أحوال عربيةأخبار العالم

مصر و ايران و فن تكوين أوراق الضغط

أحمد فاروق عباس

فى تكوين أوراق ضغط بالغة الأهمية ، ووضعت أمام من يريد التحدث معها أن يأخذ في اعتباره أوراق الضغط تلك ..

ومن ينظر إلى كامل رقعة الشرق الأوسط يرى بسهولة كيف تنفق إيران أموالها وكيف توزع سلاحها لشراء النفوذ السياسى ، إلى درجة تكوين شبه امبراطورية إيرانية ، سياسية وعسكرية وإعلامية ، وأصبح وجود إيران محسوساً في أغلب بلدان الشرق العربي ..

١ – ففى العراق .. لها هناك عشرات التنظيمات ، ليس أولها الحشد الشعبى وليس آخرها حركة النجباء ، وبينهم حزب الدعوة وغيره من احزاب العراق وتياراته ..

٢ – وفى سوريا .. الحكم كله هناك صديقها الأكبر والأهم فى العالم العربي ، لدرجة أنه انحاز إلي إيران في حربها مع العراق فى الثمانينات ، فعلى الرغم من أن حزب البعث العربي الاشتراكي السوري يرفع راية القومية العربية إلا أنه انحاز إلي إيران ، وعادى العراق الذى كان يحكمه هو أيضا حزب البعث العربي الاشتراكي ، وهى من ألغاز السياسة العربية المشهورة !!

٣ – وفى لبنان .. هناك حزب الله ، وهو دولة داخل الدولة فى لبنان ، وارتباطه بإيران يتعدى السياسة الخارجية الإيرانية التقليدية إلى الارتباط العقائدى – ولاية الفقيه – والارتباط بالدولة العميقة الإيرانية ( المرشد الأعلى – طبقة رجال الدين فى قم – الأذرع العسكرية القوية للنظام كالحرس الثوري وفيلق القدس )

٤ – وفى اليمن .. يملك الإيرانيون النفوذ الأكبر على حركة عبد الملك الحوثى – الحوثيين – وأموال وسلاح ودعاية الحوثيين إيرانية بالكامل !!

٥ – وفى البحرين .. تعد جمعية الوفاق الوطني وقائدها الشيخ على سلمان المعارضة أقوى المكونات القائمة فى البحرين ، وهى إيرانية الهوى ، وطالما نظرت طهران إلى البحرين كجزء منها !!
٦ – وفى فلسطين .. هناك حركة الجهاد الإسلامى ، وعلاقة رجالها الكبار مثل فتحى الشقاقى ورمضان شلح بإيران معروفة ومتواترة ، وبدرجة أقل تأتى حركة حماس ، وأرقام الدعم الايرانى السنوي لحماس تصل فى بعض التقديرات إلى ١٥٠ مليون دولار !!
٧ – وفى الكويت .. لإيران وجودها القوى للغاية داخل الطائفة الشيعية في الكويت ، وقد كان لشيعة الكويت دورهم في دعم إيران فى حربها مع العراق ضد سياسة بلدهم ..
٨ – وفى الإمارات .. تعد العمالة ورؤوس الأموال الإيرانية فى دبى وأبو ظبى من أكبر الاستثمارات الإيرانية خارج بلادها ..
والغريب – مع ذلك – أن إيران تحتل ثلاث جزر اماراتية هى طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى !!

أى أن إيران تمتلك نفوءاً هائلاً فى أغلب عواصم المشرق العربي ، ويرتكز النفوذ الإيراني على الأتى :
أ – وجود الطائفة الشيعية : وقد استطاعت إيران تحويل أجزاء مهمة من تلك الطائفة الى عقيدتها التى جاءت بها مع وصول رجال الدين الايرانيين إلى الحكم عام ١٩٧٩ ، وهو مبدأ الولى الفقية ، وهو مبدأ جديد لم يكن معروفاً في التقاليد الشيعية الدينية أو السياسية ، ويشبه إلى حد كبير في بعض جوانبه أفكار تنظيم الإخوان المسلمين عند المسلمين السنة ، ويعزو كثيرون ذلك إلى أن نشأة تيار الإسلام السياسى السنى والإسلام السياسى الشيعى واحدة ، والملهم والمعلم والمخرج واحد .. وهو المعلم والمخرج البريطانى .. وهى قصة أخرى ، طويلة وغريبة .

ب – المال الإيراني : وتنثره إيران بلا حساب على رجالها فى عموم المنطقة العربية وخارجها !!

ج – السلاح الايرانى : لا تريد إيران الاكتفاء بمجرد النفوذ السياسى أو الاعلامى ، فهى تعرف أن السلاح لديه القدرة علي الإيذاء عندما تدعو الضرورة ، ومن هنا كان أغلب – إن لم يكن كل – أذرع إيران مسلحة ، وليست فقط أجنحة سياسية أو إعلامية !!
د – الإعلام : ومن يحصى القنوات الفضائية الإيرانية الناطقة بالعربية على النايل سات يعجب من كم القنوات السياسية والدينية بل وقنوات الأطفال الموجهة إلى العالم العربي !!

.. ولكن ما علاقة كل ذلك بمصر ؟

علاقته ببساطة أن إيران استطاعت شراء القوة وشراء النفوذ – حتى لو كان ذلك تحت إشراف الغرب وتسامحه الخفى – فى حين أن مصر فرطت فى تلك القوة وذلك النفوذ ، ولم تحاول صنعه حتى ولو كان إعلامياً !!
فعلى سبيل المثال ..
إذا كانت أثيوبيا هى الدولة الأهم لمصر خلال العقدين الماضيين ، فأين النفوذ المصرى فى أثيوبيا ؟

هل لمصر نفوذ سياسى داخل الأحزاب السياسية الإثيوبية ؟

هل لمصر نفوذ اعلامى داخل أثيوبيا ؟ هل لنا قناة أو مجموعة قنوات تلفزيونية موجهه إلى الداخل الأثيوبي وبلغته ؟

هل لمصر نفوذ داخل نخبة رجال الأعمال فى أثيوبيا ؟

هل لمصر نفوذ داخل نخبة رجال العلم والجامعات في أثيوبيا ؟

هل لمصر نفوذ داخل نخبة الثقافة والآداب والفنون والنشر في أثيوبيا ؟
ولماذا لم تحاول مصر ذلك وأساليبه أصبحت معروفة ومجربة فى العالم كله ، وطبقتها دول كبرى من زمن ، وتطبقها دول متوسطة الآن !!

ليس المقصود ابداً تكوين أذرع مسلحة لمصر كما تفعل إيران ، بل يكفى النفوذ السياسى والاعلامى داخل النخب الإثيوبية ( وغيرها من البلدان ) فربما منعت مصر بذلك أموراً كثيرة قبل حدوثها ، أو حتى صعَّبتها على من يريد فعلها ..

عموما الوقت لم يفت لفعل ذلك ، وفى السياسة لا يوجد شئ إسمه أن الوقت فات لفعل شئ معين لمن يمتلك العقل والإرادة ..
هل يمكن لمصر أن تفكر فى دراسة كيفية تكوين النفوذ البريطانى والفرنسي والأمريكي والألمانى الناعم على دول العالم ، أو حتى دراسة تكوين النفوذ الإيراني أو التركى فى الشرق الأوسط ، وتكوين نسخة مصرية تتفق مع أسس سياستنا ومع أهدافنا ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى