أحوال عربيةأخبار العالم

مناعة الشعب المصري الاجتماعية

محمد السيد السّكي

هي الكيانات الاجتماعية الصغيرة والكبيرة التي تعمل كنظام دفاعي ذاتي ومكتسب يقوم بمقاومة كل الأخطار التي تهدد المجتمع وتسبب مرضه وتدهوره وربما وفاته..
أن ذلك المجتمع المتدهور المناعة لن يستطيع الاضطلاع بدوره كواحد من المنظومات البشرية الفاعلة في الحياة..
لقد أصيبت المناعة الاجتماعية في مصر بأمراض خطيرة تعمل على القضاء عليها ليصبح المجتمع بلا جنود تحميه.
ويمكن تشخيص ذلك الخلل المناعي في الآتي :
١ انحصار الوازع الديني والاخلاقي
المجتمع الرشيد يقوم على عقد اجتماعي بين افراده غير مكتوب متمثل في أعراف متجذرة داخل الدماغ الجمعي ويصوب شططها التدين ويكون الخوف من الله الذى يحاسب الناس على جورهم وانتهاكهم حقوق الغير حاضرا دائما في الضمير و يتم التنبيه عليه دائماً في دور العبادة وتتم التربية طبقاً للعرف والدين..
لقد حدث تدهوراً خطيراً وانهارت المنظومة الأخلاقية الحاكمة ولم يتبق سوي مظاهر دينية على الأشكال متجرد منها القلب.. فالناس تصلي وتسرق وتظلم ولا تحسن العمل ولا تطعم الجائع ولا تعطف على اليتيم ولا تجير المسكين..
٢ – التفسخ والتفكك الأسري
زيادة معدلات الطلاق والخرس الزوجي المنتشر والذي يتبعه عدم حوار جاد مع الاولاد وانعدام الشفافية والمصارحة وانزواء الأبناء وعدم مصارحتهم بمشاكلهم للاباء. مما يتسبب في كثير من المشكلات الاجتماعية كالعلاقات المشبوهة والزواج العرفي وآثاره السلبية على المجتمع والتي تنذر بكوارث قد تصل إلى جرائم القتل..
٣ غياب منظومة القيم الأسرية
لقد كانت الاجيال في الماضي متربية على مجموعة من القيم لا يحيد عنها احد بل انه يلقى السخط الأسري والمجتمعي اذا حدث ذلك فكان من المستحيل ان تجد أنثى في مواصلات واقفة بل ستقوم انت لها بسرعة لتجلس مكانك. وكان من المستحيل ان تتحدث الفتاة مع زميلها في التليفون مثلاً في غير الحاجة الضرورية الخاصة بالتعليم والدراسة. و كان الرجل هو الذي يقوم بشئون الأسرة و بدوره في الانفاق وكان ذو هيبة ووقار والزوجة والأبناء يحترمونه ولكن الآن انهارت تلك المنظومة القيمية..
٤ الاستخدام السيئ لتكنولوجيا الاتصالات
لقد احدثت ثورة الاتصالات نقلة نوعية في حياتنا ولها من الفضل الكثير في جعلنا نبقى على وصال باهلنا واعمالنا ولكن في الوقت نفسه فان الاستخدام السيئ لها جعلها كالشبح الذي تسرب الي حياتنا واصبح يهدد كيان الأسر.. أصبح من السهل الآن للفتاة والشاب التواصل عن طريق الموبايل بعيداً عن عيون الأسرة في حين انه في الماضي كانا يختلسا اتصالاً بالتليفون الأرضي.
كما يمثل الانترنت أداة يمكن استخدامها من قبل الشباب لمشاهدة المواقع الإباحية مع ان الانترنت وسيلة عظيمة لو احسن استخدامها كاداة للتعلم ولزيادة المعرفة وإمكانية استغلالها كوسيلة للعمل عن بعد كالتجارة الإلكترونية..
٥ السوشيال ميديا
صحيح ان مزايا وسائل التواصل الاجتماعي الافتراضية هي تقريب المسافات وتسمح بتلاقي وصداقة الناس المشتركة في الاهتمامات الا ان من عيوبها العزلة الافتراضية وانكباب المرء على العالم الافتراضي وبعده عن الأسرة والحوارات الأسرية.
٦ الحالة الاقتصادية
في زمن أصبح من الصعب للرجل أن يقوم بفتح بيت دون أن يعمل اكثر من عمل مما يجعل هناك خواءاً اسرياً لافتقاد وجود الاب في البيت الذي لا يجتمع باهله الا عند النوم. انعدام الحوار الأسرى بسبب غياب الاب اللاهث وراء لقمة العيش يجعل من السهل تفرد الأمراض العصرية الاجتماعية بافراد الأسرة الصغار ويجعلهم عرضة لبراثنها القبيحة؛ ناهيك عن عوادم تدهور الأخلاق التي باتت تخنق المجتمع بأسره وتفتك بمناعته الاجتماعية..
٧ الفن الهابط
لقد كانت الفنون تقدم لنا في السابق دراما وسينما متميزة كان لمصر السبق والريادة بهما في المحيط العربي كله. ولكن الآن أصبحت الدراما ماهي إلا مسلسلات تشجع الجريمة والبلطجة وتنقل للأجيال عادات سيئة يشعر معه المراهق ان الرجولة متمثلة في البلطجي والمدخن ومدمن المخدرات؛ ناهيك عن الأغاني الهابطة حاليا والتي ادت الي تدهور الذوق العام. كما أن السينما أصبحت تقدم أعمالا فنية حافلة بالمشاهد التي تدل على الثراء الفاحش لطبقة معينة لم تكدح وإنما حصلت على الثراء بطرق غير مشروعية كتجارة المخدرات والسلاح والآثار وغيرها مما يكون وعياَ مضللاً ويجعل الشباب يحاول التقليد..
لقد كانت في الماضي السينما تشكل الوعي وكان المسرح والغناء وعاء ثقافة ومنهل رقي ولكن في تلك الأيام تغيرت الصورة..
٨غياب الوعي
قد تجد جارك يؤذيك برفع صوت المذياع المظبوط على إذاعة القرآن الكريم وعند الاعتراض وتنبيه انه يؤذيك لأنك معك عمل وتحتاج ام ترتاح في بيتك فتجده ينهرك ويتهمك بازدراء الدين!..
٩ غياب دور المدرسة وقصور الثقافة
لقد أصبح الآن الدور التي كانت تمارس المدرسة لتربية النشء والارتقاء بوعيهم فكرياً وأخلاقياً غائباً تماماً كما لم تصبح الأنشطة في المدارس ولا قصور الثقافة لها الأثر على الأطفال والشباب..

وهذا رصد لبعض الاسباب التي ادت الي تدهور مناعة الشعب المصري الاجتماعية واصبحت تلك الاسباب بمثابة أمراض مناعية لا تطال المجتمع فقط بل وتهاجم مناعته الاجتماعية وجيشه ودرعه الذي يحافظ على صلابة المجتمع وتماسكه وعدم تزعزع اركان سلمه وأمانه..
وانه في تصوري ان العلاج يكون بمحاولة التصدي للأسباب وعلاجها بل الوقاية منها لكي يمكننا بسهولة تجاوز تلك النكبة التي أصابت المجتمع فجعلت هناك ميل الي الجريمة إذ تجد ان شابا يذبح زميلته في عز النهار وأمام الناس بسبب عدم موافقتها على الزواج منه وهذا ماكان يحدث من قبل..
زيادة معدل الانتحار بين الشباب ازداد بمعدل مقلق وزيادة نسبة الطلاق بين المتزوجين ذي الأعمار اقل من ثلاثين عاماً..
يجب إعادة دور الأسرة والمدرسة والمؤسسات الفنية والثقافية وجعلها تلعب دورها في الارتقاء بالذوق العام وجعلها تقدم تطعيماً وتحصيناً للمجتمع..
واذ أن فيروس الإيدز تكمن شراسته في كونه يهاجم جهاز المناعة فيجعل الجسد هشاً امام اي هجوم بكتيري او فيروسي لاحق وهكذا فان الأمراض الاجتماعية التي تنهش في مناعتنا الاجتماعية شرسة وغاية في الخطورة ويجب مكافحتها سريعاً..

بقلم د. محمد السيد السّكي استشاري التحاليل الطبية والكاتب والروائي المصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى