أخبار العالمأمن وإستراتيجيةفي الواجهة

موقع بيكين من حرب أوكرانيا

هشام جمال داوود

كانت الاحداث في كييف ومحاولة موسكو لغزو أوكرانيا هي رسالة تحذيرية واضحة بالنسبة للصينيين بخصوص اجتياح تايوان.
أوكرانيا أوقفت هجوم القوة الروسية العظمى، وكما يصفه الخبراء بأنه درس واضح لبكين بأن تايوان لن تكون نزهة بالنسبة لهم، إلى جانب ذلك فإن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة واوروبا على روسيا بسبب العمليات العسكرية في أوكرانيا هي رسالة مفادها أن الرأي العالمي مستعد للتحشد ضد الصين لعزلها إذا ما حاولت اجتياح جزيرة تايوان.
أي ان لدى بكين الآن فكرة جيدة عن ردة الفعل العالمية بخصوص تايوان.
يكشف الهجوم الروسي للصين أن تكلفة محاولة غزو تايوان من المرجح أن تكون عالية الكلفة، حتى لو كانت بدون مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة.

رغم ان الولايات المتحدة لم ترسل قواتها الى أوكرانيا، لكن لا ينبغي أن تفكر بكين في أن الموقف الأمريكي سيكون نفسه إذا هاجمت الصين تايوان، فالرئيس جو بايدن قال مرارًا وتكرارًا ومعه وزير خارجيته أنتوني بلينكين إن الصين تمثل الآن التهديد الرئيسي لسلامة النظام العالمي.
بينما لم يصدر منه أي تصريخ بخصوص أوكرانيا، علاوة على ذلك فإن قانون العلاقات بين تايوان والولايات المتحدة ينص على أنه (يجب على الولايات المتحدة ان تزود تايوان بالأسلحة الدفاعية في حال وجود أي عمل يهدد مستقبل تايوان ويعرض امنها للخطر).

لذلك فإن العلاقات الأمريكية مع تايوان ليست بالقليلة اذ صدر في ايار الماضي بيان من وزارة الخارجية الأمريكية كتبت فيه (بصفتها دولة ديمقراطية رائدة وقوة تكنولوجية، تعد تايوان شريكًا اقتصاديًا رئيسيًا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وتشترك الولايات المتحدة وتايوان في قيم متشابهة وروابط تجارية واقتصادية عميقة، والعلاقة قوية بين الشعبين وهي التي تشكل حجر الأساس لصداقتنا وهي ايضا قوة دافعة لتوسيع مشاركة الولايات المتحدة مع تايوان).

الولايات المتحدة تشجع تايوان بشكل مستمر على امتلاك المزيد من الأسلحة التي من شأنها ان تمكن الجيش التايواني لمواجهة الصين في حال قررت بكين ان تشن هجوماً على تايوان، لا ان تكون المواجهة غير متكافئة، فوفقاً لرأي المحللين ان تايوان لا تمتلك القدرة على الصمود مثل أوكرانيا الا إذا امتلك جيشها المزيد من الأسلحة، وهذا بالفعل ما قامت به أمريكا.
لذلك فإن الصين حذرة جداً في اتخاذ قرار الهجوم العسكري على تايوان ولأسباب كثيرة من بينها:

  • خسائر مادية كبيرة جداً بسبب المساعدة الامريكية لتايوان.
  • الصين أكثر اندماجاً في الاقتصاد العالمي والمجتمع الدولي من روسيا وان بكين لديها أسباب تجعلها أكثر حذرًا من العقوبات الدولية من موسكو.
  • الصين أكثر حساسية من روسيا بخصوص الاضطرابات في الاقتصاد لأن شرعية الحزب الشيوعي الصيني تعتمد على استمرار النمو الاقتصادي وسيكون من الصعب على الصين عزل اقتصادها عن العالم الخارجي.
  • الاضطرابات في الاقتصاد الصيني بسبب جائحة كورونا والأزمة الناتجة عن غلق الأسواق والمصانع وكذلك الازمة العقارية والتي تميزت بارتفاع مستويات الديون والركود في سوق العقارات، وشيخوخة السكان ستقف في طريق الحفاظ على النمو الاقتصادي للصين والذي لم تتعافى منه بشكل تام لحد الآن، فكيف اذا قررت دخول الحرب بالتزامن مع هذه المشاكل الاقتصادية؟
    هذه الاسباب استفزت الرئيس الصيني شي جين بينغ ودفعته لان ينتقد وبشدة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على روسيا في أعقاب حرب أوكرانيا واصفا العقوبات الدولية بأنها تجاوز حيث صرح في هجوم مبطّن ضد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حيث قال (لقد تجاهلوا حقوق ومصالح الدول الأخرى بينما كانوا يسعون إلى السيادة وسيصبح العالم أكثر تقلبا وعدم استقرارا إذا سمحنا لهذا الاتجاه الخطير بالاستمرار).
    ومن جانب آخر قال وزير الدفاع الصيني الجنرال (وي فنغي) يوم ١٠ حزيران ٢٠٢٢ لوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في الاجتماع الذي جمعهما في سنغافورة أن بيع الأسلحة لتايوان من شأنه ان يقوض بشكل خطير سيادة الصين ومصالحها الأمنية بسبب اعلان واشنطن في بداية حزيران بيع حزمة اسلحة وقطع غيار للسفن البحرية التايوانية بتكلفة تقدر بحوالي ١٢٠ مليون دولار ستساعد في الحفاظ على أسطول تايوان في القدرة على مواجهة التهديدات.

ومن جانبه أوضح أوستن للجنرال وي فنغي أن الولايات المتحدة لديها مخاوف كبيرة بشأن السلوكيات الأخيرة للصين وأن واشنطن تعتقد ان لدى بكين الرغبة في تغيير الوضع الراهن في تايوان.

الوضع الآن بين أمريكا والصين متشنج ومتوتر للغاية، بحيث ان الطرفين يشعر بالاستفزاز من الآخر ويتصرف وكأنه غير مكترث له، فرغم احتجاج الصين وتصعيدها في الخطاب مؤخراً والذي وصل حد التهديد، نلاحظ ان الامريكان يزيدوا من اعلان دعمهم لتايوان حيث قام فريق مكون من ستة أعضاء من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي بقيادة رئيس لجنة العلاقات الخارجية المؤثرة في مجلس الشيوخ بوب مينينديز بزيارة الى العاصمة التايوانية تايبي في نيسان ٢٠٢٢ وأجرى محادثات مع مسؤولي الدفاع هناك.
كما وقامت السناتور تامي دكوورث بزيارة الى العاصمة التايوانية في ٣١ أيار ٢٠٢٢ وهي ثاني زيارة لها خلال عام، وفي لقاء لها مع رئيسة تايوان (تساي إنغ ون) ركزت على تأكيد العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية الوثيقة بين تايبي وواشنطن، كما اكدت على دعم بلادها لأمن تايوان.
كما وأشارت دكوورث وهي برتبة مقدم سابق في الحرس الوطني للولايات المتحدة وطيار مروحية إلى الدعم القوي من قبل الحزبين لمشروع قانون كانت قد طرحته لتعزيز التعاون بين القوات المسلحة التايوانية والحرس الوطني الامريكي وان مشروع القانون هذا يحظى بتأييد كل من الديمقراطيين والجمهوريين.
الصين قالت إنها تستنكر بشدة زيارة دكوورث، وادانت في الوقت نفسه تصريحات بايدن عندما أكد على أن الولايات المتحدة ستتدخل عسكريا إذا غزت الصين تايوان وقالت بكين بأن هذه إشارة خاطئة.

ومرة أخرى قامت الصين بإرسال ثلاثين طائرة حربية صينية باتجاه الجزيرة في ٣٠أيار أي قبل يوم واحد من زيارة داكوورث ولم يتوانى وزير الدفاع لويد أوستن في ١١ حزيران عندما قدم رسائل اطمئنان لحكومة تايوان وأعلن عن دعم أمريكا لها.
ففي حديث له في حوار شانغريلا في سنغافورة في قمة الدفاع الرئيسية في آسيا، قال إن النشاط العسكري الصيني حول جزيرة تايوان المتمتعة بالحكم الذاتي يهدد بتغيير الوضع الراهن، مشيرًا إلى الزيادة المطردة في الأنشطة العسكرية الاستفزازية والمزعزعة للاستقرار بالقرب من تايوان بما في ذلك الرحلات الجوية العسكرية شبه اليومية بالقرب من الجزيرة.
وحذر قائلاً (أن سياستنا لم تتغير) وتسمح واشنطن بالعلاقات غير الرسمية والعلاقات الدفاعية مع تايبي وما زلنا نركز على حفظ السلام والاستقرار والوضع الراهن عبر مضيق تايوان لكن تحركات جمهورية الصين الشعبية تهدد بتقويض الأمن والاستقرار والازدهار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
لذلك قلنا بأن الوضع متأزم جداً بين الصين والولايات المتحدة وكل منهما ينتظر حدث معين، فاللصين تنتظر انتهاء ازمة روسيا-أوكرانيا لتنظر الى النتائج المترتبة على البلدين، وامريكا تنتظر نتائج زيارة بايدن الى الشرق الأوسط وحسم ملف الطاقة وخاصة مع السعودية وموقفها الأخير المتقارب مع روسيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى