
ولاية غرداية والأسرة الثورية تودع بوسماحة علي بن محمد.
قامة من رجال ثورة التحرير الوطني السجين المحكوم عليه بالإعدام مرتين.
بسم الله الرحمن الرحيم مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا {الأحزاب:23}
هكذا يضرب الموت و يخطف أعز الناس بدون سابق إندارولا إخطار.
في حشد وجمع غفير من مقبرة مليكة بولاية غرداية, بقلوب خاشعة راضية بقضاء الله وقدره إجتمع أهالي وسكان ولاية غرداية قاطبة ومجاهديها ورفقاء المجاهد الراحل ومسؤوليها يتقدم والي ولاية غرداية عبدالله أبي نوار وأبناءه وعائلته ومحبيه وباقي الجهاز الإداري والأمني. وسط حلقة المشايخ والأئمة والأعلام في توديع الفقيد المجاهد علي بوسماحة بن محمد وتشييع جنازته, بتلاوة خاشعة في يوم تاريخي تعتصر فيه قلوبهم ألما لفقدان رجل من الرجال العظماء، البسطاء الأوفياء, المخلصين. بطل من أبطال هذا الوطن المفدى، ثوري ثائر وهب حياته للجزائر ونذرها للدفاع عن الوطن بكل ما أوتي من قوة وجهد وحكمة غيرهم من وسائل الدفاع والجهاد والقتال بكل منطقة حل وأرتحل بها.
وفي كلمة تأبينية أعلن الدكتور ملاخ عبد الجليل نعي الفقيد المجاهد البطل علي بوسماحة بن محمد بأنه قد رحل جسدا، لكن روحه الطاهرة ستبقى مرفرفة لا تمحى ولا تندثر خالدة في قلوبنا تتوارثها الأجيال والسير، وسيبقى ذكره العطر يملأ جنبات هذا الوطن لقد كان الفقيد الغالي المجاهد علي بوسماحة مثاًلً للتضحية والفداء، فقد وهب زينة شبابه وزهرة عمره في سبيل الله وتحرير الوطن، لم يتردد يوما في مواجهة الصعاب والتحديات، وكان دائًما في الطلائع الأولية للصفوف الأمامية، يذود عن حياض الوطن بكل ما أوتي من قوة وعزيمة. لقد كان رمًزا للتضحية والشجاعة والإقدام، لم يعرف الخوف طريق إلى قلبه، ولم يثني من عزيمته وكان دائًما سباقًا إلى الذود عن الوطن، لقد كان قدوة للجميع في الصدق والوفاء والإخلاص، وكان يتمتع بأخلق عالية وحسن خلق رفيع وتواضع جم، وكان محبوًبً من الجميع. إن رحيل فقيد الجزائر عامة والجنوب وغرداية خاصة خسارة كبيرة للجميع لا تعوض باي ثمن، ولكن العزاء الوحيد أنه ترك لنا إرثا عظيما من التضحية والنضال والجهاد والفداء، وسيبقى ذكره العطر يضيء الطريق.
المجاهد المحكوم عليه بالإعدام في ومضة:
نسبة وأصله ونشأته:
هو المجاهد علي بن محمد بوسماحة, ولأمه حرمة مرضية, أصيل مدينة ورقلة بالجنوب الشرقي , ولد بها خلل عام 1929م، ونشأ في أسرة محافظة ومتمسكة بدينها و وطنيتها وقومتيها في منطقة مجاهدة ومدينة ورقلة الثورية التي خلدها التاريخ ودونها بأحرف من ذهب في كبريات السجلات الثورية التاريخية بشهادة العدو نفسه.
عضو جيش التحرير الوطني من سنة 1957 إلى 1962- سجين من سنة 1960 إلى 1962- محكوم عليه بالإعدام مرتين, الرمز الوطني:30200185.
نضاله ونشاطه في تكوين الجيش:
إنخرط الفتى علي بوسماحة مبكرا في صفوف جيش التحرير الوطني، في شهر رمضان من عام 1957 وكان له الفضل بعد الله مع رفاق دربه في تشكيل أول نواة لجيش مدرب في المنطقة بشبكة متليلي، خاصة أنه ورفاقه كانوا يملكون خبرة عسكرية وتدريب جيد على السلاح، ومكنتهم خبرتهم التي ملكوها في التجنيد لتشكيل جيش قوي أرعب فرنسا وجعلتها تنزل قواتها لتحاصرهم:
منهم عبد الرحمان بحبح، أحمد مولًي، بن سبقاق أحمد بن علي بلخضر، والطيب بوخشبة وغيرهم، وكان فرار أبناء الجزائر من الجيش الفرنسي في رمضان 1957 نقطة تحول هامة في جهاد المنطقة أثناء الثورة التحريرية، حيث حملوا معهم السلاح، والخرطوش، واللباس العسكري، وهذا ما كان له أثر كبير على المجاهد بوسماحة علي لما ألقى عليه القبض ويحكم عليه بالإًعدام.
مشاركته في المعارك:
شارك المجاهد علي بوسماحة في عديد المعارك الوطنية، والكمائن المختلفة، سواء بشبكة متليلي الشعانبة، أو وسط مدينة غرداية، أو في منطقة البيض، والنعامة، منها على سبيل المثال لا الحصر: معركة أفران الكبرى، بتاريخ 28 أوت 1957م، والتي كانت السبب لتنقل كتيبة الشعانبة من شبكة متليلي إلى منطقة البيض عند المجاهد مولاًي إبراهيم –الرائد عبد الوهاب، كما شارك بعد رجوعه من البيض في معركة شعبة النيشان بتاريخ 18 جوان 1960م، وشارك في كمين الخراجة، ولايزال إسمه يتردد في عديد مذكرات المجاهدين التي تصدر بين الفينة والأخرى، منها مذكرة المجاهد أحمد قادري، في منطقة البيض في شهر نوفمبر 1957.
سجنه ومحاكمته:
سجن المجاهد علي بوسماحة بالسجون الفرنسية داخل الوطن الجزائر وخارجه، حيث بناء على الوثًائق الرسمية الصادرة من المديرية الفرعية للتوثيق والمحفوظات، التابعة لوزارة العدل، وبناء على الشهادات المقدمة من عديد المجاهدين، فإن الفقيد المجاهد علي بوسماحة قد سجن عدة مرات، وصدرت في حقه أحكام كبيرة، آخرها، الحكم عليه بالإعدام لمرتين، بحيث سجن علي بن محمد بوسماحة بسجن غرداية وبسجن ورقلة، ولكن أكبر مدة قضاها كانت بسجن سركاجي، حيث سجن بسجن سركاجي (تحت رقم الإيداع 2072): من تاريخ 03 أوت 1960 إلى 16 أكتوبر 1960 ثم سجن بسركاجي تحت رقم: 5412 من: 25 أكتوبر 1961 إلى 07 فيفري 1962م. وذلك بعد أن صدرت في حقه مجموعة من الأحكام، منها القضية الأولى التي صدرت بمحكمة القوات المسلحة ناحية جنوب غرداية بتاريخ 25 جويلية 1960 بسبب محاولة اغتيال، وصدر الحكم عليه بعقوبة الإعدام. بسبب القضية الثانية من طرف محكمة القوات المسلحة ناحية جنوب ورقلة بتاريخ 24 أكتوبر 1961 بسبب الفرار بعصابة مسلحة مع حمل السلاح والذخيرة، وكانت العقوبة الحكم بالإعدام.
تحويله من سجن الجزائر إلى سجن بفرنسا:
حول المجاهد الفقيد علي بوسماحة بعدها إلى سجن المتروبول (ISTRES) بفرنسا ولم يطلق سراحه إلا بعد وقف إطلق النار بتاريخ 19 مارس 1962، ورغم ذلك حاولت فرنسا حينها تنفيذ حكم الإعدام رغم وقف إطلاق النار.
نشاطه ودوره بعد الإستقلال:
بعد أستقلل الجزائر وإسترجاع سيادتها، لم يبق المجاهد علي بوسماحة مكتوف الأيدي، بل ساهم في بناء مؤسسات الدولة الجزائرية، خاصة جيشها الشعبي الوطني حامي الدولة والوطن والشعب.
شهادات و أوسمة:
نال الفقيد المجاهد علي بوسماحة عديد الشهادات منها على سبيل المثال لا الحصر. في عام 1964 منحته الكلية العسكرية لمختلف الأسلحة شهادة التدريب بالكلية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال وذلك بعد نجاحه في الًإمتحانات النهائية. وفي عام 1969 منحت له من مكتب التدريب والعمليات بالناحية العسكرية الأولى التابعة لوزارة الدفاع الوطني شهادة رامي بالبندقية نصف آليه، وذلك في مسابقة الرمي، حيث تحصل المساعد علي بوسماحة من الفيلق 61 على 20/20 في الرمي (معدل 20/20).
مهام ومسؤوليات:
تولى المجاهد الفقيد علي بوسماحة عديد المسؤوليات، آخرها رئيس مكتب ولًاية غرداية لجمعية المحكوم عليهم بالإعدام، ولم يتوانى المجاهد في الدفاع عن الوطن كلما ناداه واجب الدفاع عنه، منها أنه كان من أفراد الدفاع الذاتي مع رفاق دربه في الجهاد.
تكريمات وأوسمة:
لقد عرف قدر الرجل المجاهد علي بوسماحة، ونال بعض التكريمات في حياته رحمة الله، ومن أهمها: منحته الجمعية الوطنية للمحكوم عليهم بالإعدام وسام تكريم، كما كرمته وزارة المجاهدين وذوي الحقوق ممثلة في منظمة المجاهدين ومديرية المجاهدين بولاية غرداية تكريما على دوره وبطولًته الجهادية، كما كرمته السلطات على مستوى ولًاية غرداية بحضور الوالي عبد الله أبي نوار، وقد ترك ذلك في قلب الفقيد وأولًاده وعائلته الأثر الطيب، وأقيم له أيضا حفل تكريم بجامعة غرداية بتاريخ 04 جويلية 2023 وبذلك بمناسبة اختتام ستينية إستقلال الجزائر وأحياء للذكرى 61 لإسترجاع السيادة الوطنية، وكم كانت كلمته التي ألقاها جد مؤثرة وهو يتذكر بطولًات أبناء الجزائر، وجرائم المحتل في حق هذا الشعب، وخرج كل من حضر يتأسف على رجل بطل ذو تاريخ ومكانة مثل العم علي بوسماحة ولا يعرفه شباب اليوم. كما ُكرم المجاهد علي بوسماحة رحمة الله عليه من مركز التكوين المهني بسيدي اعباز وغيرها من الجهات. لقد إعتمد على المجاهد علي بوسماحة عديد الباحثين في التاريخ، من خلل شهادته الحية، سواء في ولاية غرادية، و ورقلة، والبيض، والنعامة، وغيرها من بًقي الولًايات الأخرى.
عن الدكتور ملاخ عبدالجليل بن عبد القادر, باحث وعضو المجلس العلمي التاريخي بالمتحف الولائي للمجاهد بولاية غرداية وأستاذ بجامعة غرداية.
الأستاذ الحاج نورالدين أحمد بامون – باحث مؤرخ عضو سابق أمين ولاية للدراسات والأبحاث التاريخية وعضو المجلس الوطني للمنظمة الوطنية لأبناء المجاهدين بالجزائر.