من الأجمل: الماضي أم الحاضر؟
—–
رشيد مصباح (فوزي)
هذا القتل وهذا الظلم الذي يعرفه العالم في هذه الأيّام، ويدفعنا إلى الهروب من الواقع بشقّ الأنفاس، لا نعرف إن كان سببه ما يجري في غزّة أم لا؟ لأن الحياة منذ الأزل وحتى نزول آدم وحواء، وقبل حتى إقدام قابيل على جريمته الشنعاء التي أصبحت سنّة يقتدى بها الظّالمون والمجرمين الطّغاة ومن والاهم في هذه الحياة. لم تخلُ من الظلم ولا من القتل.
قد لا يكون سبب هروبنا من الواقع هو هذا الظلم الذي صار مشرعنا ومقنّنا ويُمارس بعدّة أشكال وصفات وبشكل عادي، بحيث لا يخشى أصحابه الظّالمون المجرمون البغاة من أن تطالهم قوانين أو تمسّهم عقوبات. كون الظّلمة عموما يتميّزون بالقوّة والجبروت والطغيان، ولديهم حاشية متملّقة تغطّي على جرائمهم بمختلف التبريرات؟
وقد يكون السبب الآخر كذلك هو التقدّم في السن، وهذا وجه آخر لظلم الحياة للانسان. فهو مع هذا التقدّم في السن، يخشى من أثر السنين والأيّام على جسده النّحيف المترهّل، وأن يكون عالة على غيره لا يجد من يساعده على القيّام بأبسط الأشياء، والذّهاب إلى بيت الخلاء – أجلّكم الله – لقضاء حاجته.
لذلك نحن نهرب من هذا الواقع المرير باستحضار الماضي الجميل، والذي مهما كانت طبيعة العيش فيه فهو للإنسان الذي جرت به رياح المواسم العاتية يمثّل فترة الشّباب، وهي أجمل فترة ومرحلة يعيشها الإنسان في حياته الطويلة؛ بما فيها من طيش ونزق، وحتى الاحتياج والفقر ربما.
ومهما كانت هذه الفوارق، فالماضي أجمل من الحاضر. على الرّغم من الحاجة و الفقر، و نقص الوسائل والإمكانيات. ومع ذلك يظل هذا الإنسان؛ شاعرا كان أو فنّانا، يتغنّى في قصائده ويزيّن بشعره وألوان ريشته بالماضي الجميلة.
ولنكن صرحاء مع أنفسنا: هل أضاف هذا الحاضر الذي نعيشه بما فيه من وسائل حديثة وعصرية قد تكون رخيصة الثمن وأثرها جدّ وخيم على صحّة الإنسان النفسية والعقلية والبدنية.. فقد تسبّبت هذه الوسائل العصرية في ظهور الأمراض الخطيرة والمزمنة والقاتلة لم تعرف البشرية مثلها من قبل.
وليس من الغريب أن تظهر مثل هذه الأمراض والآفات كالتي تصيب الإنسان في هذا الزّمان، لأن الإنسان اعتمد كليّّا على أسباب الرّفاهية فأمسى خاملا كسولا لا يستطيع المشي لمسافات طويلة كان يفعل ذلك من قبل.
ولا يزال المستشارون من الأطبّاء وغيرهم ينصحون النّاس في هذه الأيّام بالابتعاد عن هذه الوسائل الترفيهية والحديثة العصرية وبممارسة رياضة المشي وبذل الجهد اللازم، إلى جانب تجنّب الأطباق الجاهزة والمعلّبات المستحضرة؛ ولأن الأدوية الكيميائية التي نتعاطاها لا تنفع وحدها ناهيك عن الأضرار وما تحمله من آثار جانبية.
والطبيعة هي الأخرى تعاني من ”غزو“ الوسائل الحديثة وهذه آلات والتقنيّات الحديثة التي لوّثت كل شيء وأفسدت كل شيء. ومن تعديلات الهندسة الوراثية التي زادت في الكميّة على حساب القيمة الغذائية؛ نحن نحيا في ظل حاضر موبوء. ولعل المبرّر الوحيد في ذلك يتمثّل في ضرورة توفير الغذاء اللاّزم لملايين البشر؟
لا داعي للعودة في كلامنا هذا إلى ما تصنعه آلة القتل الحديثة التي لا تشفق ولا ترحم كبيرا ولا صغيرا، ونشاهد حجم الدّمار الذي تخلّفه مع التفنّن في القتل.
نفرّ من هذا الحاضر ووسائله العصرية؛ التي هتكت بنا ولم تزد الحياة سوى تعقيدا وخطورة، إلى الماضي والحياة البسيطة. لأنّنا ببساطة نفتقد أشياء كثيرة في ظلّ هذا التقدّم الرّهيب الذي لا يحترم قوانين ولا سنن ولا طبيعة.