عون أمن في مقر وزارة الخارجية
ضياء الهاشم
وقفت ذات يوم وأنا خارج من وزارة الخارجية في بغداد لأسأل أحد الحراس الأمنيين المكلفين بحماية مدخل الوزارة عن مدى صعوبة المهمة المناطة به وهو شاب في مقتبل العمر يرتدي ملابس مدنية ويحمل في يده سلاح خفيف عبارة عن بندقية كلاشنكوف مجهزة بثلاثين طلقة ويتحرك في الشارع المؤدي لمبنى الوزارة بحركات بهلوانية تنم عن طيشه الطفولي الذي لم يشبع بعد من اللعب. قلت في نفسي وقتها، وهو يشير بيده ضاحكا الى آثار طلقات قد وجهها هو نحو الحائط القريب منه والذي هو بالحقيقة صبات كونكريتية تعزل شارع الوزارة عن الشارع الخارجي، ليعبر عن الملل الذي كان يشعر به وعدم الشعور بالمسؤولية، أن الوزارة ستكون يوما من الايام هدفا سهلا للارهابيين . وفعلا قد وقع بعد ذلك ما كنت اخشاه. ولأن الشاب كان يريد التعبير عن سخطه وامتعاضه من عدم الانصاف وكعادة الكثير من العراقيين، فقد تحدث -من غير أن أسأله- متبرما من قلة راتبه الشهري الذي يتقاضاه مقابل الساعات الطويلة التي يقفها بالعراء تحت اشعة الشمس الحارقة والتعرض للاخطار .
300ألف دينار عراقي هو راتب ذلك الحارس الشاب في عهد الوزير هوشيار زيباري . بعد تشكيل الحكومة التي خلفت أسوأ حكومة في تأريخ العراق لما خلفت من فساد ودمار وظلم ليس له مثيل، تسلم ابراهيم الجعفري حقيبة الدبلوماسية وكما هو مخطط ليبقى العراق يسير بنهج الرجل المناسب في المكان غير المناسب . أول ما قام به الوزير الجديد هو تعيين أبن أخته المدعو (ضرغام) مسؤولا عن أمن الوزارة وآخرين من الاقارب بالدائرة الأمنية. لم يكتفي بهذا فحسب بل عين أبن أخيه العقيد (ليث) سكرتيره الشخصي ّ. وعند اتصال السفراء بالوزير يجب ان ترد الاتصالات على السكرتير ليحولها للوزير الا أن سفراء الوزارة في الخارج يحاولون الاتصال به دون أدنى جدوى فهو لا يرد على أتصالاتهم والوزير في ترحال دائم ومعه السكرتير لتبقى بعض المشاكل دون حل فهنالك العديد منها لا يستطيع السفراء ايجاد حلول لها فتراهم يلجأون بدورهم لطلب المساعدة من الوزير فهو المعني والمخول الوحيد والقادر على اتخاذ مايلزم هذا ان وصلت له .
فشل الجعفري كرجل مناسب حينما تسلم رئاسة الوزراء قبل 2006 والسبب يكمن في قدرات الرجل والبطانة التي من حوله واليوم ايضا حتما سيفشل كوزير خارجية لنفس السببين، بالاضافة لوجود اشخاص تتحكم في مفاصل الوزارة مما سيصعب مهمة الوزير فيما لو ترك لها العنان في السيطرة على عمل دوائر الوزارة وقد برزت مظاهر تلك النفوذ واستسلام الوزير لها بالموافقة على قيام وكيل الوزير المدعو (محمد جواد الدوركي) والذي يتبع حزب الدعوة وعين بالخارجية بواسطة علي الاديب وقد جدد له للعمل في الوزارة بمخالفة قانونية وبأمر من نوري المالكي لنهاية شهر نيسان من هذا العام كون عمره تجاوز الثامنة والستين عاما، بأجراء تنقلات لرؤوساء الدوائر في الوزارة وعلى اسس غير علمية وليست مدروسة ولا يتبنى على اساسها اي محاولة لتطوير عمل تلك الدوائر . قام ذلك الوكيل مثلا بنقل السفير عبدالكريم طعمه الكعبي والذي كان سفير العراق في فنلندا للاعوام 2010 لغاية 2012 واعيد لمركز الوزارة مع سفراء آخرين بأمر من الوزير السابق والذي أعترف لاحقا في لقاء له مع مجموعة من موظفي الوزارة ان السفير عبدالكريم اثبت جدارة ومهنية عالية وتفان في عمله فجعله مديرا لاهم دائرة في الخارجية الا وهي الدائرة القنصلية. فنقل السفير عبدالكريم من الدائرة القنصلية الى الدائرة الهندسية بناءا على اوامر الدوركي وبموافقة ابراهيم الجعفري . السفير عبدالكريم هو احد ابناء العمارة ممن سكنوا بغداد وهو يتبع حزب الفضيله وقد استبدل برئيس الدائرة الهندسية السفير الصابئي الدكتور مثيل لاسباب لايعلمها الا الله، بينما كان السفير عبدالكريم رئيسا ناجحا لدائرته وقد قام باصلاحات واعمال تخدم المواطنين والصالح العام من قبيل تنظيم عمل الدائرة القنصلية حيث أمر بتهيئة مكان واسع مريح لانتظار المراجعين واحترم كرامة الانسان العراقي التي لايبالي بها اي مسؤول عراقي في السابق والحاضر، وعمل على تغيير بعض موظفي الدائرة حسب الكفاءة والتخصص المهني والخبرة العملية، وقام بفتح ارشيف جديد خاص بصحة صدور معاملات المواطنين للحفاظ عليها من الضياع كما كان يحصل في السابق، وضاعف عدد الموظفين المخولين بالتصديق من خمسة الى سبعة للاسراع بأنجاز اكبر عدد ممكن من معاملات المواطنين وللتخفيف من وطأة انتظارهم لساعات طويلة، حيث اختصرت مدة استكمال صحة صدور اي معاملة بأسبوع او اكثر بقليل بدل من تأخيرها لمدة سنة كاملة في افضل الاحوال، هذا اذا لم يكن نصيبها الاهمال والضياع وكان المواطن يضطر لدفع مبالغ كرشاوي يصل مبلغها خمسمائة الف دينار عراقي مقابل انجاز اي معاملة صحة صدور يتطلب انجازها مفاتحة قنصلياتنا بالخارج خصوصا يوم كان المدعو (أرشد توفيق) مديرا للدائرة القنصلية . وبالاضافة الى ذلك قام السفير عبدالكريم بتخصيص مكان كمصلى لمن ينتظر من المواطنين في زاوية من زوايا الدائرة وجهزه بالوسائل الضرورية شأنه شأن أي مكان آخر في الدائرة القنصلية التي جهزها بكل الاحتياجات الانسانية والضرورية لتسهيل عمل الموظفين بشكل حضاري مرموق . أن حرص السفير عبدالكريم على عمل الدائرة القنصلية بأنسيابية ومهنية عالية جعله يتابع يوميا عمل موظفيه ميدانيا ويقوم شخصيا بالاستفسار من المراجعين ليتسنى له التأكد من عدم المساس بأي حق من حقوق المواطنين أو التعدي عليهم بفرض رشى أو عرقلة او تأخير بدوافع غير قانونية، حيث خصص يوم الخميس من كل اسبوع لمقابلة أكبر عدد من المراجعين لايجاد حلول لمشاكلهم العالقة في الدائرة القنصلية. وكما هو ديدنه حينما كان سفيرا في فنلندا حيث كان قريبا من ابناء جاليته العراقية وحاضرا في جميع محافلهم ومناسباتهم.
أن تحجج الوزير بسفره الدائم وتواجده بعيدا عن الوزارة ليس عذرا ممكن قبوله في التأخر بمسألة تطوير عمل الوزارة والنهوض بمستوى متقدم يليق بالشعب العراقي الذي تعرض لضغوط كبيرة وهزات عنيفة وابتزاز لكرامته وانسانيته طيلة عقود من الزمن ولا زال يدفع العراقي الكثير صابرا متحملا بقاء العديد من اذناب النظام الصدامي على رأس دوائر الخارجية كشامل عبدالعزيز الحديثي الذي أصبح رئيسا للدائرة الادارية وكالة وكان في ايام صدام ضابط متابعة موظفي الوزارة وبدرجة مستشار وهو الآن وزير مفوض . على ابراهيم الجعفري ليكون وزيرا ناجحا لارقى وأهم وزارة في تأريخ العراق، أن يلتقي على الاقل بموظفي مكتبه الذي لم يلتقي بهم من يوم استلم الوزارة وان يتابع شخصيا عمل المقربين منه امثال مدير مكتبه حقي الحكيم الذي لم يباشر عمله لحد الان، وأن يقوم بنفسه بمتابعة النقص الحاصل في عدد السفراء وماهو تأثير ذلك على عمل الوزارة مما جعل ادارة كل ثلاثة دوائر تناط بسفير واحد وان يبدي رأيه في أختيار الكفاءات لتسلم هكذا منصب حينما تفرض الاحزاب بعض الاسماء غير المناسبة لتكون سفراء العراق في الخارج . وأن يخاف الله في قول الحق ولايسكت عن باطل ففي فتح سفارات للعراق في بلدان مثل أفغانستان أو بلد من بلدان افريقيا التي ليس للعراق معها اي مصالح وجهة نظر يجب أعادة النظر فيها .