أخبار العالمفي الواجهة

هل تستعيد القارة العجوز شبابها ؟

رضي السماك

بالمواجهة النووية، إلا أن السلم العالمي لم يكن مهدداً مثل ما هو مهدد الآن، إذ كان لكل من النقابات والأحزاب اليسارية والنقابات التقدمية ومنظمات السلم الاوروبية والعالمية المناهضة للحروب وسباق، التسلح ،تأثير فاعل في ابعاد شبح اندلاع حرب عالمية ثالثة، غير مأمونة عن أستخدام الأسلحة النووية فيها . لكن ذلك الشباب والحيوية في النضال العنيد الذي عُرفت به شعوب القارة العجوز ومناطق وبلدان عديدة من العالم بات من المفارقات، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة،أن نشهد تراجعاً كبيراً لأدوار تلك المنظمات والحركات والأحزاب، لاسيما منذ انهيار الأتحاد السوفييتي مطلع العقد الأخير من القرن الماضي، الأمر الذي فسح المجال إلى تنامي وصعود غير مسبوق للحركات والأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية . وفي الفترة من 10-13 من تشرين الثاني / نوفمبر الماضي لاح بصيص نور للتغيير نحو تعبيد الطريق لتخليص شعوب القارة من واقعها المزي المزمن، حيث انعقد بمدينة فلورنسا الإيطالية مؤتمر نظمه “المنتدى الاجتماعي الاوروبي” ؛ بهدف مواجهة التحديات الراهنة الخطيرة التي تواجهها القارة العجوز ، وفي مقدمتها الحرب الروسية الأوكرانية وما تثيره من مخاوف امتدادها على كامل الساحة الاوروبية واستخدام السلاح النووي فيها،وتفاقم أزمة المناخ عالمياً وتأثيره المباشر على اوروبا نفسها، وتعاظم أزمة انعدام المساواة الاجتماعية، وكذلك تراجع فاعلية النظم الديمقراطية الرأسمالية الديمقراطية الغربية، المعروفة بعراقتها التاريخية، في التعبير عن المشاركة الشعبية في الحكم، وهو ما عبّرت عنه منذ سنوات ظاهرة التدني الحاد في نسب المشاركين في الانتخابات البرلمانية؛ وما ذلك إلا لفقدانهم الثقة في قدرتها على التغيير . ويأتي توقيت انعقاد المؤتمر في الذكرى العشرين لانعقاد مؤتمره الأول في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2002 ،وذلك بعد عام على الاحتجاجات العارمة ضد قمة مجموعة الثمانية (مجموعة الدول الصناعية الرأسمالية الكبرى السبع +روسيا) في مدينة جنوة عام 2001 والتي قمعتها الشرطة بوحشية، ما أدى إلى جرح المئات من المشاركين فيها وأستشهادأحدهم.
وكان مؤتمر 2002 ناجحاً؛ إذ توّج ختام أعماله بتظاهرة كبرى قدّرها منظموها بمليون مشارك، فيما قدْرتها الشرطة بنصف مليون. ولم تكن حينها علاقات روسيا مع الغرب متأزمة،كما كانت في 2014 إثر ضمها جزيرة القرم، حيث قررت الدول السبع الكبرى على إثرها تعليق عضوية روسيا، وترسخ هذا الاجراء بعد إعلان روسيا حربها على أوكرانيا في شتاء العام الجاري، وهي حليفة حلف الأطلسي،والتي سمحت بتواجد قوات من دوله قرب الحدود مع روسيا ما شكل أستفزازاً للأخيرة وتهديداً لأمنها القومي.
والحال مالم تستيقظ شعوب القارة العجوز من غفوتها المديدة، وهو الأستيقاظ الذي لن يحدث بقدرة سحرية، إذ بحاجة لنضال صعب تخوضه كل القوى الاجتماعية والمدنية والسياسية في الدول الغربية الرأسمالية، من خلال أوسع أصطفاف ممكن لتقوية ضغوطاتها وتوسعة نفوذها الجماهيري ، لتوعية شعوبها بأهمية دورها المحوري في الضغط على حكوماتها وأنظمتها السياسية، وذلك من خلال أستلهام كل أشكال الأحتجاج والتظاهر الشعبي بكثافة وبحيث تقودها قوى التغيير المذكورة إلى تحررها من سطوة أنظمتها الرأسمالية التي تتحكم آلات دعاياتها الديماغوجية البارعة في عقولها،وبدون ذلك فستظل تلك القوى محجّمة كلاً منها يغرد في سربه وحده، وستظل شعوبها هي الاُخرى نتيجة لذلك أسيرة تلك الأنظمة بما يهدد مصالحها ومصير وجودها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى