رأي

البُفْ.. تغطّية الشّمس بالغربال.

رشيد مصباح (فوزي)

**

لم نعد نعرف ما هي الغاية من سياسة الحكومات التي رمت بكل ثقلها في مرمى
كرة القدم، ودفنت رأسها فيه كما تفعل النّعامة عند شعورها بالخوف والخطر.
كرة الجلد هذه التي نفخ فيها الإعلام ليغطّي بها على المشاكل الحقيقية.

الرياضة بصفة عامة شيء جميل، بل وضروري أحيانا. سيّما إذا كان الغرض
منها هو حماية فئة الشباب والمراهقين من الانحراف والانخراط في عصابات
الإجرام بشتّى أنواعه،والإدمان على المخدّرات والمهلوسات.

لكن ليس بالكيفية التي جعلت الوالي ينزل إلى الملعب في كل مرّة ليشغل
وقته وأوقات غيره في مصافحة اللاعبين وتطييب خاطر المناصرين وو.. ثم
الأخطر والأهم يعدهم بتقديم مزيد من الأموال ، على حساب الميزانية
العمومية، التي تعاني من عجز دائم ومزمن بسبب نفقات المراسم والاحتفالات.
في الوقت الذي تعاني فيه الولاية من مشاكل حقيقية في قطاع التنمية
والتشغيل و و…

في النهاية هو مجرّد ركض وراء جلد منفوخ، لكن الغريب العجيب أن الجلد
المنفوخ هذا يحظى بعناية على حساب بقية الانشغالات الأخرى، كمشاكل
التنمية والبطالة خاصة؛ أليس من الواجب الاهتمام بمشاكل التشغيل و
البطالة أهم أم هذه “الشعبوية” : أم ” نغطّي الشّمس بالغربال”.

كلنا يعشق هذه الرياضة “الأكثر شعبية” كما يعلّق على ذلك جمهور
المعلّقين، لكن في حدود المعقول؛ بعض الأشخاص ماتوا حسرة، معظمهم مات
بسكتة قلبية ونسي شهادة “أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا رسول الله”؛ فكيف
يلاقي هؤلاء ربّهم؟ وكل ذلك بسبب رغاء وصراخ المعلّقين، وخاصّة منهم
المعلّقين العرب فهم لا يحسنون التعامل مع مشاعر المناصرين. والله وبالله
وتالله حين تشاهد أو تتابع مباراة بين فريقين أوروبيين ترتاح وتشعر
بالطمأنينة وتغمرك السّعادة،والعكس صحيح.

وفي الأخير كرة”البف” هذه، كما سمّاها أجدادنا “بكري” في سالف العصر
والأوان، سوى مجرّد لهو عابر. فالمعلّق لابدّ أن يكون في المستوى وكذلك
بالنسبة للاّعبين وإلاّ فهي إهدار للأوقات الثّمينة و مصدر من المصادر
التي تسبّب الأمراض النفسية والعضوية الخطيرة. والأخطر من كل ذلك أن يموت
الإنسان دون أن ينطق بالشّهادتين، أو يُكتب في أحسن الأحوال من الغافلين.

لماذا كل هذا التكلّف إلى حد الإسراف في تشييد الملاعب وتقديم أجور
خيالية للاعبين لا يفيدوننا في شيء سوى اللّهم في تحويل أنظارنا عمّا هو
أهم.

يا فخامة رئيس الجمهورية ويا معالي وزير الدّاخلية ويا رئيس البرلمان
بغرفتيه، كفانا. من أراد أو أحبّ الركض و الرّقص فليكن ذلك على حسابه
وليس على حساب الأمّة، واتركوا ولّـاة الجمهورية والمسؤولين المحليّين
وغيرهم من الاطارات والمرؤسين ينشغلون بما هو أهم؛ بالمشاكل الحقيقية.

ياسيدي الرئيس الشعب لا يعاني من غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار فحسب، بل
من هذه السياسة “الشعبوية”. الأسعار ارتفعت حتّى بلغت عنان السماء، ولم
ينفع معها لقاء ولا خطاب. وأين هي الوعود الكثيرة التي قدّمتموها
للشّعب، وماذا ستفيد الزيّادات القليلة في الأجور مع هذا الارتفاع
الجنوني الرّهيب للأسعار؟

لا نفتي لكم بترك لعبة” البُفْ”والجلد المنفوخ نهائيّا، ولكن لا تميلوا
كل الميل و تذروا غيرها من الريّاضات الأخرى. لكن ما دام البُفْ يحظى
بشعبية كبيرة، والشّعبية هذه لم تأتي من عدم؛ طالما هناك إعلام فاسد
شغّال باللّيل و النهار يروّج “للبُفْ”، و سماسرة رجال أعمال فاسدين
وجدوا مبتغاهم وحقّقوا مآربهم من هذا الجلد المنفوخ.. لكن ليس لدرجة أن
ينزل الولاّة بأنفسهم إلى الملاعب ويقبّلون الأيدي والجباه والرّؤوس…
حتى ترضوا عنهم، فإن رضيتم عنهم (( فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ
ٱللَّهَ لَا يَرْضَىٰ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَٰسِقِينَ)).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى