غزة تردّنا إلى الله
“وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أولئك هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ”
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث سهل ابن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ الغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا”
ليتنا يكون لنا حظ في شيء من هذا لسبب واحد هو أنا نحب غزة ومجاهديها والمرابطين على الثغور، وننصرهم بجهد المقل، بدينار ضعيف أو حتى بحزن يغمر قلوبنا وأمل يحدونا أن نراهم منتصرين، فالمعركة في غزة بين إيمان وكفر، فمن لم يكن مع المقاومة فهو مع الصهاينة ، والمجاهدون ” لا يضرهم من خذلهم”، والخِذلان أن تفرح وترقص وتستمتع وإخوانك يموتون من الجوع والقصف ، لكن المؤمنين أبعد الناس عن هذا الدرك الهابط، ونستحضر بكل مرارة مقطعا من كلمة أبي عبيدة الأخيرة تغنيننا عن كثير من التحليلات، قال: ” وإن ضمير أمتنا الجمعي بالتأكيد ينحاز لهذه المقاومة التي نصرت غزة بإرادة فولاذية وقتال بلا هوادة، فقد سئمت شعوب أمتنا التضامن اللفظي الخجول والعجز الرسمي المقيت، وقد حقق مقاتلو أمتنا الأوفياء مفهوم النصرة والوحدة العربية كما لك يحدث من قبل، فما أسعد روح شهيدنا عبد القادر الحسيني بكم يا أبطال أمتنا، وما أشد خيبة أمله من زعماء ناشدهم رحمه الله منذ ستة وسبعين عاما، وما زال صدى صوته لا يحرّك فيهم ساكنا، بل إن عجزهم بات أكبر، وتقاعسهم وخذلانهم أصبح أشد وأقسى … ولا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل “.
إن هذا الموقف العصيب يجعل أهل الله يتنادون بتصحيح المسار، فقد طغت المادة فقست القلوب وجفّت العيون…هل نحس في قلوبنا بجلال الله؟ هل تدمع أعيننا خوفا من ناره وشوقا إلى لقائه وإشفاقا على ذنوبنا؟ واأسفاه ! الدنيا هي كل همّنا لهذا كرهنا بعضنا، نطعن في بعضنا، نؤذي بعضنا، ونحن لدينا رب واحد ونبي واحد وكتاب واحد وقبلة واحدة…ألا نعلم أن القلب المنشغل بحب الله ليس لديه وقت ليكره الآخرين؟…لماذا امتلأت القلوب بالكراهية؟ هذه قلوب لا ينظر الله إليها ولا يُقبل عليها، ومن تخلى الله عنه ضلّ وتاه وخسر…يا ناس القضية قضية القلب السليم قبل كل شيء…القلب الذي يقود صاحبه إلى الاستقامة الحقيقية، يبعده عن الشر ويقحمه في جوانب الخير، القلب الذي يجعل المسلمة تتمسك بالحجاب في زمن الغربة بدل التحجج بالقلب الأبيض وهي متبرجة تصبح على غضب الله وتمسي…وصدق ابن عطاء في حكمته ” ما قادك شيء مثل الوهم “، فإياك أن بلعب بك الشيطان فيرميك في أودية الوهم وأنت تحسب أنك من السابقين السابقين، كما يحدث للغافلين: “قل ليس بأمانيّكم”.
لن تنفعنا المسلسلات والمباريات و الألعاب والميداليات ولا…الأماني، بل ينفعنا الرجوع إلى الله وتزكية نفوسنا ومعالجة قلوبنا وإصلاح ذات بيننا وتسيير حياتنا وفق تعاليم القرآن والسنة وهناك وشعار إيماني يجب أن نرفعه تحت ظلال الجهاد في غزة: ” “تعالَ نؤمنْ بربنا ساعة”…هذا ما كان يقوله الرجل لصاحبه في الزمن الماضي…يجلسان فيتركان حديث الدنيا والسياسة والشكوى واللغو، ويتحدثان عن الموت وسكراته، والقبر وأحواله، والقيامة ومشاهدها، والميزان والكتاب والصراط، وحوض النبي صلى الله عليه وسلم، والجنة والنار، ولقاء الأحبة محمد وصحبه.
ما أحوجنا إلى مثل هذه الجلسات الإيمانية لمعالجة قلوبنا القاسية ونفوسنا العليلة ودنيانا التي طغت عليها المادة…ما أحوجنا إلى مواعظ تعلّم القلب الخشوع والعين الدموع…القرآن يُتلى لكن أين التفاعل الوجداني معه؟ السنة على ألسنة الناس فما حظنا منها في سلوكنا؟ ما أكثر المتكلمين باسم الدين وما أقل تأثيرهم في المسلمين…فيا صديقي تعالَ نؤمن بربنا ساع، يا صاحب الخطايا أين الدموع الجارية؟ أسفا إذا جاءك الموت وما تبت، ماذا تفعل مع الرحيل وأنت ما تهيأت؟ ماذا تصنع بالذنوب التي تملأ صفحتك؟…يا سالك طريق الله اركضْ فإن صعب عليك فهرْول، فإن تعبت فامْشِ، فإن لم تستطع فسرْ حبْوا، وإياك والتراجع.
هل تعيدنا غزة إلى الله؟
عبد العزيز كحيل