شروط المصالحة بين سورية و تركيا

الدكتور خيام الزعبي

برغم إختلاف وجهات النظر بينهما في الكثير من الملفات المعقدة، أثار تغير المواقف الدولية بشأن الأزمة السورية سؤالاً مفاده: هل ثمة حوار سياسي وشيك يجمع دمشق وأنقرة على مائدة تفاوض واحدة؟، هذا السؤال وبرغم صعوبة التكهن بإجابته، بات مهماً وضرورياً خصوصاً بعد تصريحات أردوغان بعد أسبوع من مصافحته للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قال إن تركيا يمكن أن “تضع الأمور في مسارها الصحيح مع سورية”، في إطار ذلك فإن المراقبون ذات الشأن إختلفوا حول الإجابة، فهناك من أكد إمكانية التوصل لحلول في ظل التطورات الأخيرة وما أفرزه لقاء الرئيس أردوغان لبوتين والحديث عن تفهمات سياسية بشأن المنطقة يعزز هذا الأمر، بينما أكد آخرون أن الأمر ليس ممكناً في الوقت الحالي.

اليوم يقف أردوغان وحيداً، فلا ندوات ومؤتمرات أصدقاء سورية باتت تعقد، ولا الحليف الأمريكي مستعد لإقامة مناطق آمنة وحظر جوي، والأهم من ذلك أن هناك تفاهم روسي- غربي -عربي لحل الأزمة السورية وإجتثاث الإرهاب من جذوره في المنطقة، فالخطأ الأكبر الذي إرتكبه أردوغان يتمثل في أمرين أساسيين، الأول هو حساباته وتقديراته الخاطئة بأن هذه الحرب في سورية لن تدوم أكثر من أسابيع معدودة وبعدها يسقط النظام، والثاني الإعتقاد بأن التحالف العربي الغربي الذي تكون بمبادرة تركية يمكن ان يسقط الحكومة السورية مثلما أسقط النظام الليبي ومن قبله العراقي.

فبعد أكثر من 10سنوات من الحرب على سورية سجّل الرئيس أردوغان إنعطافة غير مسبوقة بقوله إنه مستعد لاجراء محادثات سياسية مع دمشق، فالمتتبّع للتصريحات التركية إزاء سورية منذ بداية الأزمة يستغرب حقيقة هذا الإنحراف التركي المفاجئ نحو إجتراح الحلول، وهي الدولة التي راهنت كثيراً على قدرتها على عزل القيادة السورية وتدمير سورية ولم تدّخر جهداً على كل الصعد للوصول إلى هذه الغاية، هنا نتساءل عن أسباب إنقلاب أردوغان في موقفه تجاه سورية، ويمكن إيجازها بـ: تعزيز موقف الرئيس التركي قبل الانتخابات في العام المقبل، خاصةً إذا تناول هدف أنقرة بإعادة بعض من 3.6 مليون لاجئ سوري من تركيا. كما تريد أنقرة إبعاد مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية السورية عن الحدود، هذا بالإضافة الى الرأي العام التركي الذي يضغط باتجاه عودة العلاقات مع دمشق، فهو يريد بأي شكل إنهاء الانخراط التركي في المشكلة السورية على النحو الذي يجري الآن، وهناك مراجعاتٌ أميركيةٌ وأوروبيةٌ بشأن سورية، لذلك فإن كل هذه الأسباب والمتغيرات العربية والإقليمية والدولية كان طبيعياً أن يحاول أردوغان اللحاق بالركب الغربي والعربي كي لا يجد نفسه وحيداً في مواجهة بوتين خاصة بعد فشل عاصفة الجنوب وتفاهمات أردنية وخليجية روسية بشأن الازمة.

ولا شك إن دمشق ترى أن التقارب أو الاجتماع بين سورية وتركيا هو عديم الجدوى إذا لم يأت بشيء ملموس، لذلك لا بد من الانسحاب الكامل للقوات التركية من الأراضي السورية بأسرع وقت ممكن. كما ترى دمشق بأن التفكير التركي بشأن الهجوم على الشمال السوري مغامرة كبيرة ونتائجه أكبر وأخطر في التورط في المستنقع السوري. وإنطلاقاً من كل ذلك، يجب على تركيا إعادة النظرة في الرهانات السياسية الخاطئة قبل فوات الأوان

لنعُد بشريط الأحداث إلى الوراء قليلاً حيث يعلم جميع المراقبين السياسيين أن تركيا منذ بداية الأزمة عملت بكل الوسائل والإمكانات المالية والإعلامية والعسكرية في سبيل تجنيد مقاتلين وتدريبهم وتسليحهم وتمويلهم وإرسالهم إلى سورية، أما اليوم ووفقاً للوقائع التي أخذ يفرضها الميدان السوري، فإن تركيا باشرت مرحلة حصر الأولويات، فبدأ همّها الوحيد يتحول إلى الحرب على الإرهاب، وبدأت تعيد حساباتها بالنسبة للأزمة السورية، وتخشى من توتر خطير في علاقاتها مع طهران وبغداد وموسكو وبكين، كما باتت قلقة من إنزلاق السلاح المتطور الذي يجري تهريبه عبر الأرض التركية الى الأراضي السورية الى أيدي المقاتلين الأكراد، وتخوفاً من جبهة قتال جديدة ضد تركيا، لقد أدرك أردوغان متأخراً أن سقوط الدولة السورية لن يكون لمصلحة تركيا، كما كان يعتقد، بل إن انهيار الدولة سيؤدي بالتبعية إلى حدوث إضطرابات كبرى داخل تركيا ويدفع بالأكراد إلى إعلان دولتهم على الحدود مع تركيا، مما ستكون له تبعاته الحظيرة على وضع الأكراد داخل تركيا .

في هذا السياق نحن مع الجلوس على طاولة المفاوضات ولكن على أساس وقف العدوان والانسحاب الكامل من الاراضي السورية، فأي مفاوضات او حوارات بدون وقف الحرب لا جدوى منها وليس لها اي مدلول ولا تعكس حسن النوايا لدى تحالف العدوان بقيادة تركيا وحلفاؤها لإنهاء الحرب على سورية، بل إنها عملية مراوغة تحاول تحقيق مكاسب لم تستطع ان تحققها على الأرض ميدانياً وعسكرياً.

مجملاً…..الكل يبذل الجهود في المشاورات والمباحثات الإقليمية والدولية لإيجاد حل سياسي في سورية، لذلك أرى أن هناك تحول كبير بالساحة السورية وتطورات كبيرة تعمل على تضييق الأزمة السورية، خاصة أن هناك دول غربية بدأت تعيد حساباتها وتغير موقفها تجاه الأزمة السورية.

وإستكمالاً لكل ما سبق نقول: أن سورية ستبقى موحدة أرضاً وشعباً مهما اشتدت وكبرت المؤامرات، وسيحافظ الشعب السوري على وحدته، مهما بلغت التضحيات، وبالتأكيد سيخرج المتآمرون مهزومين وسيفشلون أمام إرادة صمود سورية وشعبها وجيشها، وها هي الانتصارات في سورية تلوح في الأفق، حيث يتم تحرير مناطق طالما راهن الإرهابيون على احتلالهم لها، وسيكون العام 2023م بداية نهاية الإرهاب وأدواته …وإن إنتصارات سورية تحمل بشائر متغيرات إقليمية ودولية لصالح استعادة سورية والمنطقة بأكملها الأمن والاستقرار والسلام.

Khaym1979@yahoo.com

On Monday, November 28, 2022 at 06:18:19 PM GMT+3, khayam azzabi khaym1979@yahoo.com wrote:

” قسد” والاستدارة نحو دمشق من جديد

الدكتور خيام الزعبي

الاتراك من أمامهم والجيش العربي السوري من خلفهم، ما الذي ستفعله قوات سوريا الديمقراطية المهددة باطلاق عملية عسكرية برية في شمال سورية، ومواقع لمقاتلين أكراد تحت اسم “عملية المخلب- السيف”، وستشمل المنطقة الأمنية التي يريدها أردوغان مدينة عين العرب التي انتزعتها قوات سوريا الديموقراطية من مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية عام 2015 بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، وتهيمن على هذه القوات وحدات حماية الشعب الكردية.

اليوم في سورية بوادر حرب قريبة ستبدأها أنقرة لوقف تهديدات عابرة للحدود والمستهدف الوحيد هي قسد ” القوات الكردية المدعومة أمريكيا” والتي تعتبرها تركيا ارهابية، وبالمقابل عمدت قسد الى اعادة ترتيب أولوياتها من حيث التنسيق مع دمشق كي يحضر الجيش العربي السوري الى مناطق سيطرة الاكراد فتسقط بذلك الذريعة التركية لقتال من تصفهم بالإرهابيين، وتصبح المعركة بين تركيا والجيش العربي السوري.

على هذه المنحنى تخطب “قسد” ود دمشق كلما تجهزت تركيا لغزو جديد يشمل المناطق التي تسيطر عليها في الشمال السوري، والغزل الأخير الذي أبدته تجاه القيادة السورية يأتي بدافع التوجس من النوايا التركية المعلنة بغزو منبج وتل رفعت وعين عرب لإبعاد ما تدعي تركيا أنه خطر كردي، وهذا الود جاء بعد أن تيقنت “قسد” أن واشنطن لن تدخل في أية مواجهة عسكرية مع تركيا من أجل عيونها وهذا ما دفعها إلى استعجال التنسيق مع دمشق من أجل صد ووقف العدوان التركي. وبات معظم المتابعين للشأن السوري فيه على قناعة أن “قسد” باتت جاهزة لأن تسلك طريق المصالحة مع دمشق.

بالتوازي مع التصريحات التركية المعلنة بخصوص الغزو الوشيك للأراضي السورية بدأ الجيش السوري بتعزيز قواته في محيط مدينة منبج في ريف حلب الشرقي وتل رفعت في ريف حلب الشمالي وفي القامشلي شمال الحسكة في أقصى شمال شرق سورية، وهنا يمكن التأكيد إلى أن التعزيزات السورية قد بدأت بالتدفق فعلاً إلى هذه المناطق وأن مسألة الدفاع عن الوطن “بديهية وغير قابلة للنقاش”.

اللافت هنا، تتبع الولايات المتحدة نفس المبدأ في سياستها نحو سورية، من خلال السيطرة على حقول النفط والاستفادة من استخراج البترول التي تعتبر من العوامل الأساسية التي تبقي القوات الأمريكية في هذه المنطقة، وعلى الجانب الآخر فإن المجموعات الكردية التي تسيطر على قطاع كبير من هذه المناطق السورية تلعب دور “حراس” الموارد النفطية تعتمد عبثا على مواصلة الدعم الأميركي. وتزامنا مع هذه المستجدات الأخيرة، تتمسك الولايات المتحدة بالسيطرة على هذه المناطق، لضمان استمرار سرقة النفط والتحكم بالممرات البرية في شرق سورية لذلك يحاول البيت الأبيض تبرير سرقته للنفط ، بذريعة محاربة الإرهاب ، وحماية الديمقراطية الدولية ومصالح الأكراد الذين يعملون أيضاً ضد الحكومة السورية، بينما الرئيس الأمريكي أعلن في أكثر من مرة بأنه يريد النفط السوري، من الواضح أن هذا التخبط في سياساته الخارجية ليس بالأمر الجديد، كما ترى الولايات المتحدة في تواجدها شرق سورية ورقة يمكن أن تستخدمها لتأمين مصالحها في أي تسوية للأزمة السورية مستقبلا ، بعد آن فقدت كل أوراقها هناك بفضل صمود الجيش العربي السوري.

ومن الواضح أن واشنطن ستبدأ عملية عودة قواتها المسلحة إلى وطنها بعد انهاء جرائمها على الأراضي السورية وستترك الشعب الكردي في مواجهة المسائل المعلقة كما تركت الشعب الأفغاني في مواجهة مسلحي طالبان. ويجب على الشعب الكردي بأكمله وقادته أن يدرك وضعهم كـ “ورقة مساومة” في أعين البيت الأبيض فيجب عليهم أن يتفهموا عدم جدوى المزيد من التعاون والمساعدة للجانب الأمريكي على أمل حل مشاكلهم، بمعنى أن الولايات المتحدة لا تهتم بمصير عملائها أبداً.

على الجانب الأخر، فإن للولايات المتحدة تقليد عريق في التخلي عن الأكراد في أحلك لحظاتهم. مثال عندما أعلنت انسحاب جزء من قواتها وسمحت لتركيا بشن عملية “نبع السلام” العسكرية ضد المجموعات الكردية في شمال سورية عام 2019، والنتيجة هي سقوط عدد كبير من الضحايا وفقدان سيطرة الأكراد على قطاع من أراضيهم وكذلك ظهور وإنتشار المجموعات الإرهابية والمتطرفة في هذه المنطقة.

ومن الواضح أن القوات الأمريكية التي غادرت أفغانستان اليوم ستضطر عاجلا أو آجلا إلى مغادرة الأراضي السورية مستقبلا وسيترك الأكراد في مواجهة المشاكل العديدة التي لم يتم حلها فحسب بل على العكس أيضا تفاقمت بسبب السياسة الإجرامية للبيت الأبيض الذي يمنع مشاركة الشعب الكردي في عملية تسوية الأزمة السورية.

عليه… نتمنى من أمريكا وعملائها أن ترفع يدها عن سورية وأن تتوقف عن التدخل في شؤونها الداخلية، وأن يجرى اتفاق على إنهاء ظاهرة الميليشيات والقوى المتطرفة المتفاقمة، ولا بد من وقف كل أشكال الدعم الغربي لهذه المجموعات في سورية ووقف ضخ الإرهابيين بالمال والسلاح ، ومن هنا كانت الرسالة التي نقلها الشعب السوري لكل من يهمه الأمر، واضحة لا لبس فيها، قالت الرسالة: ” نحن نحب هذا البلد، ومهما كانت المتاعب والصعوبات، التي نعانيها فيه، فلن نسمح بتخريبه، أو تدميره أبداً”.

مجملاً… إن العدوان الذي تقوده أمريكا وعملاؤها لهو أقوى دليل على الحقد الذي يملأ صدور تلك العصابة المتطرفة التي تقتل السوريين وتسرق نفطهم وتحتل أراضيهم وتدعم انقسامها، وبوقاحة لا مثيل لها تتحدث عن دعم الشعب السوري.

أخيراً…إننا اليوم ومن خلال مراجعة الحال السياسية للدول والأطراف التي راهنت على الولايات المتحدة في ظل أزمات المنطقة المُفتعلة، يمكن رؤية أمثلة كثيرة وجديدة، على من باعتهم واشنطن في بازار التوافقات، أو استغنت عنهم لأجل مصالح وأهداف خاصة، وهذا ما يلخص السياسة الأمريكية بشكل واضح وبسيط “المصالح الأمريكية أولا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى