رياضة

كرة قدم عربية

فوتبول
منير المجيد
على المستوى العربي، فإن النتائج مخيبة، كما كل نتائج هذه الشعوب.
والمرّات النادرة التي وصلت فيها منتخبات عربية إلى التصفيات العالمية، لم تكن المشاركة ذات شأن، اللهم سوى منتخب الجزائر عام ١٩٨٢ الذي تُوّج أداء لاعبيه الجيد بفضيحة كروية إثر إتفاق تآمري ألماني-نمساوي نجم عنه عدم صعوده إلى الدور التالي.
أما النتائج على المستوى القاري (أفريقيا وآسيا) فإن المنتخبات العربية أحسن حالاً، خاصة الأفريقية منها.
وعلى ذكر الجزائر، فكلنا يتذكر الأزمة الدبلوماسية الحادّة التي شهدتها البلاد مع مصر إثر مباراة تصفيات أفريقيا عام ٢٠٠٩ لمونديال ٢٠١٠ في السودان، ووصل الأمر إلى أن الدهماء في مصر صاروا يشككون في دوافع وشرف جميلة بوحيرد.
وبسبب هذه الخيبات الكروية، انصرف المشجعون، والشبان منهم على وجه الخصوص، إلى متابعة المنتخبات أو الفرق العالمية. ويحتل الصدارة هنا «ريال مدريد» و«برشلونة»، ناهيك عن «مانشستر سيتي» و «ليفربول» بالإضافة إلى بضع نواد في إيطاليا وألمانيا وفرنسا.
ومتابع هذه الرياضة في الدول العربية لا يختلف كثيراً عن الآخرين في أنحاء العالم، فهو أيضاً يرتدي القمصان التي تحمل رقم وإسم بعض اللاعبين النجوم، ويتحلق مع ربعه حول أجهزة التلفزيون لمشاهدة البث الحي المباشر للمباريات، والتي تنقلها بشكل حصري أقنية بي إن سبورت (beIN SPORTS) العالمية، وكانت تُعرف سابقاً بإسم «الجزيرة الرياضية» القطرية، ويقوم بالتعليق عليها طاقم من «خبراء» الكرة في الاستديو، وآخرون في الموقع، يقولون الكثير من التفاهات والقليل من تفاهات أقل. لا بل هناك أحدهم يبرطم تعليقه رادحاً، بسجع مطعّم بلهجة شمال أفريقية، ناعتاً اللاعبين بأسماء غبيّة عجيبة (وهذا حال محرري الصحافة الرياضية العربية المكتوبة أيضاً)، لا ينتهي، لسوء الحظ، إلا بنهاية المباراة.
أفريقيا أثبتت، في السنوات العشرين الأخيرة، وجوداً كروياً عالمياً يفوق بكثير الوجود العربي الدولي، بينما مازالت آسيا في المراحل البدائية لتأسيس قوة فاعلة على المستوى العالمي.
هذا لا ينطبق على الهند والباكستان، الجارتان المتنازعتان دائماً وأبداً. فالإنكليز المستعمرون أدخلوا لعبتي الكريكيت وكرة القدم إلى هذه المنطقة أبّان الحقبة الإستعمارية، فورث الهنود والباكستانيون الكريكيت كي تُصبح الرياضة الوطنية الأولى، بالرغم من الطقوس البورجوازية المُحاطة بها، صارفين النظر عن كرة القدم، التي وكما يبدو لم تناسب مزاجهم ولا مناخهم كثيراً.
الهنود والباكستانيون لا يحبون الركض والجري، خاصة إن كان خلف كرة.
أما اليابان، فأنها أخذت البيسبول من الأمريكان، لتصبح الرياضة الأكثر شعبية في البلاد. وفي السنوات الأخيرة إزدادت شعبية كرة القدم (يسمونها السَكَر، كما في أمريكا)، وصار لها فرقها ونجومها.
أيضاً، دخلت الصين، مؤخراً هذا المجال، فاستوردت لاعبين ومدربين من مختلف أنحاء العالم. وحين تهتم دول مثل اليابان، كوريا والصين بهذه الرياضة، فانهم، وهذا الأمر أراهن عليه، سيغزون الدنيا في السنوات المقبلة، مستنبطين طرقاً هجومية ودفاعية وبهلوانية لن يستطيع أحد مجاراتهم ومنافستهم فيها.
هذا سيكون أيضاً حال أمريكا الشمالية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد ينتهي بها الأمر لترقى إلى الصفوف الأولى سوية مع البيسبول وكرة السلّة.
في أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية، تُعد كرة القدم ديانة قائمة بذاتها. لاعبوها هم ثروة وطنية للتصدير، وخاصة إلى أوروبا. هناك تُرتكب جرائم بحق لاعب مُقصّر، وشعوب تتكاره وتتخاصم بسبب التنافس الشديد. البرازيل والأرجنتين مثالاً. وفي عام ١٩٦٩ نشبت حرب بين الهندوراس والسلفادور، بعد فوز الأولى، مما أهّلها للذهاب إلى أولمبياد المكسيك عام ١٩٧٠. وقد سميت هذه الحرب بأول حرب لكرة القدم (La guerra del fútbol)، رغم أن الأسباب الحقيقية قد تكون أعمق بكثير، وتعود إلى خلافات تتعلق بالإصلاح الزراعي الذي هضم حقوق مئات الآلاف من المهاجرين السلفادوريين في هندوراس.
أوروبا، الموطن الحاضن لهذه الرياضة، هي مركز العالم الكروي. صحيح أنهم في البرازيل أكثر جنوناً، إلا أن معظم لاعبيهم الكبار وغير الكبار يركضون على الملاعب الأوربية الخضراء لصالح الفرق الكبيرة وحتى المغمورة.
وأسطع مثال على أن الكرة الأوربية هامة، هي ما تحظى به التصفيات وبطولة أوروبا من إهتمام عالمي.
لن أنسى أبداً، لحظة فوز الدانمارك على ألمانيا في المباراة النهائية لبطولة أوروبا التي جرت في السويد تماماً قبل نحو ربع قرن. وحين عاد أعضاء الفريق إلى كوبنهاغن، وصعدوا على شرفة دار البلدية في مركز المدينة واجتمع قرابة عشرة آلاف مجنون من الدانماركيين تعلوهم رائحة البيرة مثل غيمة، انضممت إليهم، وهذه كانت أول وآخر مرّة أشارك في مثل هذه المناسبات، لأشهد جواً شُحن بخليط لا يُصدّق من الهستيريا والسعادة والعيون المدمعة بالفرح. كان الناس يتعانقون ويقبلون بعضهم البعض، لا لشيء سوى أنهم يتشاركون في فرحة.
شخصياً تلقيت بضع قبلٍ من فتيات تركن طعم البيرة في فمي.
لاعب كرة القدم ليس ذكياً على نحو إستثنائي. أقصد أنه، عادة، لا يستطيع تركيب جملة مفيدة، فتراه يُتأتأ ويشرد ويتفوّه ببياخات. والسبب يكمن في أن حياة هذا الشاب صُرفت للكرة، وليس للكتب والعلاقات الإجتماعية وزيارة المتاحف. وحين تتجاوز أعمارهم الثلاثين، تنتهي صلاحيتهم، تماماً مثل عارضات الأزياء والعاهرات، فيتحو معظهم إلى مهنة تدريب فرق أو منتخبات وطنية.
اللعين «ديڤيد بيكام»، أجزمُ بتأثيرٍ من زوجته وأم عياله مغنية السپايس غيلرز ڤيكتوريا، أدخل موضة التاتو والتسريحات الغريبة إلى لاعبي الكرة، فصارت سباقاً ومنافسة لدى هؤلاء تُضاهي منافستهم في الملاعب.
وتسريحة الشعر على الخصوص هي ما يُشغل رونالدو، ليس ذاك البرازيلي الذي صار بديناً مكرشاً الآن، بل المُعجب به البرتغالي، حينما كان صبياً ممخطاً. ديك الملاعب المغرور الذي يُراقب شاشات العرض العملاقة المزروعة في أرجاء الملاعب أكثر من مراقبته وتتبعه لمجريات اللعبة. هو يُريد التأكد من مدى متابعة الكاميرات له ومن ثبات التسريحة.
لا تفهموني على نحو خاطئ، هو شاب موهوب في ساحة الوغى وُيسجّل الكثير من الأهداف. يكفي أن يفرشخ ساقيه حتى يضع الكرات في شباك حرّاس المرمى، وهو لا يركض كثيراً (جينات هندية-باكستانية على الأغلب)، بل ينتظر أن يتقافز ويتناور بقية الزملاء في الفريق، حتى لو ارتكب بعضهم فظاعات كروية ليُقدّموا له الكرة سهلة زلالاً، وما عليه إلا أن يركلها بقوة عضلات ساقيه المتمرنتين جيداً.
هم مجموعة من الممثلين الهواة الذين لا يؤدون أدوارهم بشكل مقنع، خاصة حينما يرمون أنفسهم على العشب صارخين من الألم، متناسين أن تقنيات الكاميرات سوف تعيد المشهد بمنتهى البطء وخلال ثوانٍ، لنرى أن الأمر لا يستدعي كل هذا الألم. لماذا يفعلون ذلك، خاصة في منطقة الجزاء؟ طبعاً، نعرف لماذا، لكن لماذا يضعون أنفسهم في هذه المواقف السخيفة للغاية؟
الذي لا نعرفه، أنهم يشتمون بعضهم البعض بأقذع الصفات ليجعلوا من لاعب هادئ مثل زين الدين زيدان يفقد صوابه وينطح، ككديش، ذاك الإيطالي الوقح الذي شتم السيدة أم زيزو وكل الذين خلّفوه، لينتهي الأمر بطرده ببطاقة حمراء وخسارة الجمهورية الخامسة.
وقدراتهم العقلية البسيطة جعلتهم، في الواقع، سوقيين فتراهم يبصقون (يتباصقون أيضاً في بعض الأحيان) ويتمخطّون، بينما مصورو التلفزيون الخبثاء يُقرّبون المشهد من خلال عدسات كاميراتهم المُقرّبة المذهلة.
كل هذا لم ولا يقلّل من نجوميتهم لدى جماهير واسعة في كل أرجاء وبقاع المعمورة. وهناك عشاق لهؤلاء تراهم يرتكبون المخالفات للتقرب منهم لإلتقاط صورة أو الحصول على توقيع، أو يتتبعونهم على صفحات التواصل الإجتماعي بمنتهى الدقائق والتفاصيل.
وكلما زاد سعر لاعب، نعم لهم أسعار مثل حصان أو بقرة، كلما كثر عشاقه ومحبيه. هم يملأوون التلفزيونات والصحف التي تهتم بتهربهم من الضرائب وخليلاتهم وفسقهم.
هم أيضاً من الذين ينشرون الموضة، التي قد تكون ثياباً أو ساعة أو عطراً أو سيارة، أو شراب المتّه.
حتى الذين يصممون شورتاتهم وقمصانهم ينتمون إلى بيوتات أزياء (إيطالية في معظمها) مشهورة، ولا يخلو الأمر من إرتكاب بعض الحماقات، ففي الثمانينات (مثلاً) صمّموا شورتات ضيقة وقصيرة للغاية مما أدى إلى الحدّ من حركة اللاعب، التي هي ضرورة حتمية لأداء جيد ومثمر.
هم النجوم في الصف الأول كما مشاهير الغناء والتمثيل.
في السنوات الأخيرة ظهرت تقليعة جديدة تشي في إنتماء اللاعب الديني. بداية رسم المسيحيون شارة الصليب، ثم تبعهم المسلمون الذين، كما يبدو، يقرأوون الفاتحة قبل بدء المُباراة، ويردون أنفسهم في ركعة إذا سجّلوا هدفاً.
الذي يتميّز بينهم، وهذا انحياز فاضح أعترف به، هو الأرجنتيني قصير القامة ليونيل ميسي. سفهاء الصحافة الرياضية يسمونه بـ «البرغوث».
هذا اللاعب يتعرض أكثر من غيره للركل والدفش والشتائم فتراه مُركزاً على أدائه وتمريراته وتسجيل أهدافه. لا تهمّه شاشات الملاعب العملاقة ولا إستفزاز الخصوم.
طيب، هو يُغيّر لون شعره ونظام تسريحته بين الحين والآخر ووشم ساعديه، لكنه لا يهتم سوى بلعب الكرة، وهذا كافٍ ليجعلني من المعجبين.
لو تحلى الكرويون بأخلاقه لشهدنا مباريات أكثر جمالاً ومتعة.
هو الذي يجعلني أتابع مباريات فريقه عن سواهم. أما باقي الفرق، فانني أتابعها حينما يكونون أضداد لفريقه.
الفرق الإنكليزية أتجنبّها، قدر الإمكان، بسبب جمهورها المكوّن من عدد لا يُحصى من زعران المملكة، ولا أهتم كثيراً، في ذات الوقت، بالفرق الألمانية والإيطالية والفرنسية ماعدا باريس سان جيرمان، ولا بزلاتان إبراهيموفيتش، لقلق الملاعب الأوروبية.
وعلى سيرة الجمهور الأزعر، أو مشاغبي كرة القدم الذين كوّنوا نمطاً خاصاً بهم يقوم على الفاشية والعنصرية، الذين يتسببون في الواقع في مشاكل لا تُحصى وجرائم أيضاً تُشوّه هذه الرياضة الجماهيرية، وتزيح عن الأنظار جمعيات اخرى تهتم بالكرة ولا شيء عدا هذا. هم يقومون بتدمير وترهيب الاستادات الرياضية، ويُطلقون الشهب النارية ويتعاركون ويتشاتمون ويستدرجون الآخرين للمعارك، مما يستدعي تدخل قوات الشرطة. احياناً يفصلون بين مشجعي الفريقين بوضع كل مجموعة في جانب من الاستاد بين حواجز من قوات الامن، وفي انكلترا يعرفون هؤلاء فرداً فرداً فيمنعونهم من دخول الملاعب. في بعض البلدان يحظرون المشجعين الإنكليز من دخول المدن لأن ما يقومون به شائن وإجرامي: احتساء الكثير من البيرة ثم تكسير كل شيء، بما في ذلك جمهور الفريق الخصم.
يُغيظني أيضاً هذا التسامح الخاص بتمثيل بريطانيا عدة مرات من خلال تمثيل انكلترا، ويلز، ايرلندا الشمالية واسكوتلندا. ريشة الزينة هذه لا معنى لها، كونها مهد اللعبة، ونتائج هذه الأجزاء الأربعة كروياً مخزية في التصفيات العالمية. لم يتعلموا حتى الآن أن «الإتحاد قوّة».
ككل شيء كبير وواسع، هناك مشاكل كبيرة أيضاً. الفساد في منظمة الفيفا على سبيل المثال وسرقة الأموال وتلقي الرشاوي. هل هناك عاقل في هذا العالم يُصدّق أن اختيار الدوحة لمونديال ٢٠٢٢ لم يكن بسبب الرشاوي؟ على فكرة، قد يُقاطع الدوحة عدّة دول بعد أن علت أصوات الإحتجاج، أيضاً، بعد الكشف عن مقتل عدد كبير جداً من عمال بناء المنشآت القطرية بسبب الإستهتار وغياب تعليمات الأمان. أمّا أميرها فما مازال يبني وينجز ملاعبه المكيّفة، مما يلغي أساساً مبدئياً مفاده أن كرة القدم هي رياضة تُمارس في الهواء الطلق بامتياز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى