رأي

نجرِي وراءَ السّرابِ

الناسُ تفتتنُ بالجمالِ الماديَّ و يهملون جمالَ الرّوحِ ، و قد أودعَ اللهُ فيَنا جمالاً يبهرُ ، جمالٌ
يأسرُ القلوبَ و الأفئدةَ، إنهُ سحرُ جمالِ الروحِ، تلكَ الروحُ التِيِ لا تفنَى معالمُهَا ، و لو
تغيرَت معالمَ الصورَ الماديةَ .
إنّنَا نظلُ نجرِي وراءَ السّرابِ ، نجرِي وراءَ معالمَ الصورَ الفانيةَ، فيأسرُنا بياضَ بشرتِنا و
سمرتِها، يأسرُنا حطامَها الفانِي ، فكم ننفقُ الأموالَ لنشترِيَ الجمالَ المسروقَ . و مع ركضِنا
نغفلُ جمالَ بياضَ القلوبِ و طيبَتها ، فنغفلَ بضاعة العفةِ و الحياءِ و الطهرِ .
و في غمارِ تلك الحياةِ المضطربةِ ، تظلَ بضاعةٌ الروح الطيبةَ بضاعةٌ كاسدةٌ، لا تغرِي
الطلابَ ، و هي سر السعادة .
انظروا لمن فقد عزيزا كيف تجيش نفسه بالبكاء، يسكنه حزن لا يفارق ، بفقد من يجب، لا
أحسبه يبكي الجسد فالجسد لا يلبث أن يستقر في موضعه ، في مكانه المخصوص؛ لكن تعلقنا
بالروح لا ينقطع، تستمر التواصل بعد بلاء الجسد ، فالأرواح كالجنود تتواصل، فالود يبقى ،
و سحر اللقاء يبقى ، و المؤانسة تبقى ، و الوفاء يبقى ، و الفضل يبقى ، و الملاطفة تبقى ، و
تبقى كل شحنة إيجابية تغدي الروح ، فيطيب المحبوب حيا و ميتا في نفوسنا .
إن سحر المادة يتلاشى ؛ لكن سحر الروح ، لا يتلاشى ، يظل يسكن ذاتنا ، لا يفارقنا جماله
، نأنس به و نسعد على مر حياتنا ، ظل نستحضر كل لحظة جميلة عشناها مع من نحب .
فكيف ننسَى سرَّ جمالِنا السّاحرِ؛ ننسى الجمال المودعُ في تلكَ المضغةِ المكرمةِ، صانعةُ
السّعادةِ الدائمةِ في الدنيَا و الآخرةِ ! .
الأستاذ حشاني زغيدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى