أين المفتاح يا لينين؟

أين المفتاح يا لينين؟
عبد الرزاق دحنون

يخطر في بالي السؤال التالي: أين مفتاح الحل في سورية مثلاً، وقد طالت الأزمة
أكثر مما ينبغي، واستفحل المرض، ولا علاج، وهذا خطير؟ وعلى فكرة، لا أحبّ
كتابة كلمة “سورية” بالألف بدل التاء المربوطة، لا أجد مسوّغاً ولا حكمة من وراء
ذلك. ولاحظ من البداية، أنّنا كسوريين نختلف حتى في كتابة اسم بلدنا. المهم، وكلّه
مهم، لتوضيح السؤال أكثر لأننا لسنا وحدنا في هذه المسألة، أقصد “غياب الحل”
وضياع مفتاحه. انظر إلى جيراننا: العراق، لبنان، فلسطين. ثمَّ اذهب إلى: اليمن،
ليبيا، السودان… نفس المشكلة: غياب الحل. نعود إلى السؤال: أين مفتاح الحل في
هذه الدول؟ ومع من هذا المفتاح؟ وهل هذا المفتاح موجود فعلاً في حقيقة الأمر، أم
هو من خيالات وأضغاث أحلام وقعنا فيها تحت تأثير سيرة عنترة العبسي وسيف
بن ذي يزن وتغريبة بني هلال وعلي الزيبق في ألف ليلة وليلة؟

وبما أنّ المجتمع في هذه الدول انقسم على نفسه -شئنا ذلك أم أبينا- وسُدَّتْ في وجهه
جميع الأبواب وأغلقت إغلاقاً مُحكماً، فلا بدّ في اعتقادي من مفتاح ما، وقد لا يوافق
المفتاح البديل المفتاح الأصل لأنه (وعلينا الاعتراف بذلك) قد يكون ضاع. وهنا
السؤال: هل من الممكن إيجاد هذا المفتاح البديل؟ وكيف نحصل عليه؟ وهل يفتح
الباب المغلق فعلاً؟

أرى أن كلّ من عمل ويعمل في الداخل أو في خارج -أجلكم الله- في المنافي
ومخيمات اللجوء (أحزاب سياسية، مؤتمرات دولية وإقليمية، هيئات تفاوضية،
منصات، تجمعات، لجان، جمعيات، أفراد)، لا يمتلك ولو إشارات إلى مكان وجود
هذا المفتاح. هات علامات أو نقاط “علاّمة” تُرشدنا، ولو من بعيد عن مكان وجود
مفتاح الحل الضائع. ويُحكى أنّ جحا دفن كنزاً في الصحراء، فلّما أراد علامة تدل
على مكان الكنز لم يجد غير سحابة صيف جعلها دليلاً على موضع كنزه! ويسأل
سائل: ماذا لو وجدنا مفتاح الحل!؟

سيداتي سادتي لن يوافق على استعماله الكثير من القوى صاحبة المصلحة الحقيقة
في الحل. إذن؟ إذن ماذا؟ خذ مثالاً بسيطاً: قضينا، أو قضية العرب المركزية- وهل

هي فعلاً كذلك؟، ما علينا، فلسطين، وما أجمل هذا الاسم! استعصت على الحل فعلاً
بعد عقود من السنيين، من عرقل هذا الحل ويُعرقله بعد خمسة وسبعين سنة على
تأسيس دولة “إسرائيل” على أرض فلسطين؟ ألم يعمل الفلسطينيون ما عليهم عمله
وزيادة؟ ماذا يعملون أكثر مما عملوا؟ والنتيجة “صفر” استعصى حلّ عقدة القضية،
لأنّ العقدة شُدَّت شدّاً مُحكماً. والنتيجة؟! لا نتيجة. وكما قال صديق “فلسطين” اللدود
وصديق إدوارد سعيد، المفكر الباكستاني “إقبال أحمد” بعد أن زار قوات المقاومة
الفلسطينية في جنوب لبنان عام 1979، قال: “لقد هزم الفلسطينيون أنفسهم أكثر
مما هزمتهم إسرائيل”. هذه حقيقة، لا يقبل بها الكثير من أهل فلسطين. وعلى نفس
المنوال، يمكن القول: “لقد هزم السوريون أنفسهم أكثر مما هزمتهم أميركا
والسعودية وإيران وتركيا وروسيا والصين!”. فما العمل الآن يا لينين؟

في سورية والعراق ولبنان وليبيا والسودان واليمن، هذه الدول المنهارة، ستحصل
على نفس النتيجة. المعنى؟ المعنى، لو سمحتَ لي بالقول: إنّ المشكلة فينا نحن، في
السوريين وليس في تركيا، في العراقيين وليس في إيران، في اللبنانيين وليس في
فرنسا أو إيران، في أهلنا في اليمن وليس في السعودية أو إيران، وكذلك الأمر في
السودان وليبيا وحتى الصومال، المشكل عندنا لا في أميركا ولا في إثيوبيا أو
تنزانيا.

عليك أن تبحث عن المرض في هذه الدول لتجد قفل المشكلة ومفتاح الحل معاً.
والمشكلة الأعظم أنّ كلّ فصيل من الفصائل، سواء السلمية منها أو المُسلحة،
يُشخّص المرض “على كيفه”. وهذا لا يُساعد في التشخيص وإيجاد المرض الحقيقي
ليُوصف له العلاج المُناسب. هل نحتاج إلى مبادرة عربية وأممية تُرشدنا إلى
الطريق المستقيم أو المُتعرِّج، لا فرق. فعلوا ذلك يا سيدي وفشلوا في العثور على
المفتاح. المهم، وكلّه مهم أيضاً، هل هناك أمل في أن نحصل على المفتاح؟
استشهدتُ مرّة بالفيلسوف اليوناني أفلاطون، حيث يشكو من أننا في المسائل
التافهة، مثل صناعة الأحذية مثلا، نعتمد على المختصّين في صناعة الأحذية
لصنعها لنا، أما في السياسة فإننا نفترض أنّ كل شخص يقدر على إحراز الأصوات
يستطيع أن يكون حاكماً. فإننا عندما نصاب بالمرض، ندعو لمعالجتنا طبيباً حاذقاً
في صنعته، حصل على شهادة علمية محترمة، ولا ندعو “أوسم” طبيب (من
الوسامة والجمال) أو أكثر الأطباء فصاحة وزلاقة لسان. وبناءً على ذلك، عندما
تُصاب الدولة كلّها بالمرض، ألا يجدر بنا أن نبحث عن أحكم وأعقل الحُكَّام؟ وأن
نعمل على إيجاد وسيلة لمنع عدم الكفاءة والمكر من الوصول إلى المناصب العامة،
ونختار ونعدّ أفضل البشر ليحكموا لمصلحة الجميع؟! هذه هي مشكلتنا الحقيقية في

السياسة. ولكن وراء هذه المشاكل السياسية تكمن طبيعة البشر. ولنفهم السياسة يجب
علينا، لسوء الحظ، أن نفهم علم النفس. وكلّما زاد أفلاطون تفكيراً في هذا، ازداد
فزعاً ودهشة. فهل نُخرج أفلاطون من قبره ليساعدنا في البحث عن مكان مفتاح
الحل؟ أنا ما عندي مانع أن نتعاون مع جميع الأطراف إذا كان هذا الأمر يُسهم في
إيجاد مفتاح الحل. وانتبه جيداً، أقول إيجاد مفتاح الحل، وإن لم يفتح المفتاح القفل،
والله! إذا كان الأمر كذلك، فلا بد من ترحيل السؤال من جديد: أين المفتاح يا لينين؟
ولا أعتقد بأن لينين سيعجز عن إيجاد مفتاح الحل. لأنني أعلم علم اليقين أن لا
مشكلة في هذا العالم لا حل لها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى