ثقافة

هل فشل الحراك الثقافي الكوردي؟

د. محمود عباس

هل فشل الحراك الثقافي الكوردي؟

كثيرا ما يتم التداول بين الشعب على أن الحراك الثقافي لم يكن على مقدرة تصحيح مسار الحراك الحزبي- السياسي، مما أدى إلى هذا التآكل الداخلي المرعب في مرحلة تعد من أنسب المراحل التاريخية للقضية وقادم الأمة، وكذلك لم يكن بمقدورها رفع مستوى وعي المجتمع، وهو ما دفع بالشارع الكوردي، في السنوات الأخيرة، وعلى خلفية اليأس والإحباط، تفضيل الهجرة الكارثية من الوطن كملاذ لإنقاذ النفس والعائلة، على المقاومة والبقاء، وهجرة من الذات الكوردية، دون القدرة على قطع الجذور عن الوطن إن كان في المهجر أو عن القضية إن كان في الوطن، كرد فعل للتغطية على ما يعانيه من خلفيات فشل أو سلبيات الحراك السياسي.

ربما لا يدركون، مثلما لا يدرك الحراك الحزبي-السياسي أهمية الحراك الثقافي والذي هو من أهم ركائزه، أن ضعف إمكانياته وبطئه في نشر الوعي والمفاهيم الصحية، وعدم قدرته على التأثير، ناتج من الصراع الداخلي بين الحراكين، بل وربما لهيمنة الحراك الحزبي على مقدرات الثقافي وأحيانا محاولة إضعافه لجعله تابعاً لا مشاركاً، في الوقت الذين يتوجب فيه التفاعل بينهما، من أجل مسار القضية بشكل سليم. هذا ما أضعف قدرتهما على اختراق الجدران العازلة التي خلقتها الأنظمة العنصرية، وتنقية الثقافة الكارثية التي نشرتها بين الشعب طوال القرون الماضية، والتي ظهرت من لدنها الأحزاب الكوردية وقادتها، وهو ما أدت إلى ظهور نسبة مرعبة من الأدمغة الجامدة في مجتمعنا، والمؤثرة بشكل ما على الحراك، وبطء تأثير مفاهيمه على المجتمع بشكل عام وعلى الحراك الحزبي بشكل خاص.

لكن تظل جدلية النجاح قائمة، فحتى ولو أن المفاهيم التنويرية لا تخترق الأدمغة الجامدة، لكنها عند الصدمة تتناثر وتنتشر في الأطراف، تضيء الأجواء من حولها، فتؤثر على محيطها والذي سيكون لها تأثير على تليينها، وإنقاذ المجتمع من الأوبئة الثقافية ومن ثم إنقاذ تلك الأدمغة من الجمود التي أغرق ليس فقط الشعب الكوردي بهم بل وشعوب المنطقة، ولا شك فهي تحتاج إلى فترة زمنية، لتصبح ثورة في البنية الثقافية، وتتمكن من تغير البيئة الفكرية السياسية، فالحركة التنويرية الكوردية وإن كانت لا تزال عاجزة على التأثير، أو أن نتائج مفاهيمها لا زالت مغيبة، وتتلكأ بالخلافات الداخلية، لكن الأمل قوي بنجاحها وظهور تأثير مفاهيمها الصحية على الساحة في مراحل قريبة قادمة، ولربما سيساهم القدر، كما يقول أبن خلدون في ظهور الجغرافيات السياسية، في تمكنها من إنقاذ الحراك الحزبي-السياسي، والمجتمع، بل وهدم جدران العتمة من حولهم.

نتحدث عن دور الحركة التنويرية والتي ركيزتها المثقف الواعي المتواضع، المعطاءً كالنهر، المتدفق كالنبع، الذي يشبه البحيرة التي تتغذى من المنابع الدائمة العطاء، قد يتغير مستويات عطاءه مع الفصول؛ لكنه لا ينضب. وليس الذي تراكمت فيه المعلومات، وأصبح يقدم ذاته كصاحب الفكر والمعرفة، لكنه في الواقع العملي كحوض ماء راكد، يغرف منه، وإن ألقيت فيه الأوساخ لا يمكن أن ينقي ذاته بذاته، وقد يتحول مع الزمن إما إلى مستنقع آسن، أو ينضب رغم فصول العطاء، ويموت معه الخضار من حوله.

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى