رأي

الدومينو والرياضيات و”ربّ ضارّة نافعة”

 
رشيد مصباح(فوزي)
**
مداوروش في: 14 ماي 2022
الموافق لـ:
١٣ شوال ١٤٤٣ هـ
**
كنتُ متحمّسا جدّا شغوفا بلعبة “الدومينو”، أُجهد نفسي أحمل هم تعداد آخر الأحجار المتبقيّة بأيدي اللاّعبين. ومع مرور الأيّام اكتسبتُ مهارة الحساب الذهني، وهو ما جعلني أميل إلى مادّة الريّاضيات، وإلى مادّة الجبر على وجه الخصوص، دون غيرها من المواد. وكان المعامل بالنسبة لمادّة الريّاضيّات هو الأعلى في تلك السنة؛ ولولا اجتهادي في هذه المادة، وكذلك في مادّة اللّغة العربية، لكان الرسوب حليفي في تلك السنة المهمّة. وربما كان لإدماني على “الدّومينو” الأثر الواسع والبليغ في إقبالي على مادّة هامّة جدّا مثل الريّاضيات، وأحبّ أن أؤكّد لكم هذا التميّز في عدّ الحجار المتبقيّة في أيدي اللاّعبين قبل وضعها فوق الطّاولة، ما شجّعني كثيرا على اعتناق مادّة مثل الريّاضيّات المستعصية على كثير من الطلاّب والتلاميذ، وخاصة منهم الجنس اللّطيف. و للأسف فإن نظرة المجتمع المستهجنة لم تكن رحيمة بمراهق مثلي يصرف جلّ أوقاته في المقهى ومخالطة المنحرفين الفاشلين من روّاد المقاهي، ومع ذلك كان تفوّقي في الريّاضيات، وفي مادة الجبر بالتحديد، مفيد جدّا، بل ويسترعي الانتباه، مسعفا ومنقذها من الرّسوب في تلك السنة المجنونة، ولأنّ معامل الريّاضيّات كان هو الأعلى، مقارنة بكل الموّاد الأخرى. بالإضافة إلى العلامات الكبيرة والمرضية التي كنتُ قد تحصّلتُ عليها في اللّغة العربية التي أخذت منّي كل الجهد والتفكير؛ ولكم كان أسفي على لغة الشعر والقرآن شديدة.
واجتمع المجلس التوجيهي في نهاية السنة، وسطّر الحاضرون القائمة النهائية للنّاحجين المنتقلين إلى الثانوية مع تحديد الشّعبة بالنسبة إلى كل واحد منهم، وكنتُ واحدا من بين هؤلاء المحظوظين. لكنّي لم أكن أبدا راضيا عن توجيهي إلى شعبة الآداب. ودخلتُ في متاهات من الحزن والأسى، وتملّكّني الغضب وشعرتُ بالظلم، وعزوتُ هذا الإحباط إلى والدي الذي كان يومئذ طريح الفراش لا يستطيع الوقوف على رجليه إلاّ بشقّ الأنفس ومساعدة الآخرين، وبدأ طموحي يتلاشى بمرور الأيّام، ولولا إصرار والدي ما كنتُ ألتحق بالثّانوية نهائيّا، وبالنّظام الدّاخليّ على وجه الخصوص. والإحباط من بين العوامل التي كان لها تّأثير سلبي على كل حياتي، وعلى كثير من ميولاتي ورغباتي.
وسقطتُّ في فخ الوحدة والانعزال، وكان ذلك بداية لظهور بعض الأعراض النفسية الخطيرة، ومن بينها الرّهاب اللّعين؛ الآفة التي أرّقتني كثيرا وسبّبت لي الكثير من المشاكل، فكنتُ كلّما دعاني أستاذ إلى السبّورة أحاول جاهدا التخلّص منه ومن أعراضه ومن علامات الارتباك البادية على محيّاي؛ من تصبّب العرق وشدّة احمرار الوجه وتلعثم اللّسان.. لكن المقاومة لم تزده إلاّ تعنّتا وإصرارا.
بعد تسلمّهم قائمة المستلزمات المطلوبة، تم قبولي في الدّاخليّة، لأكون نزيل مرقدهم زبون مطعمهم، سامعا لأوامرهم محترما لنظامهم الصّارم.
وتعوّدتُ على النوم والاستيقاظ في الأوقات المفروضة، وتعلّمتُ كيف أوضّب سريري، وكيف أتحيّن الفرصة للفوز بأنظف المراحيض، المكان الذي أمسى بالنسبة لي مناسبا جدّا ومهيأً لقراءة بعض القصص والروايات البوليسية و الرّومنسيّة بعد إطفاء الضوء على أصحاب المرقد أو”الدّورتوار”. و”ربّ ضارّة نافعة”.
ضائعٌ بين أقرانه
(سيرة ذاتية)
الجزء الثاني
(14)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى