مشكلة فرنسا المشرقية
ماكرون وفن الضحك على الذقون (العربية)
محمد حمد
مازال الكثير من رؤساء الدول الأوروبية، على اختلاف مشاربهم السياسية واصولهم الفكرية، يعيش في عقلية استعمارية عفنة وثقافة تسلطية مقزّزة وشعور عنصري بالتفوّق على الآخرين. ويتعامل مع الدول التي احتلها سابقاً ودمرها, وجعل “من اعزّةِ أهلها اذلّة”. ونهب خيراتها. وكأنّها ما زالت تحت وصايته ورهن إشارة جنابه التعيس. وبالتالي يريد أن يعطي انطباعا بانه يشعر بنوع من “المسؤولية” إزاء هذه الدول. ويسمح لنفسه بالتدخل الفج في شؤونها الداخلية داعما هذا الطرف مرّة وذاك الطرف مرّة أخرى. متبعاً ذات السياسة العريقة المتمثلة في مبدأ فرّق تسد. ونتائج هذه السياسة البغيضة نراها اليوم أمام أعيننا بكل وضوح: في العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن…الخ.
رئيس فرنسا امانويل ماكرون لا يترك شاردة أو واردة دون أن يدسّ أنفه ذي الرائحة الاستعمارية الكريهة في اي موضوع. فقد صرّح مؤخرا بانه سيطلق في الأسابيع المقبلة “مبادرة جديدة تخص لبنان”. طبعا قال هذا الكلام بعد أن القى خطبة عصماء ومحاضرة خرقاء في علم الأخلاق !
ومبادرته هذه ستكون بطبيعة الحال لصالح أحد ألاطراف المتناحرة والمتكالبة على “كعكة” لبنان المتواضعة جدا. والتي أصبحت بلا طعم ولا رائحة ولا لون.
لكن الظاهر أن رئيس فرنسا، كما يقول اهلنا في جنوب العراق: “ضايع صول چعابة” أن كانت لديه چعاب اصلا. فمن “قمة بغداد ٢” التي تمّت تحت رعايته وحضوره، طبعا من أجل الدعاية الاعلامية وتسليط الاضواء البرّاقة على شخصه الغير كريم، إلى التصريحات اليومية التي لا تتوقف ضد روسيا أو إيران او اي دولة أخرى لا تغرّد مع السرب الأمريكي الأوروبي. عموما، ان مانويل ماكرون برأيي المتواضع غيّر نظرية سارتر الوجودية، فمن “انا افكّر فأذن أنا موجود” إلى انا اتكلّم بكثرة فأنا موجود”. وموجود في كل مكان !
وفي مقابلة مع عدّة صحف منها صحيفة “النهار” اللبنانية. صرح الرئيس الفرنسي ماكرون قائلا:”لا استقرار في العراق وسوريا ولبنان الا بتخفيض أو تقليص النفوذ الايراني في المنطقة”. ولا بأس في هذا الكلام يا سي ماكرون. لكن حضرتك لم تقل لنا شيئا عن النفوذ المتزايد لأمريكا وبعض دول أوروبا في منطقتنا. ولا عن القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في كل مكان. ولم تقل لنا شيئا يذكر عن صولات وجولات السفيرة الأمريكية في بغداد وضواحيها. كل هذه الأمور عادية جدا بالنسبة للسيد ماكرون وامثاله.
يعني حرام على ايران، مهما كان موقفنا منها، أن يكون لها نفوذ مع دول لها علاقات جوار مشتركة معها. وتربطها ايضا روابط دينية واجتماعية منذ عقود. بينما حلال على امريكا التي جاءت من اقاصي الارض، لتأمر وتنهي وتضع على هواها شروطا للجميع، بعضها تعجيزي، فيما يخص شؤونهم الداخلية. وتفرض نفسها كشرطي على العالم. تقليل النفوذ الإيراني في المنطقة أمر ضروري، ولكن الضروري أيضا هو تقليل النفوذ والتواجد الأمريكي الغربي. وترك شعوب المنطقة في حرية كاملة لتجد الوسائل المشتركة والكفيلة في التفاهم فيما بينها. وحل مشاكلها وخلافاتها دون أوامر تاتي من بعيد.
ويتم تنفيذها بالاكراه !