أحوال عربيةأخبار العالمفي الواجهة

هولوكوست برلين 2022

عائد زقوت

كشفت قمة برلين بين الرئيس عبّاس والمستشار الألماني إيلاف شولتز عن الأكذوبة التاريخية للموقف الأوروبي من القضية الفلسطينية، والذي ساهم في إطالة أمد نكبته، بل كان لأوروبا الدور الأبرز في اغتصاب فلسطين، وإقامة المغتصبة الصهيونية التي أسموها اسرائيل، بدءًا من وعد بلفور ومرورًا بالدعم السياسي والاقتصادي والعسكري، والتعامل معها كدولة فوق القانون منذ انشائها وحتى الآن، وعلى رأسها ألمانيا التي استسلمت للابتزاز اليهودي، وكذلك للسردية اليهودية حول للمحرقة زمن النازيين، فلم يرق للمستشارية الألمانية تصريحات الرئيس عبّاس حينما وصف المجازر والمذابح التي ارتكبتها اسرائيل بحق أبناء شعبنا بالهولوكوست، حيث أنها لا تختلف في مضمونها ونتائجها عن ما فعلته النازية بمحرقة اليهود، والتي يشكك فيها الكثير من الساسة والكتاب والمؤرخين الألمان .
لم يكن وصف الرئيس عبَّاس لتلك المذابح والمجازر بالهولوكوست، أمرًا مستغربًا، أو ادعاءً باطلًا، فهذا الوصف حقيقة تاريخية ثابته، أراد الرئيس بها تنبيه العالم إليها من جديد في ضل العاصفة السياسية التي قادتها اسرائيل لطمس الهوية السياسية للشعب الفلسطيني، وما تلك الهجمة الشرسة، والهيجان والالتجاج الاسرائيلي على تلك التصريحات والتي لم ينكر فيها الرئيس الهولوكوست لهو امتداد لفكرة حصر جريمة الهولوكوست في اليهود فقط، استجلابًا للتعاطف الدولي، وانكارًا لحقيقة تهجير الشعب الفلسطيني قسرًا، وإقامة دولتهم على أنقاضه، والتغطية على جرائمها وممارساتها القمعية، والخوف من التشكيك في السردية الصهيونية التي فرضتها على المجتمع الدولي.
وعلى صعيد آخر فعلى الرغم من الهرج والمرج الذي افتعلته اسرائيل حول تصريحات الرئيس، وما تبعها من تداعيات، واجراءات ألمانية تخالف كافة الأعراف الدبلوماسية، بل يمكن وصفها بهولوكوست ألماني تجاه الشعب الفلسطيني، فإنها لم تلاق ذات الاهتمام والالتفاف الفصائلي، والنخبوي، وكأنّ العرس في عمورية، مما يشير إلى حالة الانفصام التي تعيشها الفصائل، ودعاة الوطنية، وسحيجة الفضائيات، فقد صدق القائل لا وزر على امرأة تزني ما دام الزوج في الأصل ديوث .
ما أقدم عليه الرئيس من هجوم على فكرة الهولوكوست، يجب ألا يكون منعزلًا عن سياق إعادة ترتيب السياسة الفلسطينية التي باتت بالضرورة في حاجة إلى التغيير، وألا تكون منعزلة عن الرؤية التي قدمها الرئيس في خطابة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة سبتمبر من العام المنصرم، والذي أنذر فيه من الانفكاك من عملية السلام إذا لم يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه خلال عام، وما هي إلا أيام قليلة وينقضي العام، فهل من الممكن أن يُقْدِم الرئيس على خطوات متقدمة على صعيد العلاقة مع الاحتلال، ويشعل هولوكوستًا لاتفاقيات لم تنجح في تحقيق السلام، وآمال الشعب الفلسطيني، وليس ذلك فحسب بل ذبحته على معابد النسيان والتهميش، ويعمل على إخراج مقررات المجلسين الوطني، والمركزي ذات الصلة من الإنعاش .
الشعب الفلسطيني يحذوه الأمل في إقبال الرئيس على تصحيح المسار، وإنماء التاريخ وإمداده بأيقونة فلسطينية خالدة سَطّرت صمودها في وجه الاحتلال بالصبر والألم والأمل، والعمل الجاد لاتخاذ خطوات فاعلة لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية، وإحياء حلمه في الدولة الفلسطينية المستقلة.
تنبيه: ممارسة الساسة للسياسة بلا أخلاق، وانتهاج الدياثة السياسية، في تناول قضايا شعوبهم، وعلى وجه الخصوص من يرزح تحت الاحتلال، تُعد من مدمرات الإنسان ومثبطات الشعوب، وجالبة للخسران المبين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى