ما بعد الإنتخابات التبكيرية الخامسة

راسم عبيدات

بعد ان توافقت كتل الإئتلاف والمعارضة في دولة الكيان على حل “الكنيست” والمصادقة على ذلك بالقراءتين الثانية والثالثة،على ان تجري الإنتخابات في 1/11/2022،فمن الواضح بأن هذه الإنتخابات،عدا عن كونها تعبير عن أزمة سياسيةعميقة يعيشها نظام الحكم في دولة الإحتلال، وأن نتائج تلك الإنتخابات تؤشر بشكل واضح، بأن عصر ما يسمى باليسار الصهيوني وحتي ما يعرف بيمين الوسط في طريقها الى الأفول والتلاشي ،فالمجتمع الصهيوني الذي شهد انزياحات واسعة نحو اليمين واليمين المتطرف منذ عام 1996 ،وصل الان الى مرحلة كبيرة من التطرف والعنصرية،مرحلة تختنق فيها دولة الإحتلال بعنصريتها،ويتنامى فيها وجود القوى ” اليهودية الداعشية”…والتي اصبحت مكون اساسي من مكونات المجتمع اليهودي،وهذه القوة ” الداعشية، باتت تسيطر على مفاصل القرار السياسي في دولة الإحتلال ،حيث نشهد حالة من التفكك والتشظي في القوى السياسية الإسرائيلية الكبرى،والتي بات تمثيلها وحضورها لا يساوي نصف حضور بعض تلك القوى ” الداعشية” فعلى سبيل المثال حزب ” العمل” الذي بنى دولة الكيان وزرع ارض فلسطين بالمستوطنات، استطلاعات الرأي تشير بان ما سيحصل عليه خمسة مقاعد،في حين حزب ” عصموت هيهوديت” الصهيونية الدينية” بقيادة المتطرف سموتريتش” استطلاعات الرأي تعطيه 9- 10 مقاعد.. في هذه الإنتخابات سنشهد المزيد من التحالفات والتفكك والتشظي لأحزاب ولدت من رحم الليكود،مثل حزب” يمينا” ،حيث من المرجح عودة الأعضاء عيديت سيلمان،نير اورباخ وعميحاي شيشكلي وغيرهم من اعضاء يمينا الى صف حزب الليكود،وكذلك حزب المنشق جدعون ساغر” هتكفاه حدشاه” أمل جديد …ناهيك على ان نتنياهو البارع في عمليات الإستقطاب وتفكيك واختراق الأحزاب ،سيعمل على شق وتفكيك المزيد منها،بحيث تصبح غير قادرة على ان تشكل منافس له في الإنتخابات القادمة، لا كحزب او تكتل يميني متطرف…واضح بأن الجمهور “الإسرائيلي” لم يتأثر بما يوجه لنتنياهو من تهم بالفساد وخيانة الأمانة وسوء الإئتمان،تلك التهم الثلاثة الخطيرة المنظورة ضده أمام القضاء الإسرائيلي، فلم تتأثر شعبيته كشخص ولا كحزب،حيث بقي يتصدر استطلاعات الرأي ” الإسرائيلي” كأفضل رئيس وزراء،وبفارق كبير عن أي منافس آخر له،وكذلك الليكود بقي متصدر وبفارق كبير عن الحزب الذي يليه،فإستطلاعات الرأي تعطي الليكود 36 مقعداً،في حين الحزب الذي يليه ،حزب “يش عتيد” يوجد مستقبل بقيادة يائير لبيد الذي سيصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي” في الفترة الإنتقالية ،اقصى حد سيحصل على 19- 20 مقعداً.

الدم والأرض والحقوق الفلسطينية ستكون جزء من الحملات والمزايدات الانتخابية، بين الأحزاب الإسرائيلية، أي منها س” يوغل” في الدم الفلسطيني أكثر،وأيها سيعمل على زرع وبناء مستوطنات أكثر،وأيها أيضاً سيجهز على مدينة القدس بشكل أسرع،ويمنع أي شكل من اشكال الوجود الفلسطيني فيها رسمي او مؤسساتي ،او أي أنشطة او فعاليات حتى الإغاثي والرياضي منها،بما في ذلك أنشطة وفعاليات متعلقة بالأطفال،وكذلك سيتواصل العمل لشطب المنهاج الفلسطيني بشكل كلي في مدينة القدس،في حين سيجري التركيز على دعم الجماعات التلمودية والتوراتية في مخططاتها ومشاريعها من اجل تكريس تقسيم الأقصى مكانياً وزمانياً،وشطب الوصاية الأردنية المتآكلة،وانهاء الإشراف الإداري للأوقاف على الأقصى…وكذلك سنشهد تصعيداً تجاه قوى ا ل م ق ا و م ة في قطاع غزة،مع استمرار القيام بعمليات الإنهاك المتواصلة والمستمرة بحق جنين ومخيمها،عبر التصفيات والإغتيالات،والإعتقالات الوقائية للأسرى المحررين والنشطاء،لمنع تجذر وتصلب بؤر وقوى ا ل م ق ا و م ة في جنين ومخيمها،وانتقال تلك ا ل م ق ا وم ة من جنين الى بقية مدن الضفة الغربية،وبالذات نابلس،التي تشهد تشكيل كتيبة “نابلس”.

رغم ان الإنتخابات ستعطي تمثيل واسع لقوى اليمين واليمين المتطرف،وستمكن نتنياهو من تشكيل حكومة وحدة ” وطنية” واسعة،ولكن هذا لن يساهم في حل لا أزمة الكيان لا سياسياً ولا مجتمعياً،فهذه الأزمات باتت متعمقة وبنيوية،يصعب الفكاك والخلاص منها،فالمجتمع “الإسرائيلي” تزداد تناقضاته الطبقية والأثنية والعرقية،وفي ظل المتغيرات والتحالفات التي نشهد تشكلها عالمياً وإقليميا وعلى مستوى المنطقة،سواء لجهة بروز وترسخ عالم القطبية المتعددة بعد الهزيمة التي لحقت بالمشروع الأمريكي ،عبر الخروج المذل لقواتها من أفغانستان،والهزائم التي تمنى بها عسكريا واقتصادياً على يد روسيا في أوكرانيا،والتي تنهي بلطجتها واحاديتها القطبية،وكذلك عدم القدرة على لي ذراع ايران،والتي باتت على اعتاب انتاج السلاح النووي، فتصدير أزمات الكيان الداخلية،نحو الخارج،سيلقي على دولة الاحتلال أعباء كثيرة، تطال وجودها للمرة الأولى، فحلف محور القدس يعيد توحيد حلقاته من طهران وحتى اليمن وفلسطين،ولا اعتقد بأن تحالف” ميساء” الذي سيعمل بايدن على إطلاقه أثناء زيارته للمنطقة في الشهر القادم من 13- 16 ،”التحالف الشرق اوسطي الأمني الاقتصادي،والذي سيضم دول مجلس التعاون الخليجي،مع تحفظات الكويت وعُمان، بالإضافة الى مصر والأردن والعراق ودولة الكيان،أو ما يعرف بدرع الدفاع الجوي المشترك،ستوفر الأمن والحماية لدولة الاحتلال،والتي هاجس وجودها وحمايتها،يشكل جوهر زيارة بايدن للمنطقة،وكذلك توفير الغاز والنفط البديل خليجياً لأوروبا،لكي تبقى في إطار تبيعتها لأمريكا وكشريك في حربها وعقوباتها على روسيا.

موضوع نتائج الانتخابات التبكيرية الخامسة خلال ثلاث سنوات ونصف،بات محسوماً لصالح قوى اليمين واليمين المتطرف والأهم ل ” الداعشية” اليهودية التي باتت تمسك بمفاصل القرار السياسي الإسرائيلي،وتتحكم في الحكومات “الإسرائيلية” بقاءً وسقوطاً،ومن هنا فإن البعض الفلسطيني عليه ان يخرج من غيبوبته السياسية وإنفصاله عن الواقع ويغادر اوهامه،برهن الحقوق الفلسطينية للتغير في الحكومات الإسرائيلية او الإدارات الأمريكية،والتي تتفق على أنه أقصى ما يجب منحه للفلسطينيين حكم ذاتي وتسهيلات ومشاريع اقتصادية،وبدون أية حقوق سياسية وطنية،وكل عبارات بيع الأوهام والخداع والتضليل عن ما تقوله الإدارة الأمريكية حول تمسكها بحل الدولتين،يثبت الواقع زيفها ،وهي ليست أكثر من إسطوانة مشروخة،هدفها شراء الوقت لكي يكمل الاحتلال مشاريعه في تصفية قضيتنا والسيطرة على أرضنا ،ولذلك لم يعد هناك أي مجال “لتجريب المجرب” والقيادات التي ستستمر في انتهاج هذا الخيار والتظير لهذاالنهج، واجب على شعبنا اقصاءها عن المشهد السياسي.

فلسطين – القدس المحتلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى