمطربين واللاعبين، بل هم حفظة القرآن وأبناء السنة والعقيدة الصحيحة المتواجدون في جبهات القتال يصنعون المعجزات، ونساء غزة المسلمات الطاهرات الصابرات يضربن أروع الأمثلة في الجهاد والصبر والثبات من وراء أزواجهن وأبنائهن وإخوانهن بهن تعتز هذه الأمة اليوم وتتفاخر…باختصار غزة عوضت ما أفسدته المناهج الدراسية العقيمة.

شكرا لحماس التي علمتنا البطولة وأذاقتنا حلاوة العزة ومرارة التفاهة…وهذا وحده نصر عظيم.

عبد العزيز كحيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى