أحوال عربية

نهاية اليسار الصهيوني

العائدون لاوطانهم - نهاية اليسار الصهيوني

 
عليان الهندي
العائدون إلى أوطانهم
أكد اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين أن المجتمع الإسرائيلي غير جاهز ومستعد للسلام مع الفلسطينيين، وأن توحيد المجتمع الإسرائيلي حول رواية موحدة ومحددة، يتطلب من النخب الحاكمة في دولة الاحتلال العمل على القضاء أولا على مسيرة السلام وعلى الأمال الفلسطينية بتحقيق ذلك. وفي نفس الوقت، العمل على القضاء على النخب السياسية والاجتماعية اليسارية ،بكل مكوناتها، خاصة تلك التي نمت في حزب العمل الإسرائيلي وحركة ميرتس، التي أفرزت نخبا ومؤسسات حقوقية مختلفة، وأمنت في نفس الوقت بضرورة ايجاد دولة فلسطينية بجانب دولة إسرائيل للمحافظة على ما يسمى بيهودية الدولة.
واعتقدت النخب الحاكمة، خاصة روؤساء وزراء إسرائيل السابقين إيهود براك وأريئيل شارون وبنيامين نتنياهو، أن إخراج اليسار الصهيوني من دوائر النخب الحاكمة، لا يكفي وحده لتوحيد المجتمع الإسرائيلي، ما دفع لبدء حملة إعلامية وقضائية وقانونية وتهديدات ،ما زالت متواصلة حتى هذا اليوم، من أجل اجتثاث بقايا اليسار الصهيوني في الجامعات ومراكز الأبحاث والجمعيات الحقوقية، التي ظلت تدافع عن حقوق الإنسان الفلسطيني مثل منظمات “يكسرون الصمت وبيتسيلم وجمعية زوخروت وبمكوم والسلام الان”، ما دفع بالكثير من مسئوليها إلى ترك إسرائيل والعودة إلى أوطانهم أو إلى الغرب خاصة الولايات المتحدة الأميركية أمثال نيف غوردون وأريئيلة أزولاي وإيتان برونشتاين.
لذلك، تحاول المقالة الحالية تسليط الضوء على أسباب اختفاء هذه النخب، وتأثير ذلك على الشعب الفلسطيني، الذي لم يعد حاضرا في جدول الأعمال الإسرائيلي سوى بالقتل وسرقة أراضيه، وبالدعم الذي توفره بقايا المراكز الحقوقية الإسرائيلية، الممولة من الخارج لفضح السياسات الإسرائيلية العنصرية المعادية للشعب الفلسطيني وحقوقه الشرعية.
إنهاء الأدوار السياسية
لم ينه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود براك وهم السلام الذي عاشه الفلسطينيين بعد التوقيع على اتفاقيات أوسلو المختلفة فقط، حين صرح أنه ذاهب إلى مفاوضات كامب ديفيد الثانية، لكشف النوايا الحقيقية للمرحوم ياسر عرفات. بل أنهى معها قوى السلام المختلفة داخل المجتمع الإسرائيلي التي دعمته سياسيا، وساعدته ليصل إلى سدة الحكم، حيث اعتقدت تلك القوى أن براك هو الشخص الوحيد القادر على إعادة الحكم لليسار، ووراثة إسحاق رابين، في التوصل إلى تسوية سلمية مع الشعب الفلسطيني قائمة على حل “دولتين لشعبين”.
ولم يتوقف الأمر على توجيه الضربة القاصمة للقوى السلام المتطلعة لاتفاق مع الفلسطينيين، بل نجح ومعه كل قوى اليمين ،على مختلف مستوياتهم ومعتقداتهم، في إضعاف التوجهات الشعبية -الضعيفة أصلا- من خلال استعادة رواية “عدم وجود شريك فلسطيني” التي منحت النخب الإسرائيلية الحاكمة ممارسة كافة أنواع الإرهاب والعدوان على الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده في فلسطين التاريخية حتى هذا اليوم.
واستكمل أريئيل شارون المهمة التي بدأ بها براك، باستبعاد كلي لهذه القوى من الساحة السياسية التي مثلتها في ذلك الوقت بعض قيادات اليسار الصهيوني مثل يوسي ساريد وشولميت ألوني من حزب راتس (ميرتس حاليا)، ولوبي 17 في الكنيست الذي ضم الأعضاء المؤيدين لحل مع الفلسطينيين في حزب العمل الإسرائيلي، الذين كان من بينهم يوسي بيلين الذي اعتزل الحياة السياسية وعوزي برعام وشلومو بن عامي وأبراهام بورغ، الذي نحي من رئاسة حزب العمل بعد فوزه مباشرة في الانتخابات الداخلية للحزب لصالح بنيامين بن اليعازر ،قائد مذبحة مخيم تل الزعتر في لبنان، الذي شغل منصب وزير الدفاع في حكومة أريئيل شارون، وساهم في شق حزب العمل والانضمام مع بعض أعضاء حزب الليكود، إلى الحزب الجديد “كديما”، الذي فضل الحلول أحادية الجانب مع الفلسطينيين، التي بدأها بالانفصال عن قطاع غزة نهاية عام 2005.
وظهرت نتائج سياسات الاقصاء بوضوح في الانتخابات الإسرائيلية المتلاحقة، حين نجح حزب ميرتس في انتخابات عام 2019 بفضل أصوات العرب، في حين تراجعت قوة حزب العمل، وأصبح من الاحزاب الهامشية في إسرائيل، حيث لم ينجح الحزب في الحصول خلال أخر ثلاثة دورات انتخابية على أكثر من 7 أعضاء كنيست.
القوائم السوداء
إثر ذلك، شنت حركات ومنظمات وجمعيات يمينة متطرفة مدعومة من اليمين الصهيوني-المسيحي في الولايات المتحدة، مثل حركة “إم ترتسو” التي يترأسها متان بيلغ والجمعية الاكاديمة الإسرائيلية التي شارك في تأسيسها الدكتور إيلي بوليك ومردخاي كيدار، المدعومة من رجل الأعمال الروسي ميخائيل تشيرنوي (المقرب من وزير المالية الإسرائيلي الحالي أفيغدور ليبرمان)، هجوما على الشخصيات ذوي التوجهات اليسارية المؤيدة، العاملة في المؤسسات التربوية (جامعات وكليات ومراكز أبحاث) والثقافية والاجتماعية والفنية، بهدف منعها من إدخال السياسية إلى المؤسسات المذكورة، خاصة حل القضية الفلسطينية فق مبدأ دولتين لشعبين، ومحاربة التوجهات غير الصهيونية فيها. كما تضمن البحث، كشف هذه الشخصيات ووضعها في قوائم سوداء، باعتبارهم شخصيات أجرمت بحق اليهود بتبنيها مواقف داعمة للحل مع الفلسطينيين. وكان من بين هذه الشخصيات، ممن يحملون درجة بروفيسور مثل أورن يفتحئيل وبانيا عوز زلتسبرغر وإييار غروس. الذين اتهموا مع غيرهم من قبل حركة “إم ترتسو” بأنهم طابور خامس يحارب إسرائيل بينما تحارب هي “المخربين” ووصفوا بأنهم جواسيس يجب طردهم إلى غزة لأنهم أخطر من “المخربين” الفلسطينيين.
ولم يتوقف الأمر على البحث عن الأكاديميين فقط، فكل من وجه أو انتقد الأكاديميين من ذوي التوجهات اليمينية ألصقت به التهمة الجاهزة بأنه يساري مثل البروفيسور رفقة كرمي رئيسة جامعة بن غوريون في النقب.
على نفس السياق، تمت شيطنة كل منظمات ومؤسسات حقوق الانسان الإسرائيلية العاملة في مجال حقوق الانسان الفلسطيني، التي اتهمت جميعها بأنها منظمات لا تقل “إرهابا” عن التنظيمات الفلسطينية مثل اللجنة العامة لمناهضة التعذيب، التي تدافع عن الأشخاص الذين يتعرضون للتعذيب بما في ذلك الفلسطينيين، وجمعية تعايش العربية-اليهودية المعنية بالتعاون المشترك بين اليهود والعرب داخل دولة إسرائيل، التي يشمل نشاطها الدفاع عن حقوق الفلسطينيين الخاضعين لسلطة الاحتلال، ومركز الدفاع عن الفرد المعني بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين، وجمعية زخوروت التي تعترف بالنكبة الفلسطينية وتطالب بحق العودة لهم، ومنظمة يكسرون الصمت، التي تدون الجرائم التي ارتكبها الجنود الإسرائيليين النادمين في موقعها الاليكتروني، والذين تطوعوا لرواية ما جرى معهم خلال الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي بالضفة الغربية ومدينة القدس المحتلتين، التي اعترفت رئيسته السابقة يولي نوبك بهزيمتها ومؤسستها، أمام النخب العنصرية الحاكمة في دولة إسرائيل، في محاولتهم تغيير الرأي العام الإسرائيلي العنصري اتجاه الفلسطينيين.
ولم يكن المجال الثقافي والفني أفضل حالا، فقد تعرض الكثير من المثقفين والكتاب والفنانين اليهود مثل المؤرخ إيلان بابيه والأديب عاموس عوز والممثلة غيلا ألمغور والفنانين يهوشع سوبول وشئنان ستريت والمطربة حافة البرشتاين إلى هجمات غير مسبوقة حتى من قبل الجهات الرسمية، في مقدمتهم وزير الثقافة والرياضة السابقة ميري ريغيف، التي طرحت قانون على الكنيست يمنع تمويل أي نشاط ثقافي لا يتضمن إخلاصا لدولة إسرائيل أو إيمانا بالثقافة الصهيونية أو يمس برموز الدولة. وقد وصل بها الأمر حدا، حاولت فيه فرض غرامة على سينما تيك في تل أبيب لعرضها فيلما عن النكبة الفلسطينية.
ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل قامت سلطات الاحتلال بزرع عناصر المخابرات في صفوف منظمات حقوق الانسان وغيرها من المؤسسات، ما دفع بالكثير من العاملين فيها إلى التشكيك بولاء بعضهم ببعض، وإلى زرع عدم الثقة في صفوفهم. ما أثر على عمل هذه المؤسسات وعرقل نشاطها.
على نفس الصعيد، شنت حملة في مختلف الأوساط الرسمية إن كانت قضائية أو تشريعية بهدف الكشف عن مصادر التمويل لهذه المؤسسات، خاصة ضد الصندوق الجديد لإسرائيل ،الذي يرفض محاكمة مسئولي دولة الاحتلال في المحاكم الدولية، ويقع مقره في الولايات المتحدة وله أفرع مختلفة في دول كثيرة مثل كندا وسويسرا ولندن، ويجمع كل عام عشرات ملايين الدولارات من أثرياء اليهود من ذوي التوجهات اليسارية لتوزيعها على الجمعيات والمؤسسات المعنية بالصراع مع الفلسطينيين.
كذلك وضعت قائمة سوداء لمن اسمتهم بالكارهين انفسهم ،ضمت المئات اليهود، الذين كان منهم البروفيسور عادي أوفير وزوجته الدكتورة أريئيلة أزولاي ، التي رفضت جامعة بار إيلان في تل أبيب تثبيتها وترقيتها على مدار 11 عام بسبب مواقفها السياسية، اللذان أسسا جمعية “العام 21″، في حين رفض الزوج أوفير الخدمة العسكرية في المناطق المحتلة، والبروفيسور عنات بيلتسكي رئيسة مجلس إدارة “بيتسيلم” وزوجها إليكس بيلتسكي رئيس حملة حزب ميرتس في عدة جولات انتخابية، ودنا غولان مدير عام جمعية “يكسرون الصمت” والبروفيسور حاييم يعقوبي الذي أنشأ جمعية “بمكوم” المعنية بكسر العنصرية في التخطيط العمراني بين اليهود والفلسطينيين ويوناتان شبيرا الطيار السابق في سلاح الجو الإسرائيلي الذي بادر إلى صياغة عريضة الطيارين ضد قصف قطاع غزة، وشارك في مسارات كسر الحصار عن قطاع غزة، والبروفيسور نيف غوردون مدير عام “أطباء لحقوق الانسان” ومن نشطاء جمعية تعايش، وياعيل لرر التي شاركت حركة “بلد”، وصاحبة دار النشر “الأندلس” والدكتور يوناتان بن ارتسي ، حفيد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين، الذي سجن لمدة عامين لرفضه الخدمة في الجيش الإسرائيلي، والبروفيسور حاييم برشيت من مؤسسي حركة BDS، المطالبة بمقاطعة دولة الاحتلال، ويغيئال أرنس ابن وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشيه أرنس ومن نشطاء حركة “ميتسبين”، وساعر وروزين بشارات (فلسطينية) اللذان حاولا إقامة ساحة ترفيه وثقافة مشتركة لليهود والفلسطينيين بواسطة إنشاء “بار أنا لولو”، وغيرهم الكثير.
نتيجة للحملة المذكورة، نجحت الجهات الرسمية وشبه الرسمية، بنزع الشرعية عن هذه الشخصيات والمؤسسات، ما تسبب في فشل مهمتها الرئيسية، الداعية إلى إعادة الروح للقوى اليهودية المتطلعة للسلام مع الشعب الفلسطيني. ولم يتوقف الأمر على ذلك، فقد أصبحت هذه الشخصيات تتعرض بشكل يومي إلى تهديدات بالقتل ومضايقات في أماكن العمل والشارع، ما دفع بالكثيرين منهم إلى اختيار العودة إلى أوطانهم الأصلية، أو اختيار الغرب كمحطة عيش نهائية لهم.
روايات العائدون
بهدوء ومن دون ضجيج إعلامي أو رد فعل حكومي، وبخطوة يائسة من إمكانية إحداث أي تغيير في المجتمع الإسرائيلي، قررت عشرات الشخصيات المشهورة الذين وصفتهم وسائل الاعلام الإسرائيلية بأنهم من اليسار المتطرف العودة إلى أوطانهم الأصلية أو التوجه نحو الغرب، الذين كان من أخرهم اليهودي المولود في الأرجنتين إيتان برونشتاين وزوجته إيلينور مرزا ،من مواليد فرنسا وهي من أم يهودية وأب شركسي، اللذان أسسا قبل 20 عاما جمعية “زخوروت” لتعميق معرفة اليهود بما جرى للفلسطينيين في نكبة عام 1948، وألفا كتابا في هذا الموضوع، طالبوا خلاله بحق العودة للشعب الفلسطيني. وخلال عودتهما إلى محطتهما النهائية بروكسل، ومصطحبين طفلهما الصغير ،البالغ من العمر 4 أعوام، عبر برونشتاين عن سروره في الهرب معه خوفا من التعليم القومي المتطرف في إسرائيل.
وأضاف برونشتاين، الذي يعتبر نفسه إسرائيليا عاديا، أن بقائه في الدولة أشغله، أكثر من أصدقائه الذين لم يتحملوا وسافروا. وقال إن الناس الذين مثله شعروا بالهزيمة ولم يعودو يُأثرون في الشارع الإسرائيلي بشكل كبير. وصرح بمفاهيم عميقة أنه وغيره لا يَرَون أفقا للإصلاح والتوجه نحو السلام مع الفلسطينييين أو المساواة مع العرب في داخل الدولة. وأشار أن الكثير من الناس فهمت أن عليها العيش في مكان أخر وليس في الدولة التي تشهد جنونا.
في حين أدرك الدكتور مرسيلو سبيرسكي، أنه لا يستطيع الاستمرار بعمله الاكاديمي في إسرائيل، ما دفعه وعائلته إلى السفر لاستراليا والاستقرار هناك، حيث يشارك في حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، وهو النشاط الذي اعتبره التزاما بالنضال الفلسطيني. وما زال الدكتور، الذي يرأس اليوم دائرة العلوم السياسية والدولية وتاريخ وسياسة إسرائيل وفلسطين في أحد الجامعات الاسترالية، الذي أسس “جمعية صوت واحد للجليل” التي اهتمت بتطور القرى العربية في المنطقة، يعتقد أنه لم ينجح بالحصول على الوظيفة المناسبة له في دولة إسرائيل، ويأس من إمكانية العيش في دولة تظلم الأخرين، ما دفعه للبحث عن فرصة أخرى في دول ثانية.
على نفس المنوال سار البروفيسور نيف غوردون الضابط السابق في سلاح المظليين، الذي أصيب بجراح خطيرة، وهو الذي بدأ حياته متظاهرا بسن الـخامسة عشر عاما في حركة السلام الان، وتولى خلال الانتفاضة الأولى منصب أول مدير عام لـ “جمعية أطباء لحقوق الانسان”، وكان في الانتفاضة الثانية من دعاة رفض الخدمة في الجيش الإسرائيلي.
اشتهر غورودن عام 2009، بعد نشره مقالا في صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأميركية، أيد فيه حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، وطالب بتعريف دولة إسرائيل بأنها دولة تمييز عنصري، ما أثار انتقاد الكثيرين له، وتسبب بموجة تهديدات بالقتل، دفعته مع يأسه من إمكانية إحداث تغيير في المجتمع الإسرائيلي إلى الهجرة إلى المملكة المتحدة.
ومن هناك صرح غورودن، أن الوضع في إسرائيل يزداد تطرفا، وخلال وجودنا فيها شعرنا أن مشاركة أبناؤنا في المظاهرات أصبحت خطرة عليهم، حيث انتشرت العنصرية اليومية وأنتجت مكانا لا نستطيع العيش فيه، وبات من المستحيل الحديث بحرية عن الواقع العنصري. بالمختصر أصبحنا غير شرعيين.
الرواية الأخيرة في هذا المقال التي تستحق الذكر، هي رواية الدكتور هاجر كوتيف الناشطة في منظمة “مراقبة الحواجز” وبعض الحركات اليسارية، التي وجدت نفسها أمام وضع مزعج عندما شنت جمعية يمينية حملة عليها وعلى الجامعة التي أرادت إعادتها إلى دولة إسرائيل ضمن حملة إعادة العلماء إلى الجامعة، لتدريس مادة الفلسفة التي اختصت بها.
ونتيجة للحملة، وضعت شروط توقيع عقد العمل في الجامعة كان من بينها :التزما منها بعدم التطرق إلى المواضيع السياسية، أو الحديث في أي موضوع خارج البحث العلمي، وعدم التوقيع على أية عريضة سياسية أو المشاركة في المظاهرات. وعندما اندلع عدوان إسرائيل على قطاع غزة عام 2014، وقعت هاجر على عريضة الكترونية تطالب بالتفاوض مع حركة حماس، ألغي على أثرها بشكل كلي مفاوضات عقد تشغيلها في الجامعة. وذكرت هاجر لصحيفة هأرتس أن إلغاء عقد تشغيلها والحرب والعنف في شوارع دولة إسرائيل، والخوف من التعبير عن الرأي والعنصرية والكراهية المتفشية في صفوفنا دفعتني وزوجي إلى العودة.
إجمالا يمكن القول، أن كل الذين أجريت معهم اللقاءات يتفقون في الرأي أنهم فقدوا الأمل في التغيير السياسي بدولة إسرائيل، معتقدين أن أي تغيير في المجتمع الإسرائيلي لن يأتي من الداخل المغرق بالأيدولوجية الصهيونية، بل من الخارج بعد سلسلة من العقوبات والمقاطعة التي ستدفع إسرائيل في نهاية الأمر إلى التغيير، وربما التوصل إلى حل للصراع مع الفلسطينيين.
خلاصة
خلال الحرب العالمية الثانية، طلب من مسئول مالية الحركة الصهيونية في بولندا، أن يفتدي بعض اليهود المتدينين المتزمتين بالمال، مقابل الافراج عنهم من معتقل أوشفيتس في بولندا. فرد عليهم قائلا، وبماذا يفيد ذلك الحركة الصهيونية. المقصد هنا، أن ما انطبق على اليهود المعتقلين في ذلك الحين، ينطبق اليوم على اليسار الصهيوني الذي تعرض للتصفية خلال العقدين الماضيين، لتبني أفراده رواية وموقف ورأي، يختلفون فيه عن الرواية الإسرائيلية الصهيونية الرسمية المزورة، في كل ما يتعلق بالصراع مع الفلسطينيين، بدءا من رفضهم الحلول السلمية التي طرحت عليهم في كامب ديفيد وطابا وآنا بوليس، ما حولهم إلى المصطلح الدارج في دولة إسرائيل “عدم وجود شريك” فلسطيني يمكن التفاوض معه للتوصل إلى حل سلمي، وانتهاءا بوصمهم بالارهابيين والمخربين، وهما الصفتان المرافقتان للفلسطينيين حتى اليوم، لتبرير عملية قمعهم وقتلهم وسرقة أراضيهم وتوفير بيئة طاردة لهم خارج وطنهم التاريخي.
وأهم عبرة لنا مما حدث مع اليسار الصهيوني، هي بضرورة التخلي عن وهم السلام القائم على حل دولتين لشعبين، الذي نعيشه منذ ما يقارب من ثلاثة عقود، وعدم التسليم بجدول الأعمال الإسرائيلي القائم على العنصرية كحل مرحلي، وعلى طردنا من بلادنا كحل نهائي للقضية الفلسطينية. لذلك علينا أولا توحيد صفوفنا، والاتفاق على برنامج وطني نضالي موحد قائم على الصمود في هذه البلاد ثانيا، إلى حين توفر ظروف إقليمية ودولية تمكننا من الحصول على حقوقنا في كل فلسطين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى