مجتمع

يا أهل المحبة

 
مجدي مهني أمين
لا أعلم السبب -منذ سماع قصة هذه الفتاة الصغيرة- في أن ترن في أذني كلمات هذه الأغنية لعبد المطلب:
يا أهل المحبة ادوني حَبة من سعدكم
اسعد فؤادي وابلغ مرادي يوم زيكم
يا أهل المحبة ادوني حَبة
إلى آخر الكلمات، الكلمات ترن في أذني وكذلك اللحن الجميل والأداء المبدع، الأغنية والكلمات أكثر من رائعة، ولكن في القلب تحوير بسيط، فالأغنية تتطلع أن يعطينا المحب بعضا من محبته، أو قدرا من المحبة التي نحملها له في قلبنا، ولكننا هنا نتطلع لمعنى أبعد قليلا، نحن نتطلع أن يكون في قلبنا “حَبة” من هذا الحب الذي تحمله صاحبة قصتنا لأبيها.
تبدأ قصة هذه الفتاة الصغيرة من أمها، فالأم وهي صغيرها مثلها أو أكبر قليلا أحبت هذا الأب، كان فتى يافعا، أحبته وتزوجته رغم اعتراض الأهل والأقارب، وقد كان عند سوء ظن الأهل والأقارب، لم يصلح لعمل، ولم ينجح في مهمة، وكان على الأم المُحِبة، وهي تنجب أطفالها الثلاثة، أن تجتهد هي وتحمل على كتفيها مسئولية الأسرة، تحملها بكل قوة، نزلت لسوق العمل واستطاعت أن تدبر نفقات أسرتها، والفتى مهمل وعاق، بل دخل في عالم الإدمان، أصبح حالة ميئوس منها.
الأهل والأقارب نصحوا الأم بالابتعاد عن هذا الأب الماجن، الهروب بابنائها بعيدا عنه، والأم في كل مرة ترفض هذا الحل، هي راغبة بقوة في ان “ينصلح حاله”، وراغبة بقوة أكبر في الحفاظ على شمل الأسرة، حتى عندما امتنع الكثير من الأقارب عن مساندتها، لم تستسلم، وحاولت الحفاظ على شمل الأسرة، والحفاظ على هذا الأب تحت سقف الأسرة الواحد، وضاعفت جهودها في العمل لدعم الأسرة، هذا مع فرحتها بتفوق أبنائها، فيحصل الابن الأكبر على الدرجات النهائية، ويلتحق بواحدة من كليات القمة.
تسوء حالة الأب أكثر وأكثر، يصبح عبئا ثقيلا على أسرته، حتى يصل به الأمر لمفترق الطرق، ويختار الحل الصائب هذه المرة، ويقبل أن يذهب لمصحة علاجية، عليه أن يغيب فيها لأكثر من ستة أشهر، وهنا تسوء حالة الابنة، بطلة القصة، تدخل في ألم يشمل كل جسمها، ألم شديد، تحمر عيناها ولا ترى النوم، فقط تنظر بصمت مطبق لوجه أمها، ولا تنام. ذهبوا بها للبحث عن علاج، ولم يجد الأطباء مرضا عضويا، سمحت المصحة بإجراء مكالمة وحيدها بينها وبين أبيها، وسألنا الأم عما فعلته وقتها، قالت:
• أول ما سمعت صوت أبوها قعدت تبكي بحرقة ولم تستطع أن تتكلم.
اتضح أن الفتاة تحمل في قلبها نفس رسالة الأم في الحفاظ على شمل الأسرة، اختيارها مثل أمها عكس كافة المقترحات في الابتعاد عن الأب والنجاة بأنفسهم منه، فعندما اختفى من أمامها لوقت لا تعرف مداه، عجز قلبها المحب عن تحمل غيابه، وانهار جسدها النحيل في ألم مبرح، القلب المحب ينبض بلهفة، والعقل صغير لا يحمل كلاما يهدئ القلب، ولا يحمل كلاما قويا يعظ به الأب، حالة عقل صغير وقلب كبير محب، وجسد واهن منهار على فراش الألم والمرض، قلت لأمها:
• هي تحمل نفس رسالتك في لم الشمل.
والأم تقول:
• ربنا يهديه، بس يا ريت تنام ولو ساعة.
طبعا، يا ريت تنام، ويا ريت الألم يتراجع، وأيضا يا ريت الأب يعود لوعيه ويقاوم، لأن فيه قلوب صغيرة مصيرها معلق بمصيره، فعليه أن يكافح وينجو كي ينقذ نفسه، وينقذ معه هذه القلوب التي تحبه.
صدمتني هذه الفتاة، هل هناك حب مثل هذا؟ قلوب غافرة بهذه الدرجة من الرحمة؟ فعقلها الصغير لا يحمل كلمات لوم أو عتاب، وقلبها الكبير يتألم، درس المحبة يأتينا هذه المرة من طفلة صغيرة راقدة في الفراش في ألم وصمت.
• اللهم أجبر قلبها، اللهم أعطنا قدرا ولو يسيرا من هذه المحبة الممتلئة بالرحمة والحنان، والتي لا تعرف اللوم والعتاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى