في الواجهة

هكذا صودرت الحريات في الدول الليبرالية

هكذا صودرت الحريات في الدول الليبرالية

صالح مهدي عباس المنديل

هل صودرت الحريات البشرية و الأرادة الفردية و الجماعية في الدول المتطورة اقتصاديا حيث بنيت على اساس الليبرالية و الأستقلالية الفردية التي تقدس حرية الفرد و استقلاله.
مفهوم الدولة الحديثة و الحكومة بالذات بني هلى اساس الثورة البريطانية و قيام حكومة اوليڤر كرومويل و نشوء اول برلمان و تحديد سلطات الملك تلتي تبعتها معاهدة ويستفاليا 1648، اذ تسيطر الدولة على رقعة جغرافية وفيها كتلة سكانية معينه. ضمن حدود هذه الدوله يكون المواطن له حقوق و عليه بعض الألتزامات.
عرّفت الحقوق الأساسية للأنسان على الشكل الآتي:
حق الحياة بكرامة و استقلالية فردية اذ يكون الفرد رئيس نفسه و يعيش كما يشاء و يجني ثمار عمله.
حق الحرية و هي الحريات التي ذكرناها في مقال سابق.
حق الملكية الخاصة بكل اشكالها اي كل استحقاق حصل عليه كنتيجة عمله.

و بعد استقلال امريكا اضاف المشرع حق نيل السعادة في الحياة و هذا امر مثير للجدل.
اما التزامات الفرد فهي الضوابط التي سنتها القوانين حيث شرعت بواسطة ممثلي الناس المنتخبين في البرلمانات و المجالس الوطنية.
وهنا بدأت نقاط الخلاف بين المفكرين و المشرعين، و اصبحت بذلك مواجهة غير مباشرة و غير معلنة بين حقوق الفرد و حقوق المجتمع لا يمكن تقدير اهميتها ما لم ننظر بعمق الى تأثير القوانين على الحريات و الحقوق الفكرية. هنا ولدت نظرية العقد الأجتماعي مبنية على طروحات ايمانويل كانت و جون لوك و جان جاك روسو، انطلقت تلك النظرية افتراضيا من حياة الأنسان البدائي اذ يعيش حياة محفوفة بالمخاطر فلا يأمن على سلامته و يعاني من الجوع و الفقر و تفتك به الأمراض المعدية. لذا اصبح من المحتم عليه ان يعيش في جماعات. و بما ان نفس الأنسان امارة بالسوء و تتحكم به الغرائز و الأهواء و الطموحات الغير مشروعة و سعيه لكسب المزيد من المال و الشهوات و السلطة. اذن اصبح العيش في المجتمع فيه مخاطر جديدة و هي الجرائم التي يرتكبها الفرد تجاه افراد المجتمع مما جعل سن القوانين و تحديد العقوبات و ضمان الحقوق امر لا مفر منه.
بنيت الشرائع و القوانين بألهام من الديانات و بناء على افكار الفلاسفه اليونان. في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر يبدو ان الأنسان عاش مساحة من الحرية لا بأس بها.
شهد القرن العشرين تطورات سريعة و غير متوقعة ناتجة عن تقدم الطب و العلوم التي ادت الى عصر السرعة و الحربين العالميتين و السلاح النووي و الثورة المعلوماتية. و هكذا اصبح العالم مكان اكثر خطورة مما استوجب المزيد من القوانين و التنظيمات التي من شأنها تقليل خطورة الفرد على المجتمع ( الفر هو اساس المجتمع، لكن من بين الناس مجرمين و فاسدين بعتدون على الأخر و يهددون امانة و مصلحة المجتمع و لابد من رادع) مثل هذه القوانين و من شأنها ان تفرض المزيد من القيود على الناس و تحتاج الى نظام يتولى ادارتها و تنفيذها و هذا يزيد من العبيء الأقتصادي على دافع الضريبة.
بعد الحرب العالمية الثانية تعافى الاقتصاد و ازداد انتاج السلع و تحولت المجتمعات الى رفاهية استهلاك البصائع و تبعها في السبعينيات شيء من الركود ادى الى اكتشاف بطاقة التأمين( Credit Card) شجعت الناس على شراء بضائع اكثر ، و صاحبها تخفيض الفوائد و اصبح بأمكان اي يشخص شراء منزل و الأستمرار بدفع الفوائد. هنا اصبح الفرد مدمنا بشكل مزمن على الديون و بدون ارادته و المدمن هو عبد لما ادمن عليه.
و هنا بدأ عصر جديد لا يخلو من بعض اشكال العبودية المقنعة، اذ يذهب الفرد الى العمل بعد ان يستيقض مبكرا و يعمل من الثامنة صباحاً الى الخامسة مساء و بكل اشكال الخضوع لصاحب العمل و في ضروف صعبة يحصى فيه عليه انفاسه و يراقب من الآخرين و تسجل في الذاكرة كل التصرفات، و لابد عليه ان يذعن لأن هناك قرض لابد دفعه. يضاف الى ذلك ان هناك اطفال و مدارس و ماء و كهرباء و اقساط التأمين على الحياة و التأمين الصحي و تأمين البيت و السيارة و ضرائب البلدية على البيت الذي تسكن فيه و تحديد سنوي لقيادة السيارة و ربما التأمين المهني و اشكال اخرى من متطلبات الحياة اليومية، و كذلك الضرائب الي تصل الى اكثر من 50٪ في بعض الدول.
ارهقت هذه الألتزامات كاهل المواطن و أصبح مديناً لمختلف الجهات مدى الحياة. فرضت هذه الضروف طبقات فوق طبقات من القوانين لان كل تغيير يولد اشكالات تحتاج الى قوانين جديدة. احد النتائج هو ارتفاع نسبة الأمراض النفسية حيث في استراليا50٪ من الناس يعانون من القلق المزمن او الكآبة.
اصبح الأنسان مجند من اجل ان تبقى عجلة الأقصاد على الدوران و كل فرد فيها عبارة عن حلقة لها رقم لا أكثر.
هنا لابد من الوقوف على موضوع الضرائب فمن ناحية دعاة الحرية فان الفرد يكون فد اصبح وسيلة و ليس غاية و تم سوء استعمله لمدة اربعة اشهر من السنة اذا كانت الضريبة 30٪. دعاة الليبرالية يعتبرون هذا نوع من العبودية المعاصرة.
اذ اصبح التوازن بين مصلحة الفرد و مصلحة المجتمع، اما الأشتراكيين فهم دائما يميلون الى مصلحة المجتمع ولو كان ذالك على حساب حريات الفرد و حتى حقوقه و استقلاليته كأنسان له قدسية خاصة بتكوينه. اعتقد تمكن دعاة الاشتراكية و تبقى الليبرالية فكرة نبيلة و لكن صعبة المنال.
هنا لابد من الأشارة الى ان حرية التعبير و الصحافة بقيت صامدة لكن الرجل المرهق نفسياً و اقتصاديا لا يميل الى الخوض في السياسة و الفكر. اما الثورة المعلوماتية هلى كل فوائدها للفرد و المجتمع فاخذت نصيبها في انتهاك خصوصية الفرد و اسراره اليومية و جعلته عرضة للمراقبة و التنصت او حتى المتابعة و الأبتزاز بشكل غير مسبوق.

و اترك للقارىء ان يستنتج ما يراه مناسب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى