الشبابُ والِكتاب.. وحكاية (54) عاما نضال
محمد حسين / قيادي في قطاع الشباب
للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
إفتتح قطاع الشباب في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في لبنان بتاريخ 11 شباط 2023 فعالياته بذكرى
انطلاقة الجبهة بندوة سياسية وفكرية في مدينة صيدا جنوبي لبنان. وهو امر اعتادت عليه الجبهة منذ سنوات
بتنظيم ندوات ولقاءات سياسية وشعبية مع فعاليات وطنية، لكن ما لفت المشاركون في الندوة التالي:
- العنوان الذي تم اختياره “الانتاج السياسي والفكري للجبهة الديمقراطية ودوره في إثراء الفكر السياسي
الفلسطيني”. وهذا امر هام ان يأتي فصيل فلسطيني ليناقش مع القوى السياسية والفعاليات بفكره وسياسته، وان
من حاضر في الندوة قائد ومفكر ومناضل فلسطيني هو نائب الامين العام للجبهة فهد سليمان، في صورة لم نعتد
عليها في ساحتنا الفلسطينية ان يكون المحاضر هو من يقف في رأس القيادة. - الامر الثاني الذي لفت انظار المشاركين هو حجم وتنوع الحضور ما بين قوى سياسية لبنانية وفلسطينية
ومثقفين وقادة مؤسسات شعبية وشخصيات فكرية لبنانية فلسطينية، وبعضهم جاء خصيصا من مدن صور
وبيروت والنبطية لسماع ما سيطرحه المحاضر. - الامر الثالث وهو الاهم ان عنوان الندوة لم يكن عفويا. ففي القسم الآخر من القاعة الكبيرة كان هناك معرضا
للكتاب الوطني، والذي ضم عشرات الكتب في مجالات السياسة والفكر والاجتماع والاقتصاد، والذي عمل
مكتب الابحاث والنشر والتوثيق في الجبهة الديمقراطية على إنتاجه منذ الإنطلاقة.. واللافت ايضا ان كافة الكتب
من اصدارات الجبهة وبأقلام قياداتها واعضاءها، وهو امر يؤكد على حقيقة الانتاج السياسي والفكري الهام الذي
تقدمه الجبهة الديمقراطية، وهذه مسألة عادية بالنسبة للجبهة التي تركز في بناء كادرها وفي حياتها الداخلية على
الجوانب السياسية من خلال دورات تثقيف منتظمة تشمل جميع اعضاء الحزب على اختلاف مواقعهم
ومهماتهم..
بالعودة الى المناسبة الاساس، وبعد ايام قليلة تحل ذكرى 22 شباط 2023 اليوم الذي انطلقت فيه الجبهة
الديمقراطية عام 1969، وهي ذكرى عزيزة على قلوب الوطنيين واليساريين والتقدميين الفلسطينيين والعرب،
نظرا لما مثلته الجبهة الديمقراطية من اسهام مباشر في تعزيز وتطوير فكر الحركة الوطنية الفلسطينية. فإنطلاقة
الجبهة يجب التوقف عندها لما مثلته من حدث إستثنائي في تحول الرؤية والبرنامج والتركيبة الطبقية، لخوض
الصراع مع حركة عنصرية إستيطانية، هدفت ببرنامجها، ليس فقط إلى تهجير الشعب الفلسطيني وإرتكاب
عملية تطهير عرقي هي الأبشع في القرن العشرين، بل إلى تزوير التاريخ ونسف النواة التكوينية، للهوية
الوطنية الجامعة للشعب الفلسطيني، وتحويله كما ارادوا، إلى أسطورة على رفوف الشعوب التي إندثرت. وهي
لم تكتف بتبني الواقعية السياسية في فهم طبيعة الصراع ومساره ومتطلباته، بل إتخذت الخطوات العملية، لتمليك
مناضلات ومناضلي الجبهة، ومن خلالهم عموم الحركة الوطنية الفلسطينية، أدوات خوض هذه الصراع،
واضعة المشروع الوطني الفلسطيني على ذات المستوى من الندية، مقابل مشروع الحركة الصهيونية. فامتلكت
الجبهة الجرأة في طرح استراتيجيتها في مقابل الاستراتيجية الصهيونية التي ظلت سائدة على مسرح العلاقات
الدولية منذ النكبة وحتى منتصف السبعينات حين تملكت الحركة الوطنية مشروعا سياسيا بدأ يصارع المشروع
الآخر بشكل جدي.
هنا تجدر الإشارة أن العمل العسكري المحترف، الذي أجادته الجبهة الديمقراطية ببراعة الأحرار والثوار، لم
يكن العمود الساند والوحيد، لترجمة برنامجها النضالي. إذ لجأت القوات المسلحة الثورية لممارسة فعلها المقاوم
عبر عمليات مركبة قادها الشهيد القائد عمر القاسم عام 1969، أي منذ الإنطلاقة، مرورا بعمليات خط النار
الموحدة، التي نفذتها الجبهة، والتي وصلت ذروتها في عملية معالوت ترشيحا وبيسان ولينا النابلسي وتشي
جيفارا وهوتشي منه وغيرها من مئات العمليات، وصولا إلى خوض حرب العصابات، التي أبدع فيها مقاتلو
النجم الأحمر وكتائب المقاومة الوطنية في فلسفتها، تاركين إلى الآن سجلا خالدا من البطولات والأبطال، الذي
تخشى التقارير العبرية إلى الآن ذكرها، كما جاء في أكثر من تعقيب إعلامي على هذه العمليات.
وبإفتخار وشموخ الحزب الثوري الغني بهذا الرصيد العسكري الهام، إلتفتت الجبهة الديمقراطية مبكرا إلى
الحركة الجماهيرية ودورها وما يمكن ان تضيفه الى النضال الفلسطيني، وبإعتبارها الرافعة النضالية والقاعدة
الرئيسية للثورة الفلسطينية، وهي كانت احدى الاعمدة الاساسية التي ارتكز اليها برنامجها المرحلي، بالدعوة الى
تعبئة وتحشيد طاقات الجماهير صاحبة المصلحة المباشرة بالتحرر من الاحتلال، وذلك ببنائها للمنظمات
الجماهيرية لمختلف القطاعات الإجتماعية، وهذا ما يعطي الشعار التاريخي “أن الثورة هي لكل الشعب:
ملموسيته الحقيقية.
بعد خمسة عقود ونصف من النضال الثوري الأصيل لجبهة قدمت قادتها ومناضليها شهداء واسرى، حق
لمناضليها أن يفخروا بهذا الفصيل اليساري الديمقراطي، الذي عمل بكد ودون ملل، لتأريخ نضال الشعب
الفلسطيني ومساره الثوري الطويل. ولهم أن يفخروا ايضا، أن من تحت الركام، ومن بين البنادق والدموع،
تمكنت الجبهة الديمقراطية، وهي تعبر عامها الـ(54)، بأن تقدم للشعب الفلسطيني والعربي وأحرار العالم،
رصيدا فكريا وسياسيا، سيكون مشعلا ثقافيا يضيئ الدرب لعموم المناضلين والمناضلات، والبوصلة التي
ستوجه نضال الأجيال القادمة.
مسألة في غاية الاهمية ان يبادر قطاع الشباب لتنظيم هذا المعرض السياسي والفكري والثقافي، في زمن
الإنحدار الثقافي، وفي زمن الإبتذالات السياسية، وهذا في مضمونه السياسي، ليس أقل من تمسك الشباب
الفلسطيني بمسيرة النضال والكفاح، وهم تلاميذ هذه المدرسة الثورية العريقة، التي حملت البندقية فكرا سياسيا،
لتعيش وتنبض ذكرى وإنطلاقة تاج اليسار الفلسطيني المقاتل.
عاشت هذه الانطلاقة المجيدة للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وعاشت فلسطين حرة ابية