رأي

يا أصحاب العقارات خفضوا الإيجارات

احمد الحاج
قديما قيل” في ظل حكومة فاضلة الفقر عار، وفي ظل حكومة سيئة الغنى هو العار” وبما أن العراق خصوصا والأمة العربية عموما تعيشان اليوم أسوأ حقبة في تأريخهما على الإطلاق في ظل حكومات بيروقراطية غاية في السوء والانتهازية والتناحر والتنابز فيما بينها ،وفي أمثالهم قال رسول الله صلى الله عليهم وسلم :”خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم ” ومعنى تصلون عليهم أي تدعون لهم بالتوفيق والسداد والصلاح ،وبما أن الغنى في الغربة وطن ، والفقر في الوطن غربة ، فبإماكني أن أجزم بأن ثلاثة أرباع العراقيين صاروا غرباء في بلدهم الأغنى ثروة على سطح الكرة الارضية ،الأفقر شعبا في العالم، مواطنون يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ليس لمعظمهم دار تمليك تأويهم ولا شبر من أرض في بلادهم تؤنسهم وتسترهم وتحميهم ،إنما هي مشتملات صغيرة بعضها لاتتعدى مساحته الـ 30 مترا وسط أحياء بائسة مكتظة بالسكان ومفتقرة للخدمات ، أو شقق مستأجرة في عمارات متهالكة، أوعشوائيات متناثرة في أقاصي النواحي والمدن ،أو تجاوزات هنا وهناك الى حين ميسرة،أو بيوت من طين وصفيح لاتقي من قيظ صيف ولا من مطر وبرد شتاء ولا ريح ،أو خيام نزوح تعيش على مساعدات المنظمات الانسانية ،واحدة تغدو عليهم كل شهر والأخرى كل شهرين أو ثلاثة – بالتفاطين – تروح !
نعم لقد إلتزمت بحظر التجوال الشامل ونداء – خليك بالبيت – طيلة الأيام الماضية بإستثناء بعض – الزغل – ولا أكتمكم سرا – ضجت ، إحتصرت ، إختنقت – فقررت كسر الحظر مؤقتا والخروج في جولة ليلية تحت جنح الظلام سيرا على الأقدام لشراء بعض اللوازم المنزلية الضرورية ولكن بحذر فأمطرت السماء بشدة وتبللت ملابسي وخلال المطر رمقت إمرأة محجبة تفترش الرصيف وتبيع اكياس النايلون ولا أظنها تستجدي لأن لا أحد في الشارع بإستثناء النزر اليسير من أمثالي ، وبعدها بدقائق لمحت كادحا محني الظهر يحمل كيسا كبيرا وضع داخله فانيلات وجواريب وكفوف رجالي ونحوها ،رمقني بنظرة متشحة بالحزن وسلم عليَّ قائلا ” بلازحمة عليك اريد استشيرك بموضوع ” قلت له ” تفضل حبيبي الغالي ” قال ” تتصور هذا الشهر اصحاب العقارات راح ياخذون الايجار من المستأجرين أم لا ..صاحبة العمارة التي أسكن احدى شققها مقيمة في الاردن ووكيلها المسؤول عن جمع بدلات الايجار شهريا موجود في العراق ولا اظنه سيتخذ هكذا خطوة من دون موافقتها ..فشدكول انت ،راح تعفينا من الايجار لو لا ؟!” وكأنه يستخير اكثر من كونه يستشير لمعرفة الاجابة مني سلبا أو ايجابا ،قلت ” ان شاء الله تعالى تعفيكم ” ففرح الرجل ايما فرح وكأنني قرأت له مستقبله فيما لا أدري واقعا هل ستعفيهم صاحبة العقار أم لا ، الا انه كان يريد ان يتعلق بأي كلمة طيبة تطيب خاطره ولا اظن ان الله عز وجل سيخيب رجاءه لطيبة قلبه ولحاجته الماسة وفقره المدقع ..ستعفيهم جميعا بإذنه تعالى انا متأكد من ذلك استنادا الى فرح قلب نقي تعلق صادقا بالله وان كان كل ما حوله لايشي بأنها ستعفيهم …وقبل أن يودعني دمعت عيناه وامتزجت بقطرات المطر وقال ” عمري تجاوز الـ 62 عاما ولم يعد بمقدوري العمل بهذه الطريقة المهينة واخشى ان اقع يوما ولا معيل لبناتي واولادي سوى الله تعالى !!
أطرقت رأسي ولم أنبس ببنت شفة ولا أدري أأحزن على المرأة المحجبة التي تفترش الرصيف لتبيع اكياس النايلون تحت المطر اثناء حظر التجوال ..أم على هذا الكادح الذي يحمل بضاعة لن تباع لأن القلائل ممن يتجولون في الشارع غايتهم شراء المواد الغذائية والطبية ولا شيء غير ذلك ..ولكن رحمة الله قريب من المحسنين ..وقد اعجبني بوست قرأته قبل قليل خلاصته : ” العراقيون اليوم قسمان ، الاول يخشى الموت بكورونا ..والثاني يخشى الموت من الجوع ، وفاتهم قول الباري عز وجل ( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ) حقا وصدقا ان الصدقة والرجوع الى الله تعالى وعبادته وتقواه هي الحل ، عودوا الى الله واستغفروه وتذكروا قول الباري عز وجل : ” فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا”.
اليوم وفي ظل أزمة وباء كورونا الطاحنة ونتيجة لفرض حظر التجوال الإجباري،وتطبيق الحجر الصحي ،وفصل المدن والمحافظات عن بعضها وإرغام الناس على الجلوس في بيوتها ومعظمها مستأجرة وفقدان الأجراء اليوميين والعمال والكادحين والكسبة لمصادر رزقهم الوحيدة حتى ضاقت عليهم الارض بما رحبت كل ذلك تزامنا مع انخفاض اسعار النفط الى اقل من 20 دولارا للبرميل الواحد بعد خصم تكاليف استخراجه لصالح الشركات الاحتكارية التي – شفطت – نفط العراق في جولة التراخيص المشبوهة التي وقعها – الشمر ستاني – في ليلة ظلماء أفتقد فيها البدر مقابل فتات من موائدها ،حتى صار كوفيد – 19 من أمامهم والفقر من ورائهم توجب على أصحاب العقارات الموسرين ومن منطلق انساني ، شرعي ، وطني ، أخلاقي إما تخفيض الإيجارات على المعسرين، وإما التنازل عنها لشهر أو ثلاثة أشهر ، وإما تأجيل استحصال الايجارات لحين زوال الغمة وعودة الحياة الى طبيعتها وتحسن الأوضاع وإستعادة الكادحين لمصادر رزقهم الحلال ، وعودة الأجراء اليوميين الى وظائفهم ، والعمال الى مصانعهم ليمثل صنيعهم هذا قمة النبل والعطاء والانسانية فهل من مستجيب ؟ وعلى الحكومة القيام بخطوات مماثلة تتمثل بإلغاء الفوائد على القروض والسلف ، إلغاء الضرائب ، زيادة مفردات الحصة التموينية والاسراع بتوزيعها بين المواطنين ، ايقاف فواتير -الماء والكهرباء – وإسقاط جميع الديون السابقة بذمة المواطنين فورا ، وإلزام شركات الاتصال والنت بعدم استحصال ما بذمتهم للشهر الجاري والذي يليه – يعني كافي لفط براس العراقيين لمدة 17 سنة – علما ان أجور الاتصال والنت في العراق هي الأغلى في عموم العالم ،وخدمتها هي الاسوأ على الاطلاق في عموم المنطقة ، فهل من مجيب ؟ اودعناكم اغاتي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى