الجنون بالجمال
احمد عزت سليم
لم يرتبط بالواقع المعاصر فقط
لم يكن الهوس بالجمال مرتبط بالواقع المعاصر، ففى لوحة “آلام المسيح” التى أبدعها سيمون مارتينى عام 1340م رسم الأشخاص بأحجامهم الغارقة فى أثوابهم الفضفاضة ورسم مانتينيا عام 1456م فى لوحة ” الصلب ” الأشخاص مبرزا تضاريس أجسامهم، وكما فى لوحة الحلمة الصلبة والجسم الأبيض والوجه الفاتح لبياتريكس، وإنما شكل إمتدادا تاريخيا لإستخدام قوالب صناعية للوجه مثل قوالب لجمال الأنف مع عام 1918م، ووصولا إلى الجمال الدينى ذلك الذى يتمييز بجمالية أخلاقية والقداسة والعفة، وميزت انتقادات القديس جيروم ترترليانوس بين الجمال الطبيعى وهو من صنع الله والجمال المصطنع وهو من صنع الشيطان، وللسيطرة وإمتداد القوة والنفوذ الشامل والسياسى فقد إستخدمت المرأة فى الحقبة الإرستقراطية مواد وخلطات تجميلية رغم خطورتها كالرصاص والأمونيا ورقائق الزرنيخ للحصول على بشرى جمالية مثالية ومما تسبب فى وفاة البعض ولجأت النساء في إنجلترا في بداية القرن العشرين إلى أسوأ الحيل التجميلية للحصول على القوام الممشوق بتناول حبوبًا تحتوى على يرقات الديدان الشريطية والتي تتغذى على معظم المواد الغذائية في معدتهن ورغم مخاطرها من أمراض كالتهاب السحايا والصرع، واتبعت ماري أنطوانيت ملكة فرنسا وزوجة الملك لويس السادس عشر تسريحات الشعر العالية على شكل أبراج والمُزينة بالريش والزهور كدليل على الجمال والثراء والقوة السياسية، وفى القرن الـ 19 إرتدت النساء الكورسيهات المصنعة من المعدن والتى قد تسبب كسور الأضلاع، وتغنى العديد من الشعراء مثل رونسار بالجمال المربرب والأنفاس العطرة، وألسكندر دوما بالصدر الجرئ وبمنحنيات الأعطاف وبنارية النظرات، وفى الحروب العالمية التى خاضتها الدول الأوربية مثل فنانى هذه الحروب من أمثال: ــــ بول ناش ومويرهيد بون ونيفنسون وأوربين وستانلي سبنسر وويندهام لويس حيث وثق هؤلاء من خلال الرسومات العسكرية وخاصة على الجبهة الغربية أحداثها وليس من المنطلق الجمالى الفنى فقط وإنما طبقا لما يرى الناقد الدكتور / بول جوف إعتمادا على دوافعهم واستجاباتهم للصراع وتفسيراتهم الفريدة والمتنوعة على نطاق واسع للتأثيرات على المقاتلين، وبما يؤكد أن الجماليات الفنية قد تكون ليست فنية بجمالياتها فقط وإنما بمستهدفاتها المستهدفة دعائيا وفكريا وصولا إلى كونها دعم للفاعليات الحربية العسكرية، وبعد عام 1945، أعيد تعريف التقليد الإيطالي للجمال الأنثوي في سياق ديمقراطي أصبحت فيه المرأة، لأول مرة، مواطنة كاملة وفي مواجهة تحد بعيد المدى من هوليود، حيث تم أولاً الدفاع عن المعايير التقليدية للجمال بقوة ثم تعديلها وتسويقها وبمسابقات الجمال كأداة حيوية في هذا الانتقال، حيث كانت بمثابة منتدى لإعادة تأكيد الجمال الإيطالي وكوسيلة لتهجير الأفكار القديمة المتمركزة على الوجه بمفهوم جديد يعتمد على الجسم المثيرة وأصبح هذا الانتقال مرتبطًا بالصراع السياسي المستمر بين الكاثوليك واليسار للقيادة الأخلاقية والسياسية للبلاد، وفي حين أن كليهما، بتأكيدات مختلفة، دافع عن الــ ” طبيعي ” على حساب الجمال ” المصنّع ” على الطراز الأمريكي ، وفتن الكثير فى الخمسينات من القرن الـ 20 بسحر ثدييى جينا لولو بريجيدا وبقمصان الحفر التى كانت ترتديها صوفيا لورين وبالمشية الحركية لمارلين مونورو والحركات الإنسيابية لبرجريت باردو وانتشرت المسابقات المحلية والوطنية والإقليمية والعالمية لملكات الجمال لتصير نجمة ملكة الجمال كتلة جسدية مكثفة ذات إغراء نشط وحاضر، بل من منطلق سياسى دعائى غربى لتسييد فكرة أن الشعوب الأوربية هى أجمل شعوب الكون وكما أكدت ذلك موسوعة دينس ديديروت، بل وبإستهداف إشغال الآخر بعيدا عن قضاياه الوطنية بجمال المرآة من خلال إبراز جماليات وروعة لحمها الطرى وسحنتها الناصعة البياض .
أحمد عزت سليم
عضو إتحاد كتاب مصر