العالمفي الواجهة

مستقبل العلاقة بين كندا و الولايات المتحدة

هل ستصبح كندا الولاية الأمريكية 51؟

وليد الأسطل

قد يكون من المغري بالنسبة لأولئك الذين لم تطأ أقدامهم أمريكا الشمالية قط، أن يعتقدوا أن الولايات المتحدة وكندا شقيقتان، أو توأم -بسبب اللغة والموقع الجغرافي- لا يفصل بينهما أي شيء تقريبا. من الواضح أن مثل هذا الافتراض محض هراء، فالاختلافات بين البلدين عديدة.

بشكل عام، يعتبر الأمريكيون الكنديين أشخاصا بسطاء لطفاء، الأفراد الذين نمتدح طيبتهم أو بالأحرى سذاجتهم بلمسة من التعالي التي تليق “بالعقول” التي تعتقد أنها “متفوقة” على الآخرين.

إن نظرة الأمريكان للكنديين تشبه نظرة الفرنسيين للبلجيكيين إلى حد ما: جيران، أوربيون، بيض، ودودون، يشربون البيرة ويتناولون بلح البحر مع البطاطس المقلية، ولكن لا ينبغي الاعتماد كثيرا على عقولهم.

من خلال تجربتي، يمكنني أن أنصحك بعدم إخبار الكنديين بأنهم يشبهون الأمريكيين، فقد يفهمونك بشكل سيئ للغاية. الكندي هو كل شيء إلا الأمريكي. إنها مسألة مبدأ يوحّد -من المحيط الهادئ إلى المحيط الأطلسي- شعبا بأكمله، بل وربما هو القاسم المشترك الوحيد الذي يربط الكنديين ببعضهم البعض. إن كراهية أمريكا وقيمها من أهم ما يميّز الشعب الكندي.

ينمّي أحد البلدين التسامح وروح الانفتاح، بينما يطلق الآخر العنان للعنف الذي يغذّي المجتمع برمّته. لا يقتني المواطنون الكنديون الأسلحة مثل جيرانهم الذين يقبلون على شرائها إقبالهم على شراء البيتزا. لا يمارس الكنديون عمليات القتل الجماعي، ولا يتناولون الطعام إلى درجة المعاناة من البدانة، كما أن حكومتهم تعفيهم من إنفاق أموالهم للعلاج في مستشفياتها. وفي كثير من النواحي، تبدو كندا ديمقراطية كدولة إسكندنافية، بخلاف أمريكا الأشبه بالغابة.

يقول دونالد ترامب إن كندا يمكن أن تصبح الولاية الأمريكية الواحدة والخمسين! هل أنت جاد يا رجل!

إذا كانت لكندا طبيعة متوحشة جامحة، فإن مجتمعها ليس كذلك. إنه يقوم على احترام جميع الأفراد بغض النظر عن عرقهم أو دينهم أو أصلهم، وهو تسامح يصل إلى حد الهوس والمبالغة في بعض الأحيان. ولا يعني هذا أن العنصرية غائبة تماما عن الهوية الكندية، لكنها تظل رأيا لا يمكن الدفاع عنه ولا يحلم أحد بالتفاخر به. والدليل على ذلك أن كندا تظل حتى يومنا هذا إحدى الدول الغربية التي لم يجد فيها اليمين المتطرف بعد أرضية مناسبة للتعبير عن أفكاره. وهذا يوضّح مدى اختلافها عن أمريكا.

ما تزال كندا تعتمد إلى حدّ كبير على سياسة الهجرة القوية. ومن دون التدفّق الضّروري والمستمرّ للمهاجرين لن تكون قادرة على تسيير أمورها بسلاسة. لذا ليس أمام المجتمع خيار آخر سوى الترحيب بالمهاجرين والتحلّي بعقل منفتح يتعارض مع فكرة الانطواء على الذّات أو التأكيد على القومية السّامّة التي يدعو إليها دونالد ترامب ومناصروه.

إن مجرّد التّخيّل للحظة واحدة أنّ كندا يمكنها الاندماج في المجتمع الأمريكي هو أمر غريب مثل الرّغبة في دمج الصيّادين والناشطين البيئيين في نفس الحركة السياسية، أو أن تطلب من مهووس بالسيارات -مثلي- التخلّي عن سيارته واستبدالها بدراجة هوائية بسيطة. نحن أمام عدم توافق رهيب، يرتكز قبل كل شيء على مفاهيم فلسفية تقع على النقيض من بعضها البعض.

إذا كان ترامب ينوي ضم كندا، فسيتعيّن عليه استخدام القوّة المسلّحة. فلست أرى كيف يمكن للكنديين أن يتخلوا من تلقاء أنفسهم عمّا يشكّل أساس هويّتهم. إن مطالبتهم بالانتماء إلى الأمة الأمريكية سيكون بمثابة إنكار لتاريخهم وثقافتهم وطريقتهم في الوجود في العالم وجوهر هويتهم، فهم بشر متسامحون ومنفتحون على العالم.

يعتبر ترامب كندا فريسة سهلة! واتكاء على جهله الشديد، ينوي منح أمريكا مساحة أكبر للعيش، مثل أدولف هتلر وفتوحاته التوسعية. ولكن كندا ليست النمسا. ذلك أنه من سابع المستحيلات -اليوم- أن يتجمّع الكنديون في شوارع أوتاوا أو مونتريال للترحيب بترامب “الفاتح”، كما رحّب النمساويون ذات مرة بالمستشار الألماني (هتلر)، بسبب حمّى قومية دفعتهم إلى التعبير عن موافقتهم على الانضمام إلى الأمة الجرمانية العظيمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى