الحدث

معاهدات سيّدنا الأمير عبد القادر ليست خيانة

معاهدات سيّدنا الأمير عبد القادر ليست خيانة – معمر معمر

ما قاله الخائن:

قرأت صباح اليوم عبر صفحة صديقنا صلاح الدين بن نعوم وهو ينقل عن شخص رفض أن يذكر اسمه، قوله وبالحرف: “إنّ أكثر أتباع الأمير ثاروا عليه ليس عمالة لفرنسا، وإنّما بسبب الهدنة التي عقدها مع المحتلّ دون رضاهم لقد رأوها خنوعا واستسلاما!”.

للأمانة علامة التعجب (!) من وضع صاحب المقولة وليست من وضعنا، ولا وضع صديقنا.

ليست المرّة الأولى التي يردّ فيها القارىء المتتبّع على الخونة خاصّة وأنّه أفرد سلسلة للدّفاع عن سيّدنا الأمير عبد القادر بعنوان: #الذينخانواالأميرعبدالقادر لمن أراد الرّجوع إليها والاستفادة منها.

أوّلا: الإصرار على الخيانة منذ تولي المسؤولية:

بدأت الخيانة ضدّ سيّدنا الأمير عبد القادر رحمة الله، ورضوان الله عليه في اليوم الأوّل من تولي الإمارو للسّبب التّالي:

بعض شيوخ القبائل كانوا يرون أنفسهم أنّهم أحقّ به من الإمارة لمكانتهم.

وكانوا يرون أنّهم الأحقّ لكبر سنّهم، وطول تجربتهم. وسيّدنا الأمير عبد القادر -في نظرهم- شاب، وتنقصه التّجربة.

وهؤلاء ظلّوا بحاربونه طوال حياته. حتّى وهو يحارب الاستدمار الفرنسي.

جاء في كتاب “سيرة الأمير عبد القادر”: “حين بايع الجميع سيّدنا الأمير عبد القادر، رفض الأتراك وأبناءهم الذين كانوا في تلمسان مبايعته[1]”. 54

الخونة الأتراك:

رفض الخونة الأتراك أن يكون سيّدنا الأمير عبد القادر حاكما على الجزائر منذ اليوم الأوّل وقبل خوضه الحرب ضدّ المستدمر الفرنسي. لأنّه -في نظرهم- هم الحكام الأصليون ولا أحد ينافسهم في الحكم، ولا يحقّ لأيّ كان ومهما كان أن يكون الحاكم زلو كان الجزائري ابن البلد سيّدنا الأمير عبد القادر.

الخونة يحترمون سيّدنا الأمير عبد القادر لكن لا يطيعونه:

قال الكاتب: الكل يحترم الأمير والكل يرفض طاعته.

يرى الكاتب أن ثلاث قبائل فقط بايعت الأمير عبد القادر، وأن القبائل تحترم الأمير لكنها لاتطيعه. ما يساعد القارئ المتتبّع على فهم النهاية التي فرضت على الأمير عبد القادر[2].

الخونة يفكون الحصار عن المحتلّ منذ اليوم الأوّل لمبايعته:

تعرّض الأمير عبد القادر للخيانة منذ اليوم الأوّل لمبايعته من طرف بعض شيوخ القبائل وأصحاب النفوذ والمزايا الذين ساندوا المحتلّ الفرنسي منذ اليوم الأوّل، ومنحوه المؤونة التي منعها الأمير عبد القادر عن المحتلّ في وهران. ويكونون بهذا قد حطّموا الحصار الذي فرضه الأمير عبد القادر، وساهموا في تخفيف الحصار عن العدو المغتصب.[3]

خيانة الكراغلة للجزائر، ولسيّدنا الأمير عبد القادر:

قال: كان بالجزائر ثمانية آلاف تركي. وهدفهم أن تبقى تركيا غريبة عن الأرض الجزائرية، وعن روح العائلة الجزائرية. 11

قال: طالب الكراغلة من الاحتلال الفرنسي البقاء في تلمسان لحمايتهم، وحماية أملاكهم في تلمسان حين انتقل إليها الاحتلال الفرنسي لمحاصرة الأمير عبد القادر[4].

الطريقة التيجانية ترفض البيعة:

جاء في كتاب “الأمير عبد القادر”: ” كان شيخ الطريقة التيجانية يراسل المحتل الفرنسي للقضاء على الأمير، وكان يرى بأنه أحق من حكم المسلمين من الأمير عبد القادر[5]”.

الخونة يهرولون لأجل طاعة المحتلّ الكافر:

عارض الخونة من رؤساء القبائل الجزائرية الأميرعبد القادر وحاربوه وانفصلوا عنه بحجة أنه أقام معاهدات مع الكفار. وفي الخفاء كانوا يهرولون للكفار كي يكونوا بديلا عن الأميرعبد القادر، وأكثر طاعة وانصياعا، وحاربوه في سبيل طاعة الكفار. وفي الأخير أطاحت بالأمير والعبد الخائن[6].

العداوة لسيّدنا الأمير عبد القادر أوّلا:

بعض شيوخ القبائل حاربوا سيّدنا الأمير عبد القادر بشراسة، وحقد، وبغض، وحسد لينالوا المكانة لدى الاستدمار الفرنسي. ومن الشروط التي وضعها الاستدمار الفرنسي لاختيار حلفائه من الخونة هو أن يكون عدوا لسيّدنا الأمير عبد القادر.

قال الكاتب[7]: من أهداف مساعدة المحتلّ للحلفاء، والخلفاء الخونة: ترهيب، وتخويف السْكان الذين يتعاملون مع الأمير عبد القادر. 73

ثانيا: عقب إبرام المعاهدة:

بعد عقد الاتّفاقية مع الاستدمار الفرنسي رفض الخونة الأتراك المعاهدة التي أبرمت سيّدنا الأمير عبد القادر، والاستدمار الفرنسي. وراسلوا المحتلّ الفرنسي في ذلك زاعمين أنّ الوحيد الذي يحقّ له إبرام المعاهدات مع المحتلّ الفرنسي هم الأتراك. وهذءا ما رفضه المحتلّ.

الخونة الأتراك يسلّمون الحصن للمحتلّ:

عارض الخونة من رؤساء القبائل الجزائرية سيّدنا الأمير عبد القادر، وحاربوه، وانفصلوا عنه بحجة أنه أقام معاهدات مع الكفار. وفي الخفاء كانوا يهرولون للكفار لكي يكونوا بديلا عن الأمير، وأكثر طاعة وانصياعا، وحاربوه في سبيل طاعة الكفار، وانتصروا في بعض المعارك، فاستغلت فرنسا هذا الوضع، وأشعلت النيران بين الإخوة، وهددت هذا بذاك، ولم ينل رضاها أحد، وفي الأخير أطاحت بالأمير والعبد الخائن. [8]

رفض الدولة العثمانية للمعاهدة:

ظلّت الدولة العثمانية ترفض بشدّة إبرام فرنسا للمعاهدة مع سيّدنا الأمير عبد القادر. لأنّه في نظرها عربي لا يليق إبرام المعاهدات معه. وأن هذا مناف للعلاقات الوثيقة بين فرنسا والدولة العلية.

بعد إبرام المعاهدة بين فرنسا والأمير عبد القادر، كان السفير العثماني بباريس يرى أن فرنسا تعقد معاهدات مع شخص عادي. وأن الدولة العثمانية لا تعترف بالمعاهدة المبرمة بينهما.

وذكر أفندي باشا في 28 أوت 1837 للكونت موليه أن إبرام فرنسا معاهدة مع شيخ عربي مثل عبد القادر يعد عملا منافيا لعظمة فرنسا[9].

ثالثا: مايجب ذكره حول المعاهدة :

قبل الخوض في التّوقيع على المعاهدة يجب التّذكير أنّ سيّدنا الأمير عبد القادر لم يطلب من الاستدمار الفرنسي أن يعقد معه معاهدة. بل الاستدمار الفرنس هو الذي طلب ذلك وبعد ثلاث رسائل وجّهها له يطلب منه عقد معاهدة. وكان سيّدنا الأمير عبد القادر يلتزم الصّمت، ولا يجيب. وأجابهم في الرّابعة.

وتعمّد سيّدنا الأمير عبد القادر التّأخر في المجئ. ما دفع القائد الفرنسي المحتلّ أن ينتظر لوقت طويل جدّا على غير العادة. حتّى ظهر سيّدنا الأمير عبد القادر. وأثار ظهوره رعبا، وفزعا، وهيبة، وجلال، وجمال في نفس القائد الفرنسي المحتلّ، وفي الجيش الفرنسي المحتلّ.

الخيانة من وراء وضع السّلاح:

“وما يجب ذكره، أنّ سيّدنا الأمير عبد القادر، فرض عليه الاستسلام، لأنّه حوصر من طرف الجيش الفرنسي المجرم، والخونة من كلّ جهة، ولم يكن يملك حينها القوّة الكافية لمواجهة عدو فاقه عدد وعدّة، ولا طاقة له حينئذ بمواجهة العدو الفرنسي والخونة من الداخل والخارج[10]”.

لا يحق للمسلم أن يكون السّباق في طلب الصلح من كافر. و ديننا يمنعنا عن طلب الصلح ابتداء:

ظلّ الأتراك على خيانتهم للجزائر حين مالوا ميلة واحدة للمحتلّ الفرنسي وأغلقوا أسوار قلعة المشوربتلمسان في وجه الأمير وسلّموها للمحتل الفرنسي وظلّوا يتعاونون مع المحتل الفرنسي.

تكمن عظمة الأمير عبد القادر أنّه لم يكن هو البادئ في طلب معاهدة الصلح بل كانت وفي المعاهدتين بطلب وسعي وإلحاح من المحتل الفرنسي، وقد سبق للأمير عبد القادر أن أخبر الجنرال دي ميشيل حين راسله 3 مرات يطلب منه إجراء المعاهدة فيما بينهما فأجابه الأمير عبد القادر: لا يحق للمسلم أن يكون السّباق في طلب الصلح من كافر.

راسل المجرم المحتل دي ميشيل مرتين الأمير عبد القادر ولم يرد عليه إلاّ في المرّة الثالثة حين طلب منه أن يقيم معاهدة صلح معه، فردّ عليه الأمير عبد القادر كما جاء في صفحة 209: “ديننا يمنعنا عن طلب الصلح ابتداء[11]”، ما يعني أنّ الأمير عبد القادر لم يكن السّاع إلى إقامة معاهدة مع المحتل الفرنسي بل السّباق لمحاربة الاستدمار الفرنسي.

الخميس 13 رمضان 1446هـ، الموافق لـ 13 مارس 2025

الشرفة – الشلف – الجزائر

[1] “سيرة الأمير عبد القادر”، تأليف أخيه الأمير بن أحمد بن محي الدين الحسني الجزائري، مستخرج من مخطوط كتاب: تعطير الشام في محاسن تعطير دمشق الشام للشيخ جمال الدين القاسمي”، مؤسّسة الأمير عبد القادر الجزائري، 14442ه-2020، من 194 صفحة.

[2] eujene daumas “Abdelkader en Kabylie”,Belles- Lettres, Edition: 01/2012 , contient 86 pages.

[3] ABD-EL-KADER SA VIE POLITIQUE ET MILITAIRE, PAR: ALEX BELLEMARE, PARIS,FRANCE, EDITION HACHETTE, 1863, CONTIENT 475 PAGES.

[4] a.desjobert, “L’AlGÉRIE EN 1838”, paris, 1938, Contient 192 Pages.

[5] الألماني يوهان كارل بيرنت “الأمير عبد القادر”، ترجمة الأستاذ أبو العيد دودو، دار هومة، الجزائر، الطبعة 2012، من 238 صفحة.

[6] مقالنا: الأمير عبد القادر كما يراه الضابط الدنماركي – معمر حبار

الجمعة 07 محرم 1437، الموافق لـ 09 أكتوبر 2016

[7] إموند مونجان، “الأغواط في مذكرات الملازم الفرنسي إموند مونجان، 1844-1890″، ترجمة بن حرز الله بن مويزة، دار النعمان، الجزائر، الطبعة الثّانية، 1444ه-جانفي 2023، من 261 صفحة.

[8] Adolph Vilhelm Dinesen ” Abd el – Kader et les relations entre les Français et les Arabes en Afrique du Nord”, danois aux éditions, Copenhague 1840, 158 pages.

[9] الأستاذ التركي آرجمنت كوران: “السياسة العثمانية تجاه الاحتلال الفرنسي للجزائر 1830-1847″، ترجمة الأستاذ التونسي عبد الجليل تميمي، 1970، جامعة تونس، من 126 صفحة.

[10] مقالنا: سيّدنا الأمير عبد القادر، لم يستسلم طواعية، إنّما أجبر على الاستسلام – معمر حبار

الجمعة: 25 ربيع الأوّل 1444 هـ، الموافق لـ 21 أكتوبر 2022
[11] ” تحفة الزّائر في مآثر الأمير عبد القادر وأخبار الجزائر” لمحمد بن الأمير عبد القادر، الجزء الأول، دار الوعي، رويبة، الجزائر، عني به الأستاذ داوود بخاري والأستاذ رابح قادري، الطبعة الثانية، 1436 هـ – 2015، من 613 صفحة،

الشلف – الجزائر

معمر حبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى