مجتمع

معـروف التــمــــــر(لفـتــــــــــــوح) .. توزيع التمر في الجنوب الجزائري

معـروف التــمــــــر(لفـتــــــــــــوح) 

صدقات التمور و الفواكه الموسمية المتليلية الشعانبية 

أولى طبعة المعاريف (الصدقات) في بدايتها لموسم غلة تمور سنة 1444هـ/2021م 

بمسجد سيدي سليمان بحضور حي العرمة بمتليلي الشعانبة ولاية غرداية بالجنوب الجزائري. 

مقدمة / 

يسعى المجتمع الجزائري عامة والمتليلي الشعانبي بولاية غرداية بالشبكة بالصحراء بالجنوب للمحافظة على كيان هوياته وأصالته وعرقاته، متمسكا بجميل السلوكيات التي تعرف بالعادات والتقاليد المتوارثة من سلف لخلف ,التي تميزه عن غيره من باقي المجتمعات ، بإعتبار أن هاته العادات والتقاليد جزء أساسي هام في حياة المجتمع, لا يتجزأ من هويته وتاريخه الثقافي وكتراث من الموروث الأصيل المتداول أبا عن جدا والمتناقل من جيل للأخر من التراث اللامادي للمنطقة من باقي ربوع الوطن، وبات في وقتنا الحاضر على الجيل الصاعد القيام بواجب إحياء هذا التراث الثمين لإفتخار به والتعريف به من جهة ولحمايته والمحافظة عليه وإصلاحه لنقله إلى أجيال المستقبل من جهة أخرى بكل صدق وأمانة بطقوسه المتنوعة.

تختلف العادات والتقاليد وطرق إحيائها والمحافظة عليها من مدينة إلى أخرى بمناظق الوطن الحبيب, تجد تنافسا كبير وإنتشار واسعا بين السكان في القيام بذلك على مدار السنين لجميع المناسبات والمواسم

ومن هاته المناطق بجهات الوطن بالجنوب الصحراوي بالشبكة خصوصا نذكر بصفة خاصة سكان متليلي الشعانبة قلعة الثوار أرض البطولات الشعبية التحريرية كما تشهد مقابرها بمدخلها، الذّين يتميزون بتمسكهم الشديد لأحياء العادات والتقاليد عبر مر السنين، والتي تضرب في عمق الأصالة لديهم لا يمكن الالإستعناء عنها ولا التفريط فيها ولا التخلي عنها، وتعكس مدى بساطتهم في الحرص الشديد التضامن و التأزر وإفستام غلة منتوجاتهم الفلاحية الموسمية من باب الجود والكرم على خطى السلف منذ امد بعيد.. 

عادات وتقاليد: 

يعتبر سكان متليلي الشعانبة إحياء العادات والتقاليد بمثابة المرآة العاكسة لمكونات مقوماتهم الشخصية والفكرية لثقافتهم الشعبية وموروثاتها المكتسبة عبر القرون التي خلت كما يشهد المؤرخون والتي يعتبرونها منبعا مشعا للافتخار و الأعتزاز بأوصولهم و شرفهم لسلفهم رحمهم الله

ويعتبر المجتمع المتليلي الشعانبي بعروشه المختلفة وقبائله المتعددة, قلعة كنوز غنية بالعادات والتقاليد والتي تمثل رمز أصالته لإمتداد جذوره في حقبة التاريخ البعيد ، يحيها بطريقته وأسلوبه في ممارستها

ومن العادات والتقاليد التي يزخر بها المجتمع المتليلي الشعانبي ويحتفل بها كل سنة مع بداية كل خريف ودخول المواسم الإجتماعية عادة المعاريف (الصدقات) عامة و معروف التمر ( الفتوح) خاصة والتي نلخصها فيما يلي: 

الحدث / 

مناسبة بداية الخريف و موسوم جني التمور و الفواكه الموسمية: 

المناسبة : معرف التمر  ( الــفــتـــوح ) 

الفتوح معروف التمر بسيدي سليمان الولي الصالح العادة الشعبية المتجذرة والمتوارثة أبا عن جد ومن جيل لجيل على مدار الأعوام.

المكان : مسجد سدس سليمان بحضور حي العرمة بمتليلي الشعانبة .  

الذي تنطلق فعاليته عشية الأثنين اليوم المبارك بمسجد سيدي سليمان بحضور حي العرمة المسمى على الولي الصالح سيدي سليمان بوسماحة (  أبي سماحة) رحمه الله وطيب تراه بحضور جمع غفير وإشراف المقدم حفظه الله ورعاه. إذ بعد المغرب يتوافد المحسنين الخيرين بحمل خيرات غلة تمورهم المتنوعة كصدقة لمنتوجهم الموسمي وخبز و فواكه فصلية, وتسليمها للقائمن على المعروف.  

وفي جو إيماني مفعم بحضور الأئمة والمشايخ وأهل القرآن وخاصيته وطلبته. يشرع بعد المغرب في قراءة السلكة قراة القرآن كاملا وبعد الختمات لكتاب الله تقدم وجبة العشاء وبعد تناولها تتواصل السهرة في جلسة ذكر صوفية على طريقة السلف من المشايخ رحمة الله عليهم . 

التقسام : التقسام هو مصلح عامي بمعنى تقسم الصدقات على الحضور سواء الفردي لكل شحص نصيبه و الكمي على الأهالي والوافدين في أكياس بحصص لعدد أفراد العائلة المتوسطة تقريبا. 

النوع : ويتكون معروف التمر الفتوح من التمور بعد أنواع يتقدمهم تمر الغرس بما يعرفى بلمنقر و أوروة و أداللة ( تدالت ) و تيمجهورت و حمراية و بنت خبالة و غيرهم , إضافة إلى الخبزل المنزلي المنتوج المحلي العائلي بما يعرف بخز الطاجين أو الكسرة و الفواكة ما تبقى من بطيخ. والمميز في الحدث وأنت اتتظر دورك للحصول على نصيبك بما يعرف بالبركة و الآحلى عندما يناديك المقسم (الموزع) بسم الله تفضل شد حقك, وانت تسلمه بكل فرح وإبتسامة و الأجمل في ذلك حينما تخبئه في كيس أو علبة و تأخذ لوالديك المسنين لمن هم على قيد الحياة و لأخل بيته و أبنائك المنتظرين حقهم في المعروف و نصيب الجبران من ليس لهم من أحد يشاركهم فرحة المعروف و نصيبهم م الصدقة.  

تعريف : معروف التمر (الفتوح ) إليكم هاته النبذة 

إفتتاح معروف التمر والخبز والغرراكه هو أولى الصدقات  

( لفتوح ) هو إفتتاح العادة السنوية التي تعرفها المدينة بداية كل خريف من السنة . 

إذ يجتمع الأهالي من مشايخ وشيوخ كبار وصغار ويلتقي الجميع غني وفقير ميسور ومعسر في حلقة بالحي المختار المتفق على اللقاء به ومنه تنطلق الصدقات في سنين خلت أما الآن فالبداية و الإنطلاقة باتت عادة ثابتة لا يختلف عليها إثنان من مسجد سيدي سليمان و تنطلق بعهدا باقي الجهات.

إذ يقوم الوافدون خاصة الفلاحين و المزارعين بإحضار حصة من فلة التمور والخبز وبعض الفواكه لمن إستطاع, كون الوقت يصادف بداية جني التمور بكل أنواعه وأصنافه وتكون هاته الحصة كصدقة جارية حسب عرف عادات وتقاليد أهالي المدينة منذ القدم وموروثهم الثقافي الإجتماعي المتداول والمحافظ عليه. . 

وكانت هاته العادة في القديم تجمع بين البدو الرحل الوافدين ضيوف على المدنية والأهالي القاطنين بالمنطقة. إذ يحل البدو من سفرهم كل خريف ببساتينهم لقطع وجني غلة التمور والتزود بالمؤنة مما يحتاجونه في مدة سفرهم وإقامتهم عند ترحالهم من مكان إلى أخر عبر الصحراء وفيافيها.

وبإستعدادهم للسفر وفي جو توديعهم يجتمعون بعمالهم وأهاليهم وسكان المنطقة من فقراء وعابري السبيل في حلقة ذكر وموعظة وتوصيات ونصائح وإرشادات. والتي توزع فيها الصدقات من الغلة على الفقراء والمساكين

ويخرج منها نصيب الوقف إلى المساجد لكي توزع على مستحقيها بمعرفتهم و التي عاصرنها في وقتنا بالسبعينات في خزائن المسجد العتيق بالقصر القديم كما يعرف بالعامية (بالباقو) قرب مسكن العم المغفور له بإذن الله نشيو محمد رحمة الله عليه. وهي عادة الهدف منها إجتماعي إقتصادي, تضامني, خيري إنساني, لأجل تفقد أحوال الناس المادية خاصة الفقراء والمحتاجين المعسرين وإنشغالاتهم و فرحة اللقاء والإجتماع بالغائبين العائدين

وبإكتمال الحلقة وتلاوة الختمات ما تسير من القرآن الكريم جماعة (قراءة الختمة بما يعرف بالسكلة على أجزاء من طرف المقرئين الحاضرين) وبعدها قرأة الأذكار التي يتغنى بها شيوخنا وأبنائنا من محبي الذكر, كل ولحنه وصيغته المحببة إليه والتي يجد راحته النفسية والجسدية فيها في جو روحاني. ورغم إنصراف الجمع إلا أن كبار الشيوخ من الكهول المسنين يبقون مستمرين في حلقات الذكر إلى ساعة متأخرة من منتصف الليل في جو روحاني مفعم بالإيمان.

وحسب كبار المنطقة ممن عايشوا تلك المواقف لهاته العادات فإنها تعود إلى سنة 1875م, حسب شهادة المعمر العم الحاج معروف كما أخبرنا به السيد بيشي عبد الحميد بن حمو ,الوقت الذي عاصروها فيه وعاشوا أيامها وأخبروا بها المواسم الماضية للحاضرين بعين المكان, والتي تواصلت وتوارثتها الأجيال أبا عن جدا، جيل بعد جيل عصر بعد عصر والتي زادته تمسك و تشبت بها وقت العسر لتفقد أحوال الناس خاصة في ظل الإحتلال الفرنسي وظروف المعيشة المعسرة يومها

والتي عاصرنا بدورنا نحن جيل الستينات والسبعينات في عدة أماكن منها بالسوق بالقصر القديم وسط المدينة- بدار سيدي مولاي عبد القادر بالواد– سيدي مولاي سليمان بحفرة سالمة – بزاوية سيدي الشيخ وغيرهم. عبر أرجاء المدينة وأحيائها.

والتي كانت لها نكهة وفرحة وبهجة خاصة في حلول الخريف وبداية تنوع التمور وتواصلها على مدار السنة من مكان إلى أخر طوال السنوات التي عاصرنها في شبابنا

وهي الذكريات التي بقيت عالقة في أذهانا خاصة ونحن نستمع إلى تلك الأصوات الصادحة بذكر الله منهم العم حسيني سيدي البغدادي – ثامر لعور – قاسمي محمد القليل -الحاج أحمد نعيوة -وغيرهم, ونحن ننتظر دورنا لإستلام نصيبنا من التمر والخبز من أيدي كل من العم عاشور الحاج مبارك – سلامات جلول بن الساسي – هينانة الحاج أمحمد بوعود- بامون الحاج عبد القادر – سي مولاي أمحمد –وباقي الشيوخ رحمة الله عليهم جميعا وطيب تراهم ونور قبرهم وأسكنهم فسيح جناتهم. 

سيدي سليمان بوسماحة (أبي سماحة) هو الولي الصالح الذي سمي به المسجد ومدرسته القرآنية قبله والتي أنشأها فضيلة الشيخ العلامة بن الديبة الحاج علي بن أمارك الشهير بالطالب علي أب المتعليم القرآني عصر زمانه رحمه الله .في جزء من غابته بستانه قبل بناء المدرسة والتحول إليها ونشأة المسجد وبداية إستغلاله سنة 1927م من القرن الماضي والذي تعاقب عليه مئات الطلبة وأبناءهم وحاليا أحفاد سلفهم رحمهم الله. 

كانت هاته نبذة عن معروف لفتوح التمر والخبر لموسم سنة 1444هـ/م2022 وإطلالة بسيطة تعريفية لطلبتنا ولباحثينا لأجل التدوين وتعمق البحوث والتدوين للحفاظ على الموروث الثقافي ألامادي وإحياء العادة والتقاليد حفظكم الله شبابنا المفدى . 

بقلم الأستاذ بامون الحاج نورالدين 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى