تجّار الدّماء.. المنتفعون من الثورات؟

رشيد مصباح(فوزي)

صور القتل والدّمار المرعبة التي تأتينا من غزّة عبر قناة الجزيرة تزيد في درجة الإحباط الذي نعاني منه، وصار كابوسا يلازمنا يوميا. ويدفعنا ذلك إلى التساؤل عن جدوى الحرب و هذا الجهاد الذي تسبّب في كل هذا القتل والدّمار والإبادة الجماعية، لشعب أعزل ظل يعاني عقودا من الحصار؟
مثل هذه الحروب التي ما انفكّت تقتل وتدمّر، وتفتك بملايين البشر. لا تفرّق بين صالح وطالح، ولا عالم وجاهل. بل تحمل في ثناياها الشر الذي تبيّن وأنّه غريزة، وليس ”طبيعة ثانية“ في هذا الإنسان.
مهما حاول عرّاب الحروب إيجاد مبرّرات لفتاويهم؛ مرّة دينية، وأخرى لأغراض وأهداف سياسية ربما أو اقتصادية… فإن أوّل وأكبر خاسر، هو هذا الانسان الذي نحارب من أجله ولأجله.
إن الذي خلق الإنسان، وسخّر له كل شيء فوق هذا الكوكب الجميل كي يكون صالحا ويعيش عيشة راضية، لا نظنّه قد يرضى بحرب لا تفرّق بين طفل بريء ومجرم خطير، بين صالح وطالح، ومواطن عادي وطاغية جائر. ولا بهذا الدّمار الشنيع؛ كالذي يجري الآن في غزّة، ولا يفرّق بين مسجد وكنيسة، ومخبأ وملجأ، ومستشفى يأوي مرضى.
كثر البشر وتفرّقت المذاهب والأديان، و هذا من الأسباب ربما التي أدّت إلى بروز خلافات أدّت إلى نشوب حروب؛ لا طائل تحتها، ولا أوّل لها ولا آخر. فكان لا بد من التبصّر، فليس كل قارع طبل ممن يؤيّد الحرب ويدعو إليها نبيّا أو مواطنا صالحا، فهناك من لديه مصالح شخصية ولا يريد لهذه الأوطان والشعوب أن تعيش في سلام.
لقد سدّد الشعب الجزائري ثمن رفضه لاحتلال صليبي أجنبيّ بغيض وغاشم حاول بكل خبث تنصير شعب عربي مسلم و فرنسته، لكنه لم يفلح في الأخير و خرج صاغرا. وكذلك اليوم، فإنّه هناك من يشبّه الثّورة الجزائرية بما يجري في غزّة من مقاومة مستبسله، رغم الاختلاف الكبير والواضح في الظروف والأزمنة والإمكانيات.
وكما أن هناك من يخطّط، ومن يتبرّع بروحه ودمه نصرة لدينه ووطنه. هناك أيضا من يتربّص بالثورة ويتحيّن الفرصة، والانتهازيون يدركون متى يجب القفز على الثورة. هؤلاء الجبناء الذين بطريقة ما احتالوا على الثورة، والثّوار الحقيقيّون استشهدوا في ساحات الوغى؛ ومن نجا منهم تم اغتياله وقتله بدم بارد.
وفي جزائر الستّينيّات، حينما أدركت فرنسا أنّ خروجها بات مؤكّدا لا محالة، و احتاطت لنفسها، وكذلك فعل من أسموهم ”المعمّرين“ قبل الإعلان عن الجلاء. ظهر بعدها طبقة من المنتسبين إلى الثورة، استولوا على الأراضي الشاسعة، والمباني الفخمة، والمناصب الشاغرة.
لن نسمح أن يُقال عن هؤلاء الانتهازيين الجبناء ”مجاهدين“؛ حتى ولو صلّوا وصاموا وحجّوا. لأنّهم، وبطرق شابها الحرص والطمع، والانتفاع الشخصي أو الذّاتي… قدّموا مصلحتهم الشخصية على مصلحة الوطن. ووفّروا لأبنائهم كل أسباب الرّفاهية والرّاحة لكي يعيشوا ”حياة وردية“ لا يشوبها فقر ولا عوز.