أمن وإستراتيجيةفي الواجهة

رُوسيا، الثّروة والسّطوة، ومياهُ السِّيادة

عزيز فيرم، كاتب سياسي وروائي جزائري

فيدرالية روسيا الإتحاديّة، أو بعبع الشّرق، دولة أوراسيّة تقع بين قارتين مختلفتين –أوروبا و آسيا- كانت تحت المظلّة السوفياتيّة قبل أفول نجم الأخيرة وتواريها، لتظهر بمسماها الجديد في الخامس والعشرين من كانون الأول العام 1991، ضامّة 21 جمهورية فيدرالية مستقلّة ذاتيا بتعداد سكاني ناهز 146 مليون نسمة العام 2021، يعيشون على مساحة قدرها 17 مليون كم مربع.

روسيا كانت دائما تحس دائما بالعزلة وبتهلهلها بسبب شساعة المساحة ووعورة التضاريس في كثير من مناطقها وتجمد مياهها شتاءً ووعورة مناخها خاصة شمالا وفي منطقة سيبيريا، لذلك لجأت إلى عقد بعض التحالفات مع بعض الدول خاصة الجارات منها، في صورة أوكرانيا وروسيا البيضاء العام 1917 بعد نجاح الثورة الحمراء الشهيرة أو ثورة البلاشفة، ليظهر التحالف الشامل العام 1922، شيء جعل بقية الدول والكيانات -مهما بلغت قوتها- تهابها وتحسب لها ألف حساب وحساب. الطفرة كانت في شخص الزعيم الألماني الراحل أدولف هتلرالذي نقض عهده الذي قطعه على نفسه تجاه أصدقائه السوفيات، وتجرأ على غزوها وفق حملة بربروسا الشهيرة،لكن أطماع أدولف الخيالية تحطمت كلها فوق أسوار سانت بترسبورغ جارا ورائه الخيبات والنكسات، وفي المقابل بزغ فلك السوفيات مجددا كواحدة من بين القوى العالمية التي لها رقم في المعادلة الدولية، ليستمر الحال كما هو إلى غاية إعتلاء ميخائيل غورباتشوف –الحاكم الكيوت- آخر الزّعماء السوفيات سدّة الحكم ويعلن حزمة إصلاحات كبيرة مسّت مفاصل الحكم والحياة السياسية والإقتصادية والثقافية بإنشاء البروسترويكا والغلاسنوست اللتان أسستا لنهاية زمن قوّة ما كان يسمى بالإتحاد السوفياتي الذي تفكك إلى دويلات أو لنقل جمهوريات وعددها 15 جمهوريّة من ضمنها روسيا التي اعتبرت نفسها الوريث الشرعي وعينها على الترسانة النووية السوفياتية أكثر من أي شيء آخر، وعادت هنا روسيا إلى حدودها المفتوحة المعرضة للغزاة .

لكن ثمة طاريء مهم وهو ما حدث بين موسكو و أوكرانيا وبيلاروسيا حول ميراث الإتحاد المنتهي، حيث تنازلت أوكرانيا وجارتها لروسيا على النووي مقابل عدم الإعتداء على حدودهما وإبقاء القرم، لكن الروس مع ظهور بوتين الذي يعتبر أحد القياصرة الجدد أرادوا أن يكسبوا الوقت والتحالفات الظرفيّة قبل رفع مجد روسيا مجددا، وربما ظهر خبر وتحول مع ميلاد العام 2014 وثورة الكرامة كما سميت هناك، التي أتت على رئيسها حليف بوتين وحلت محلها حكومة حليفة للغرب وهنا عزم الرئيس الروسي على أخذ القرم، القرم التي تعتبر المنفذ الروسي المهم نحو المياه الدافئة وهو منطلق الأهمية الجيواستراتيجية لها على الإطلاق.

روسيا بثرواتها ومواردها الإستراتيجيّة الكبرى خاصة الغاز الطبيعي والفحم والنفط واحتياطاتها من المعادن النفيسة المختلفة وهي من ضمن أقوى سبع إقتصادات في العالم، لكن مقابل ذلك هي أشبه بالدولة الحبيسة رغم إطلالتها على مسطحات مائية كبرى، ذلك أن مياهها متجمدة شتاءً خاصة الشرقية والمطلة على الدائرة القطبيّة الشماليّة ولذلك اعتبرت سيادتها على جزء من المياه الجنوبية أمر مهم للغاية وهو الذي سيكسبها مزيدا من القوة والنفوذ للسيطرة العسكرية والإقتصادية والإنطلاق نحو التخوم الجنوبية تمهيدا لغزو كبير قد يكون ومعه تتحقق أحلامها للسيطرة على قلب العالم بالمفهوم الماكيندري وهو لب العالم ومحور صراعاته الدائمة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى