الطاقة الاستيعابية في الاقتصاد
معتز منير حامد احمد
الطاقة الاستيعابية
الطاقة الاستيعابية هى ” قيمة مجموع الفرص الاستثمارية التى يمكن استغلالها بنجاح خلال فترة زمنية معينة ” حسب المفهوم الرأسمالى
ان هذا التعريف يتجاهل دور التقدم التكنولوجى وتسقطة من حساباتها فى وقت بات فية العامل التكنولوجى يكاد يكون حاسما فى عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية .
ويتجاهل ايضا دور التخطيط الاقتصادى وترشيد الاستثمار والذى اصبح نموذجا فاعلا فى عملية التنمية الاقتصادية بعد ما تطورت اساليب التخطيط الاقتصادى بشكل كبير فى ظل التجربة الاشتراكية واصبح التخطيط اسلوبا مميزا للسياسة الاقتصادية العقلانية الرشيدة .
فعلى اساس التخطيط يمكن اكتشاف الفرص الاستثمارية ويمكن تحقيق الكفاءة المثلى من عملية الاستثمار وتغير نمط الاستثمار بالاتجاة الذى يخدم تحقيق المردود العالى الاقتصادى والاجتماعى للاستثمار .
وكذلك يهمل اثر المفاعيل التضعيفية واثار الارتباطات الامامية والخلفية والعلاقات المتبادلة بين العوامل الموسعة للطاقة الاستيعابية على المدى المتوسط والطويل بل وحتى على المدى القصير .
ان هذا المفهوم ينطلق من واقع الاقتصاد الرأسمالى الذى يهتم بالملكية الخاصة باعتبارها مقدسة وحرة ويهمل دور الملكية كوظيفة اجتماعية يجب ان يصار الى تسخيرها لخدمة اهداف الجماعة .
ان الاوساط الرأسمالية تحاول باشكال عديدة الاحتفاظ بمواقعها الاقتصادية والسياسية فى اقطار العالم الثالث وذلك بشتى الطرق منها محدودية الطاقة الاستيعابية فى الدول العربية .
ولكن قد زادت الاستثمارات الغربية والامريكية خاصة فى الاقطار النامية بشكل ملحوظ خلال عقد السبعينات حيث بلغت الاستثمارات الاميركية للشركات المتعددة الجنسية حوالى (95) مليار دولار عام 1972 بعد ما كانت ( 49 ) مليار دولار عام 1965 اى ارتفعت بنسبة 98 % تقريبا بينما لم ترتفع الاستثمارات المحلية خلال نفس الفترة الا بنسبة 70 % فقط .
وهذا مايفسر توجة روؤس الاموال من الاقطار الصناعية الى الاقطار النامية من اجل الارباح والتى تكمن فى قطاع الصناعة الاستخراجية التعدينية والقطاع الزراعى بحيث كانت الارباح المحولة للشركات المتعددة الجنسية للفترة 1971 – 1974 حوالى ( 25.2 ) مليار دولار فى حين كانت استثماراتهالنفس الفترة ( 5.2 )مليار هذا بالاضافة الى ارتفاع قيمة اصولها الخارجية .
ان القول بضعف الطاقة الاستيعابية يصبح صحيحا اذا كانت هنالك قيود مالية وقيود العملة الاجنبية والتى تصبح من اهم القيود على عملية التنمية الاقتصادية اما اذا تم تجاوز هذة القيود فان المشاريع التى يمكن انفاق الاموال عليها وفى الاقطار النامية بالذات تصبح لا حدود لها .
• ان الاستثمار كفيل بتوسيع الطاقة الاستيعابية حيث ان هناك علاقة جدلية ولست علاقة سببية بين الاستثمار والطاقة الاستيعابية .
• وبهذا يمكن القول بأن الاستثمار يلعب دورا حاسما واساسيا فى توسيع الطاقة الاستيعابية وفى نفس الوقت فأن للطاقة الاستيعابية تأثير واضح على حجم الاستثمار وباعتبار ان هنالك قدرا معينا واكيدا من الطاقة الاستيعابية فى كل بلد يصبح معة بالامكان توسيع هذا الحجم بزيادة حجم الاستثمار والذى سينمى عوامل اخرى مساعدة فى زيادة حجم الطاقة الاستيعابية .
• لقد اكد جون مينارد كينز على تبنى سياسة الاشغال العامة من اجل زيادة الاستثمار الناتج فى مرحلة لاحقة وتحت تأثير مضاعف الاستثمار وبالتالى تتوسع الطاقة الاستيعابية الحالية .
• أن البدء بعملية التنمية والذى يفترض حدا ادنى واولى من الاستثمار كفيل بزيادة عدد الفرص الاستثمارية المربحة وزيادة انواع هذة الفرص وبالتالى فأن عملية كسر الحلقة المفرغة للتخلف والتى تنشأ من نقص فى رأس المال تصبح فى الاقطار العربية ممكنة فى ظل توفر الموارد المالية النفطية وباعتبار ان الاستثمار يمكن ان يكون الاداة فى كسر اولى حلقات التخلف الاقتصادى وتوليد الدفعة الكبرى خاصة اذا كان هذا الاستثمار موجها من اجل سياسة تعويض الاستيراد ( الانتاجى والاستهلاكى ) .
+ وبالتالى اننا نفهم ان الطاقة الاستيعابية فى الاقطار العربية على اساس الحاجة القومية وليس على اساس الفرصة الاستثمارية على الرغم من ان الفرصة تمثل انعكاسا للحاجة .
** وبناء على ذلك يمكن تعريف الطاقة الاستيعابية فى البلدان النامية بانها ” المقدرة على استخدام رأس المال بحيث يدر عائدا اقتصاديا واجتماعيا يغطى التكاليف للاستخدام ” .
• ان محدودية الطاقة الاستيعابية التى يراها الاقتصاديون الرأسماليون هى انعكاس لظاهرة التخلف الاقتصادى والاجتماعى بحيث تمارس هذة الحالة اثرا سلبيا على الاستثمار بينما يمارس الاستثمار اثرا ايجابيا عليها .
• أن الاقطار العربية بشكل عام هى من اقطار العالم الثالث والتى لازالت فى مراحل النمو البدائية وتتصف بضعف فى مراحل النمو البدائية وتتصف بضعف عام فى هياكلها الانتاجية وتخلف المستويات الثقافية والمعاشية لابناءها اضافة الى سوء استغلال الموارد الاقتصادية فيها وطابع اقتصادياتها المفكك والاحادى لجانب اضافة الى وجود نشاط قائد ومميز فى كل قطر بحيث يعتمد بشكل يكاد يكون كامل على هذا النشاط وكما هو الحال فى بعض الاقطار النفطية وفى اعتماد مصر على محصول القطن اضافة الى الاعتماد الواضح على السوق الدولية فى سد جزء الاعظم من احتياجاتها للسلع الاستهلاكية والاستثمارية وسيادة الاساليب التقليدية والبدائية فى القطاعات الانتاجية الزراعية والصناعية اضافة الى الطابع اللاتوازنى .
لمجمل النشاط الاقتصادى فى هذة الاقطار ولتوزيع الموارد والثروات فيما بينها وكذلك اختلال موازين المدفوعات فى كثير من هذة الاقطار ، ويظهر التفاوت بين هذة الاقطار من خلال اختلاف معدلات الدخول الفردية وكبر الفجوة بينها واختلاف الكثافة السكانية وعدم التوازن فى امتلاك الموارد الاقتصادية الطبيعية والبشرية .
** أن دراسة واقع الطاقة الاستيعابية العربية يتطلب بالضرورة دراسة محددات او قيود هذة الطاقة والتى تعنى تشكيلة العوامل الاقتصادية والاجتماعية التى تعمل باتجاة معاكس لمستلزمات نجاح الاستثمار او التى تعتبر ذات اثر سلبى عند النظر الى واقع هذة الطاقة او مجرد التفكير بالاستثمار او يعتقد انها كذلك .
1- ضيق السوق .
2- ندرة الايدى العاملة الفنية .
3- الصعوبات التكنولوجية .
4- تخلف الهياكل الارتكازية .
1- ضيق السوق :
يعتبر عامل السوق من العوامل الاساسية والذى يلعب دورا مهما فى تحديد نمط واسلوب الانتاج لان الهدف من انتاج السلعة هو ايصالها الى المستهلك النهائى القادر على استبدالها بالسلع او النقود ويعتبر حجم السوق والمتمثل بالطلب الكلى عاملا محددا للانتاج والاستثمار والارباح .
ويعتمد الطلب بطبيعة الحال على متوسط الدخل الفردى وحجم السكان وعلى عوامل بايولوجية واجتماعية اخرى ، ويعتبر العامل السكانى من العوامل المهمة فى تحديد حجم الطلب حيث ان سكان الوطن العربى والبالغ ( 150 ) مليون نسمة يمثل طلبا غير قليل خاصة اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار العوامل البايولوجية والتى تفترض وجود حد ادنى من الاستهلاك لكل فرد .
• ان ما يجب التأكيد علية ان السوق هو دالة لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية يتناسب طرديا مع مدى جدية وشمولية هذة العملية .
• فباعتبار ان عملية التنمية عملية انقلابية على واقع التخلف الاقتصادى والاجتماعى تفترض تغيرات جذرية وحاسمة فى البنيان الاقتصادى والتركيب المؤسسى لهيئات المجتمع القانونية والاجتماعية وتنطوى على تغيرات معتبرة ومستمرة فى دخول الافراد وفى الهيكل الاقتصادى العام لذلك ستكون التغيرات اللاحقة ذات اثر ملموس على حجم الطلب وعلى تركيب هذا الطلب .
• فالتنمية الاقتصادية تفترض تغييرا ثوريا فى الهيكل الاقتصادى لابد ان ينطوى على اعادة التوزيع لصالح الطبقات الفقيرة والتى تعانى الحرمان والبؤس ومن طلب كامن منذ فترة سابقة لانخفاض مستوى الدخل ستفجرة عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية .
• والتنمية من ناحية اخرى ستنطوى على تشغيل عددا اضافيا من الايدى العاملة والتى كانت عاطلة فى مرحلة ما قبل التنمية ودخلها مساو نظريا الى الصفر واستهلاكها يقترب من ذلك ستخلق هؤلاء قوى جديدة تساهم فى دعم الطلب الفعال وبوتائر عالية .
• ومن ناحية اخرى ستشمل عملية التنمية الاقتصادية تغييرا فى واقع الهياكل الارتكازية للاقتصاد وبالذات طرق المواصلات بانواعها المختلفة والتى تعتبر ذات اثر كبير على حجم السوق وتركيبة الطلب الفعال .
• ان المفاعيل التضعيفية لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية سيكون لها اثرا بالغا فى تغيير السوق باتجاة التوسع العمودى والذى يعنى تغيير تركيب الطلب ونمطة اضافة الى احتواءها على تغيير افقى عن طريق اعادة توزيع الدخول والقضاء على البطالة الهيكلية وخلق طلب جديد لم يكن موجودا سابقا .
• اما بالنسبة لسوق المنتجات الاستهلاكية فهو الاخر يتصف بضخامة الطلب الفعلى الحالى والكامن والذى ستقوم عملية التنمية الاقتصادية القائمة على اعادة توزيع الدخل واستخدام الموارد المعطلة بتفجيرة فى مرحلة لاحقة وقصيرة بفعل عوامل مضاعف الاستثمار والذى سيظهر فعلا وبوضوح اذا ما استخدمت السياسيات الاقتصادية الملاءمة وفى مقدمتها تخطيط التجارة الخارجية .
• عامل النمو السكانى من العوامل المهمة التى ستلعب دورا بارزا فى تعظيم الطلب الكلى وتوسيع السوق فى اقطار الوطن العربى التى تبلغ فيها نسبة النمو السكانى كمعدل اكثر من 3 % وهى ثانى اكبر نسبة فى العالم بعد قارة افريقيا علما بأن عدد كبير من الاقطار العربية تقع فى قارة افريقيا .
2- مشكلة ندرة الايدى العاملة :
الوطن العربى فية من الامكانيات البشرية المؤهلة والمتدربة والتى تشكو من البطالة باشكالها المختلفة ما يكفى لسد الجزء الاعظم ، هذا بالاضافة الى ان هناك من الكوادر العربية عالية التأهيل والكفاءة اتخذوا البلدان الاجنبية وطنا لهم هروبا من واقع التخلف المتعدد المظاهر .
• ان هجرة الادمغة من الاقطار النامية الى الاقطار المتقدمة والتى اطلق عليها ايضا ( النقل المعاكس للتكنولوجيا ) او( نزيف الادمغة ) انما يمثل خسارة كبرى تدفعها الشعوب النامية من نواتجها الاجتماعية وتستحوذ عليها الاقطار المتقدمة بأساليب عديدة اهمها تسخير مؤسسات صيد العقول والتى تسخر لها الامكانيات المختلفة من اجل جلب المزيد من المهاجرين من الاقطار النامية الى المتقدمة وبأساليب عديدة مادية ومعنوية .
• الوطن العربى شأنة شان باقى الاقطار النامية يعانى من ظاهرة نزوح الكفاءات وبشكل متفاقم بحيث ان نسبة 70% من الطلبة العرب الموفدين للدراسة فى الخارج لا يعودون الى الوطن الام بعد اكمال دراستهم العالية .