أمن وإستراتيجيةدراسات و تحقيقاتفي الواجهة

الإجهاد المائي…مشكلة عالمية تزداد سوءاً

 
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
ندرة المياه مشكلة تهدد صحة المجتمعات وتطورها حول العالم. والتغير المناخي يزيدها حدة، ويضغط على الحكومات لإيجاد الحلول المبتكرة والتعاونية لمعالجة الإجهاد المائي.
مجلس العلاقات الخارجية
كلير فيلتر وكالي روبنسون
22 أبريل 2021
ملخص
* تقع ندرة المياه حين لا تستطيع المجتمعات تلبية احتياجاتها المائية، سواء بسبب عدم كفاية الإمدادات أو قصور البنى التحتية. واليوم، يواجه مليارات الأشخاص شكلاً ما من أشكال الإجهاد المائي.
* دأبت الدول على التعاون معاً في إدارة المياه. لكن هناك، رغم ذلك، بضعة أماكن حيث تخلق المياه العابرة للحدود بؤراً للتوتر، مثل حوض النيل.
* يرجح أن يتسبب التغير المناخي في تفاقم مشكلة الإجهاد المائي حول العالم، حيث يؤدي الارتفاع في درجات الحرارة إلى المزيد من عدم الاستقرار لأحوال الطقس والتقلب الحاد في الظروف الجوية، مثل الفيضانات وموجات الجفاف.
مقدمة
يفتقر مليارات البشر حول العالم لقدرة الوصول لأحد أهم عناصر الحياة الأساسية: الماء النظيف. وتشير التوقعات إلى تفاقم المشكلة بسبب الآثار السلبية للاحترار العالمي والزيادة السكانية، رغم المساعدة المقدمة خلال السنوات الأخيرة من الحكومات وجماعات المعونة لكثيرين يعيشون في المناطق المجهدة مائياً لتأمين وصولهم للمياه.
هناك تفاوت كبير في الإجهاد المائي من مكان لآخر، وفي بعض الحالات يتسبب في أضرار واسعة النطاق، تطال الصحة العامة والتنمية الاقتصادية والتجارة العالمية. كما يمكن أن يتسبب أيضاً في موجات ضخمة من الهجرة الجماعية وإشعال الصراعات. والآن، يتزايد الضغط على الحكومات لتبني ممارسات أكثر استدامة وابتكارية ولتحسين التعاون الدولي في إدارة المياه.
ما هو الإجهاد المائي؟
يقع الإجهاد المائي أو الندرة المائية حين يتخطى الطلب على المياه الآمنة والصالحة للاستخدام في منطقة معينة المعروض منه. من ناحية الطلب، تُستخدم الغالبية العظمى- نحو 70 بالمئة- من المياه العذبة في العالم لأغراض الزراعة، بينما يُقسم الباقي بين الاستخدامات الصناعية (19 بالمئة) والمنزلية (11 بالمئة)، ومنها للشرب. من ناحية المعروض، تشمل المصادر المياه السطحية مثل الأنهار والبحيرات والخزانات، علاوة على المياه الجوفية من الطبقات الصخرية.
لكن يستخدم العلماء طرق مختلفة لتعريف وقياس الإجهاد المائي، آخذين في الحسبان مجموعة متنوعة من العوامل مثل التغييرات الموسمية ونوعية المياه وقدرة الوصول. بيد أن قياسات الإجهاد المائي قد يشوبها عدم الدقة، لاسيما في حالة المياه الجوفية. وإلى ذلك يقول الأستاذ بجامعة كولومبيا وخبير المياه، أوبمانو لال: “يجب توخي الحيطة والحذر حيال الأرقام، حيث لا تستوعب التعريفات عادة استخدام المياه الجوفية، أو مخزون المياه الجوفية.”
ماذا يسبب ندرة المياه؟
تنقسم الندرة المائية غالباً إلى فئتين: الندرة الفزيائية، حين يوجد نقص في المياه بسبب ظروف ايكولوجية محلية؛ والندرة الاقتصادية، حين توجد بنية تحتية مائية غير ملائمة.
وكثيراً ما يتضافر الاثنان معاً ليسببا الإجهاد المائي. مثلاً، يمكن لمنطقة مجهدة أن تعاني من نقص في هطول الأمطار وفي الوقت نفسه غياب المرافق الملائمة لتخزين المياه والصرف الصحي. يقول الخبراء إنه حتى حين توجد أسباب طبيعية جلية وراء الإجهاد المائي لأحد المناطق، فإن العوامل البشرية لا تزال تلعب في الغالب دوراً محورياً في المشكلة، لاسيما فيما يتعلق بقدرة الوصول للمياه النظيفة والصرف الصحي الآمن.
ويقول الأستاذ بجامعة جورج تاون والخبير في إدارة المياه، مارك جيوردانو: “في كل الأحوال تقريباً لا ترتبط مشكلة مياه الشرب بالندرة الفيزيائية للمياه بقدر ما هي ترتبط بندرة المقدرة المالية والإرادة السياسية لإنشاء البنية التحتية لكي يحصل الناس على المياه النظيفة. هذه مسألة منفصلة.”
في الوقت نفسه، هناك بعض المناطق التي تعاني من الندرة الفزيائية للمياه تملك البنية التحتية التي قد سمحت بازدهار الحياة هناك، كما هو الحال في سلطنة عمان وجنوب غرب الولايات المتحدة.
ثمة تنوع من الجهات، من الصعيد القومي نزولاً إلى المستويات المحلية، يحكم إمدادات المياه أو يؤثر عليها خلافاً لذلك. في الولايات المتحدة، هناك العديد من الأجهزة الفيدرالية التي تتعامل مع جوانب مختلفة من المياه: تُعنى وكالة حماية البيئة (EPA) بإنفاذ اللوائح الخاصة بالمياه النظيفة، بينما تتولى الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ (FEMA) وضع الاستعدادات للكوارث المائية والتعامل معها. وهناك هيئات مماثلة منتشرة عبر الولايات والمحليات مهمتها حماية ومراقبة استخدام الموارد المائية، بما في ذلك من خلال مشروعات تقسيم المناطق وإعادة التأهيل.
ما هي المناطق الأكثر تضرراً بالإجهاد المائي؟
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي المنطقة الأسوأ وضعاً من حيث الإجهاد المائي الفيزيائي، وفقاً لمعظم الخبراء. تتلقى هذه المنطقة أمطاراً أقل من المناطق الأخرى، وتكثر في أقطارها مراكز حضرية سريعة النمو وكثيفة السكان تتطلب مياه أكثر. لكن هناك العديد من الدول في هذه المنطقة، خاصة الثرية منها، لا تزال قادرة على سد احتياجاتها المائية. على سبيل المثال، تستورد الإمارات العربية المتحدة كل غذائها بالكامل تقريباً، ما يخفف الحاجة لاستخدام المياه للزراعة. كما تعتمد الإمارات ودول غنية أخرى بكثافة أيضاً على تحلية مياه البحر الوفيرة، رغم ما يكتنف هذه العملية من كلفة مالية باهظة واستخدام كثيف للطاقة.
من ناحية أخرى، تضم الأماكن التي تعاني من ندرة اقتصادية ملحوظة دولاً تقع في وسط أفريقيا مثل جمهورية الكنغو الديمقراطية، التي تتلقى أمطاراً غزيرة لكنها تفتقر إلى البنية التحتية المناسبة وتعاني من مستويات عالية من سوء الإدارة.
حتى البلدان ذات الدخل المرتفع تعاني من الإجهاد المائي. هناك عوامل مثل البنية التحتية المتهالكة والزيادة السكانية السريعة تضغط بعنف على بعض الأنظمة المائية القائمة في الولايات المتحدة، ما تسبب في أزمات في مدن أمريكية مثل فلينت، ميشيغان، نيوارك، ونيو جيرسي.
كيف يؤثر تغير المناخ على الإجهاد المائي؟
يتوقع أن يؤدي الاحترار العالمي إلى زيادة عدد المناطق المجهدة مائياً وتفاقم الإجهاد المائي في المناطق المتأثرة به بالفعل. كما يتوقع أن ترتفع الحرارة في المناطق شبه الاستوائية، مثل أستراليا وجنوب الولايات المتحدة وبلدان شمال أفريقيا، وأن تعاني من موجات الجفاف بوتيرة أكبر ولفترات أطول؛ مع ذلك، حين يهطل المطر في هذه المناطق، يتوقع أن يكون أكثر حدة. وبالمثل، سيصبح الطقس في المناطق الاستوائية أكثر تقلباً، وفقاً لتوقعات علماء المناخ.
قد تصبح الزراعة تحدياً صعباً بشكل خاص، حين تصبح معدلات هطول المطر أكثر تقلباً ويتسبب الارتفاع المتزايد في درجات الحرارة في تسريع تبخر المياه من التربة وجفافها. كما يتوقع أيضاً أن يتسبب المناخ الأكثر تقلباً في إحداث فيضانات أكثر، تلتهم المحاصيل وتدمر أنظمة التخزين وتراكم الرواسب التي يمكن أن تتسبب في انسداد مرافق المعالجة.
في تقرير صدر عام 2018، كشفت لجنة تضم نفراً من أكبر علماء المناخ في العالم أن حصر الاحترار العالمي على 1.5 درجة مئوية بحد أقصى فوق المستويات قبل الصناعية- وهو أحد أهداف اتفاقية باريس للمناخ- قد يخفض كثيراً من احتمالية الإجهاد المائي في بعض المناطق، مثل دول حوض البحر الأبيض المتوسط وجنوب أفريقيا، مقارنة بارتفاع درجات الحرارة بلا كابح. بيد أن أغلب الخبراء يقولون إن اتفاقية باريس لن تكفي للوقاية من الآثار الأشد تدميراً للتغير المناخي.
ما هي تداعياته على الصحة العامة والتنمية؟
قد يكون للإجهاد المائي المزمن آثاره المدمرة على الصحة العامة والتنمية الاقتصادية. هناك أكثر من ملياري شخص حول العالم يعدمون قدرة الوصول لمياه الشرب الآمنة، وقرابة ضعف هذا الرقم- أكثر من نصف سكان العالم- بدون خدمات صرف صحي ملائمة. وقد تتسبب هذه الاختلالات في تزايد انتشار الأمراض مثل الكوليرا والتيفوئيد وشلل الأطفال والتهاب الكبد والإسهال.
في الوقت نفسه، تهدد ندرة المياه قدرة المجتمع على الوصول للغذاء، لأنها تجعل الزراعة أكثر صعوبة بكثير. وقد تواجه المجتمعات غير الآمنة غذائياً مخاطر الجوع الحاد والمزمن، حيث يصبح الأطفال أكثر عرضة لمشاكل سوء التغذية مثل توقف النمو والهزال والأمراض المزمنة مثل السكري.
حتى لو كان المجتمع المجهد مائياً يملك قدرة وصول مستقرة للمياه الصالحة للشرب، فلا يزال قد يضطر الأشخاص للسفر لمسافات بعيدة أو الانتظار في طوابير طويلة للحصول عليها- وهو الوقت الذي كان بالإمكان خلافاً لذلك قضائه في العمل أو في المدرسة. ويحذر الاقتصاديون من أن جميع هذه العوامل تتضافر فيما بينها لتوقع ضرراً فادحاً بالإنتاجية والتنمية.
ما هو دور المياه في العلاقات الدولية؟
كثير من مصادر المياه العذبة يتجاوز الحدود الدولية وظلت الحكومات الوطنية قادرة، في أغلب الأحيان، على إدارة تلك المصادر بروح التعاون والإخاء. هناك قرابة ثلاثمائة اتفاقية مياه دولية قد تم توقيعها منذ عام 1948. على سبيل المثال، تتعاون كل من فنلندا وروسيا منذ زمن بعيد بصدد تحديات إدارة المياه، مثل الفيضانات ومصائد الأسماك والتلوث. وقد صمدت اتفاقيات تقاسم المياه ونجت من صراعات عابرة للحدود حول مسائل أخرى، كما كان الحال مع نهر السند في جنوب آسيا ونهر الأردن في الشرق الأوسط.
من جانب آخر، هناك عدد محدود من البؤر الساخنة حيث تعد المياه العابرة للحدود مصدراً للتوتر، سواء بسبب عدم وجود اتفاقية أو النزاع حول نظام مائي قائم. من هذه الأخيرة حوض النيل، حيث يتدفق نهري النيل الأبيض والأزرق من بحيرات في شرق أفريقيا باتجاه الشمال إلى البحر الأبيض المتوسط. وتدعي مصر بحقوق في معظم مياه النيل على أساس عدة معاهدات، يعود تاريخ الأولى منها إلى الحقبة الاستعمارية؛ لكن دول مشاطئة أخرى تقول إنها غير ملتزمة بهذه المعاهدات لأنها لم تكن طرفاً فيها أصلاً. وقد تصاعد النزاع خلال الأعوام الأخيرة بعدما بدأت إثيوبيا في بناء سد ضخم لتوليد الطاقة الكهرومائية تقول مصر أنه يجور بدرجة كبيرة على حصتها من المياه.
قد تتسبب المياه العابرة للحدود أيضاً في إشعال فتيل الصراعات الداخلية، ويشير بعض المراقبين إلى تزايد ذلك الاتجاه خلال السنوات الأخيرة، لاسيما في البؤر الساخنة حيث تلوح المخاوف من اندلاع الصراعات العابرة للحدود. فمشروع الطاقة الكهرومائية الجديد، كمثال، قد يفيد النخب بأكثر مما يفيد في تحسين حياة المجتمعات التي تعتمد على تلك الموارد.
علاوة على ذلك، قد يؤثر الإجهاد المائي على التدفقات العالمية للسلع والأشخاص. على سبيل المثال، حرائق الغابات والجفاف عام 2010 أتت على المحاصيل الروسية، الذي نتج عنه قفزة في أسعار السلع وأعمال شغب غذائية في كل من مصر وتونس قبيل انطلاق ماراثون الانتفاضات العربية. كما يضغط الإجهاد المناخي أيضاً على البعض لدفعهم إلى الهجرة عبر الحدود. وتتوقع الأمم المتحدة أنه من دون تدخلات فعالة تعالج تغير المناخ، فسوف تؤدي ندرة المياه في المناطق القاحلة وشبه القاحلة إلى نزوح مئات الملايين من البشر بحلول عام 2030.
ماذا تفعل المنظمات الدولية والحكومات لتخفيف الإجهاد المائي؟
شهدت الأعوام الأخيرة بعض التعبئة الدولية حول الأمن المائي. ويعد ضمان توفر المياه والصرف الصحي وإدارتهما المستدامة من أجل الجميع من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وهي أجندة إنمائية مدتها خمسة عشر عاماً أقرتها الدول الأعضاء في 2015. كما تشكل الإدارة الذكية للمياه أهمية بالغة لكثير من أهداف التنمية المستدامة الأخرى، مثل القضاء على الجوع وضمان الصحة الجيدة والرفاهية. وبينما لا تذكر اتفاقية باريس للمناخ المياه صراحة، تصف الأمم المتحدة الإدارة المائية باعتبارها “مكون أساسي في جميع استراتيجيات التخفيف والتكيف تقريباً”. وتحذر المنظمة الأممية من التهالك المتزايد في البنى التحتية المائية التقليدية، وتدعو لتبني بدائل عديدة مرتبطة بالمناخ، مثل الخزانات الساحلية والأنظمة المائية العاملة بالطاقة الشمسية.
حققت الحكومات والمنظمات الشريكة تقدماً في زيادة قدرة الوصول للخدمات المائية: بين عامي 2000 و2017، ارتفع عدد الأشخاص الذين يستخدمون مياه الشرب الآمنة وخدمات الصرف الصحي الملائمة بنسبة 10 بالمئة و17 بالمئة، على التوالي. لكن وتيرة التغير المناخي وجائحة كوفيد 19 قد شكلت تحديات جديدة. والآن، تشكك بلدان كثيرة في مقدرتها على تنفيذ أنظمة الإدارة المائية المتكاملة بحلول عام 2030، الموعد المستهدف لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
هناك أيضاً بعض الحكومات التي تخطو خطوات طموحة وخلاقة لتحسين أمنها المائي وتعطي نماذج مشرقة ليقتدي بها الآخرون:
البنية التحتية الخضراء. ينص القانون في دولة بيرو على أن تعيد المنافع المائية استثمار جزء من أرباحها في البنية التحتية الخضراء (استخدام النبات والتربة وأنظمة طبيعية أخرى لإدارة مياه الأمطار)، وفي السنوات الأخيرة تبرعت كل من كندا والولايات المتحدة بعشرات الملايين من الدولارات لدعم هذه الجهود المبتكرة. كما اتخذت فيتنام خطوات مماثلة للدمج بين البنى التحتية المائية الطبيعية والتقليدية.
إعادة تدوير مياه الصرف الصحي. هناك المزيد والمزيد من المدن حول العالم تعيد تدوير مياه المجاري لتحويلها إلى مياه صالحة للشرب، الأمر الذي ظلت العاصمة الصحراوية لدولة ناميبيا تفعله في صمت منذ عقود. وتقوم مرافق في بلدان مثل الصين والولايات المتحدة بتحويل الرواسب من معالجة مياه الصرف الصحي إلى أسمدة.
الزراعة الذكية. الابداعات في مناطق مثل الذكاء الاصطناعي وتعديل الجينوم تدفع نحو التقدم أيضاً. وقد أصبحت الصين رائدة عالمية في الهندسة البيولوجية للمحاصيل لجعلها أكثر إنتاجية وتكيفاً.
————————-
ترجمة: عبد المجيد الشهاوي
رابط المقال الأصلي: https://www.cfr.org/backgrounder/water-stress-global-problem-thats-getting-worse

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى