الحوار منهج العقلاء
تمنحنا الحياة فرص الالتقاء و التواصل، و تمنحنا فرص الاحتكاك و تباين الآراء ،
فيكون التواصل دوافعه قضايا حياتية كثيرة ، فيكون الحوار طريقنا الوحيد للتقارب
و نشر الألفة و المحبة ، كما أن الحوار سمة و ملح المجتمع الصالح الذي يقوم
على الحوار ، فترى أفراد المجتمع في وفاق تام لا يعقيهم مانع أن يباذلوا الآراء و
وجاهات النظر، لا يمنعهم تباين القناعات طرح الإشكالات فجميعهم يتمتع بحرية
التعبير ، جميعهم يشعر براحة بال و استقرار ضمير .
تتطلب الحياة بناء جسور تواصل يبنيه الحوار الفعال، تتطلب حوارا قوامه قبول
الآخر و قبول تنوع الأفكار و الخبرات و المشاريع ، تتشارك كل تلك المقومات
لتصوغ لنا مجتمعا راقيا في أفراده و مؤسساته ، حين تتلاحم تلك المكونات فتشكل
جدار حماية عصي عن الانكسار و التمزق ، لا يتأثر بعوامل الهدم. ، ينشأ عن
ذلك الحوار مشروع نهضة ، تنقحت فيها اسهامات الجميع ، فالكل يدلي بفكره و
جهده و خبراته المهنية و الفكرية في إطار المصالح و المقاصد الكبيرة ، في بيئة لا
إقصاء فيها لفكرة بسيطة أو فكرة رائدة ، الكل يسهم في تشكيل لبنات الصرح
المجتمعي الرائد .
و نحن نلحظ الشرخ الحاصل اليوم في أوساطنا الأسرية حين انعدم أسلوب الحوار
بين أعضاء الأسرة ، فأصبحت القطيعة و النفور يتحكم في المواقف ، كل ذلك
حين غاب الحوار في حل مشكلاتنا الأسرية ، تعكر صفو الأزواج و الأولاد و
الأرحام بعضهم بعضا ، وحلت القطيعة محل الصلح و التقارب، و أصبحت باحات
المحاكم ساحة الوحيدة لحل مشاكلنا الأسرية ، و هي مشاكل يفرض أن تحل
خلافتها بالجلوس و الحوار و الإصغاء و تبادل وجهات النظر بين عقلاء الأهل و
الأقارب .
لا أتصور بيئة صحية يغيب فيها الحوار كأسلوب حضاري راقي ، و لا أتصور
حلول لمشكلاتنا بعيدا عن الحوار ، فما ارتقت المجتمعات إلا حين تبنت الحوار
أسلوب حياة ، حوار يوظف بين الأفراد في المجتمع ، حوار يوظف بين القادة في
المؤسسات ، حوار يوظف بين النخب في موائد الفكر ، حوار يوظف بين العقلاء
المجتمع في توطيد العلاقات و الخلافات ، بل يوظفه الجميع أسلوبا لا غنى لنا عنه
، بل يقرر الحوار كأسلوب حضاري في مناهجنا التربوية حتى ينشأ عندنا جيل
يصنع التعايش و قبول الآخر ،جيل يكرس القطيعة مع كل ما هو سلبي في
مجتمعاتنا ، و هذا الدور يعني الجميع أفرادا و جماعات و مؤسسات الكل له قسطه
و دوره .
الأستاذ حشاني زغيدي