المغرب: حرب استخباراتية على خلفية حرب الخلافة

زكرياء حبيبي
لم تعد الحرب بين أجنحة أجهزة المخابرات المغربية، بين عبد اللطيف الحموشي، رئيس مديرية مراقبة التراب الوطني والمديرية العامة للأمن الوطني من جهة، وياسين المنصوري، رئيس المديرية العامة للدراسات والمستندات (المخابرات الخارجية) من جهة أخرى، خافية على أحد. حرب تُوضح بشكل جيد، حربًا أخرى، وهي حرب الخلافة.
إن الحرب بين جناحي أجهزة المخابرات، الإخوة الأعداء، أصبحت اليوم أكثر وضوحا، كما أثبتتها الهزيمة الكبيرة للدبلوماسية المغربية أمام الجزائر، في السباق لوضع مرشحيها في رقعة مؤسسات الاتحاد الأفريقي، وخاصة منصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، ومجلس السلم والأمن الأفريقي. فالانتصار الدبلوماسي الجزائري ستكون عواقبه وخيمة على المخزن، حيث أن قضية تصفية الاستعمار من أراضي الصحراء الغربية ستعود كواحدة من أولويات النقاش على مستوى هيئات المنظمة القارية.
ولم يكن المرشحين الذين قدمهم رئيس الدبلوماسية المغربية ناصر بوريطة من الوزن الثقيل على مرشحي الجزائر التي تستعيد مكانتها التي تليق بها على المستوى القاري، مما يسمح لها بترسيخ مكانتها كلاعب محوري في عالم يتجه نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب.
وكانت الصور التي تم نشرها على شبكات التواصل الاجتماعي والتي تُظهر الإحباط الكبير لرئيس الدبلوماسية المغربية ناصر بوريطة ورئيس المخابرات الخارجية، والتي شاهدها العالم، تصب في صالح منافسه ورئيس مديرية الأمن الوطني المغربي عبد اللطيف الحموشي.
والدليل أن أدوات الدعاية المُقربة من عبد اللطيف الحموشي سارعت إلى إطلاق النار على ناصر بوريطة، وهي المصادر ذاتها التي كانت تصف بوريطة بالدبلوماسي الكبير والمُناور عندما يتعلق الأمر بالجزائر.
وشن نشطاء على يوتيوب، وبعض المواقع الدعائية المخزنية، هجوما شرسا على ناصر بوريطة وياسين المنصوري. ووصل الأمر إلى حد تداول إشاعات حول إقالة ناصر بوريطة، المقرب من حزب الليكود الصهيوني، واستبداله بالإسلاموي العثماني، رئيس الحكومة الأسبق الذي وقع على التطبيع مع الكيان الصهيوني سنة 2020.
كما أن الفيديو الذي نشرته مصالح عبد اللطيف الحموشي، والذي يظهر فيه بيدق المخزن هشام عبود في تسجيل مع أحد ضباط المديرية العامة للأمن الوطني التابعة لياسين المنصوري، هو مثال واضح على هذه الحرب بين رئيسي مصالح المخابرات في نظام المخزن. وبالتالي، أحرق عبد اللطيف الحموشي، من خلال هذا الفيديو، أوراق الخائن هشام عبود، مُمتهن الرقص في العيون المحتلة.
زيارة الحموشي إلى إسبانيا
الزيارة السرية التي قام بها عبد اللطيف الحموشي إلى إسبانيا، والتي سربتها أجهزة المخابرات، كما أشرنا في مقال سابق، كانت تهدف إلى استعادة الرجل الثاني السابق في المخابرات الخارجية للمخزن، مهدي الحجاوي، أحد المقربين السابقين من ياسين المنصوري. ومن خلال استعادته، كان عبد اللطيف الحموشي يُخطط لإضعاف منافسه ياسين المنصوري. وليست الوسيلة الإعلامية الإسبانية “لارازون” التي ستُكذّب الضغوط التي مارسها نظام المخزن للتعتيم عن قضية الرجل الثاني في مخابرات المخزن الخارجية.
هسبريس وشائعة وفاة محمد سادس
هل إعلان وفاة محمد السادس هي حلقة جديدة في حرب الخلافة؟
تفاجأ العديد من المراقبين بـ “خبر” وفاة محمد السادس، الذي نشره موقع هسبريس، الذي تحول إلى أداة قوية للدعاية المخزنية، والذي أزاح وكالة المغرب العربي للأنباء الرسمية وجعلها في المرتبة الثانية. وهي “إشاعة” سارعت هسبريس إلى سحبها، علماً أن هذه “الإشاعة” تزامنت مع عودة محمد السادس إلى الرباط بعد إقامة طويلة قضاها في الإمارات العربية المتحدة، أحد الممولين الرئيسيين لهذه الصحيفة الدعائية.
إعادة فتح النقاش بخصوص الخلافة
تكشف هذه الحرب بين أجنحة أجهزة مخابرات نظام المخزن عن حرب الخلافة بين “الأشقاء”، في أعقاب “المعلومات” التي تُشير إلى أن محمد السادس، الذي أنهكه المرض، بل وحتى “يحتضر”، يستعد للإعلان عن تنازله النهائي عن العرش لصالح ابنه الحسن الثالث.
ويُقال إن التأخر في الإعلان عن هذا الانسحاب لعدة أشهر مُرتبط بمُقاومة المُعسكر الآخر المُكون من إخوة وأخوات محمد السادس. بالنسبة لهذا المعسكر، يُعتبر مولاي رشيد هو المُرشح الأكثر شرعية وخبرة لخلافة محمد السادس.
لغز فؤاد الهمة
يُدير فؤاد الهمة، الصديق المقرب للملك والمستشار الأكثر نفوذاً، مُعظم القضايا الحساسة، سواء الأمنية أو السياسية، بتفويض من الملك. وخلال فترة وجوده في الإدارة، تمكن من نسج شبكة من الرجال الموثوق بهم.
والعالم أجمع تمكن من مشاهدة، خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الرباط، صور البروتوكول عند وصوله إلى المطار وعند نزوله من الطائرة. وكان في استقبال إيمانويل ماكرون الملك محمد السادس وابنه الحسن الثالث الوريث الرسمي حتى اليوم وابنته وشقيقه مولاي رشيد الذي يضع نفسه بقوة كخليفة له، وكذلك شقيقة الملك للا مريم زوجة المستشار القوي فؤاد الهمة، التي يُدعمها بقية أفراد العائلة والتي يتزايد نفوذها.
واليوم، بات من الواضح أن زوج الأميرة للا مريم، الشقيقة الصغرى لمحمد السادس، سيقول كلمته بمناسبة هذه الخلافة “القيصرية”، والتي سيكون لها بالتأكيد عواقب على مستقبل المملكة في عالم مُتغير وفي سياق خاص للشعب المغربي، الذي يُواجه أزمة اجتماعية واقتصادية مُعقدة للغاية، وهو على وشك الانفجار الاجتماعي في بلد أصبح مستعمرة صهيونية جديدة، كما يتضح من عمليات طرد المغاربة من أراضيهم وملاجئهم لصالح الأسياد الصهاينة الجُد