أحوال عربيةإقتصاد

مخاطر التّبَعِيّة الغذائية العربية

 
الطاهر المعز
تختلف مشاغل الأثرياء عن مشاكل الفُقراء، فالأغنياء يتذمرون من تأثيرات “الركود التضخمي” على أسواق الأسهم وعلى الإقتصاد، والذي قد يتواصل سنة 2023، ليتسبّبَ في انخفاض عائدات السّندات، بحسب ما وَرَدَ بتقرير نشره “بنك أُوف أمريكا”، منتصف نيسان/ابريل 2022، عن احتمال استمرار الإضطرابات في سلسلة التوريد، وما ينتج عنها من ارتفاع في أسعار السلع الأساسية بوتيرة غير مَسْبُوقَة منذ أكثر من أربعة عُقُود، وأشار تقرير المصرف الأمريكي إلى السّوابق التاريخية، وإلى المُؤَشِّرات التي تَلَت ارتفاع التّضخّم وسبقت الركود، خلال أزمة سنة 2008، من ارتفاع أسعار الفائدة وضُعف الدولار، وكان الاحتياطي الفيدرالي (المصرف المركزي الأمريكي) والمصارف المركزية للدّول الغنية قد جابَهت الأزمة بتوزيع المال العام على الأثرياء، تحت عنوان “سياسة التَّيْسير الكمِّي” ما قاد الأصول المالية لارتفاعات قياسية…
أما مَشاغل الفُقراء فَتَتَعَلَّقُ بمعاناتهم من اتساع فجوة عدم المساواة ومن ارتفاع الأسعار (التضخم ) وبالأخص ارتفاع أسعار الغذاء، مع رُكُود مستوى الدّخْل أو انخفاض قيمته بفعل التّضخُّم، وهي من الأسباب التي أدّت إلى اندلاع الإنتفاضات الشّعبية بتونس بنهاية سنة 1983 و سنة 2010 ومصر سنة 1977 وسنة 2011…
تُصْدِرُ منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، منذ ثلاثة عُقُود، مؤشرا شهريا لأسعار الأغذية (أسعار الجُمْلَة في الأسواق العالمية)، يعكس تقلبات أسعار الغذاء العالمية، اعتمادًا على سعر أهم 24 سلعة زراعية متبادلة عالميا، يتم تَبْوِيبُها في خمس مجموعات رئيسية ( الحبوب والزيوت النباتية واللُّحُوم ومنتجات الألبان والسكر )، ورغم ارتفاع حجم الإنتاج الزراعي، ليتجاوَزَ حاجة سُكّان العالم، منذ سَنوات عديدة، لم تنخفض الأسعار بل ارتفعت أسعار الأغذية، خصوصًا منذ انتشار وباء “كوفيد-19″، واستمرت أسعار الغذاء في الإرتفاع بنسبة فاقت 50% خلال الرُّبع الأول من سنة 2022، وبالخُصُوص أسعار الحبوب حيث تأثّرت صادرات روسيا بالحصار الإقتصادي المفروض، فارتفع سعر طن القمح من 260 دولارا قبل الحرب إلى نحو 450 دولارا، في بداية آذار/مارس 2022، قبل أن يتراجع ويستقرّ في حدود 400 دولار للطن، وأدّى توقف صادرات الزّيُوت النباتية من البحر الأسود إلى ارتفاع أسعارها خلال شهر آذار/مارس 2022، بنسبة 23,2% وبنسبة 56% على أساس سنوي، وسجلت أسعار السلع الغذائية الأخرى ( الألبان ومشتقاتها واللحوم والسكر ) زيادات سنوية متفاوتة تراوحت بين 19% و 23,6%، بذريعة ارتفاع أسعار الطاقة، وأسعار الشّحن، وبذلك شكّلت الحرب ذريعةً إضافيةً لرَفْع أسعار الأغذية بعدما تسبب انتشار وباء كورونا – الذي لم ينتهِ- في انقطاع سلاسل التّوريد، والنتيجة، في كل الحالات، تضخم أسعار الأغذية الأساسية، خصوصًا في البُلْدان الفقيرة التي حَرّم عليها صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي، دَعْم الفَلاّحين والإنتاج الفلاحي، ودفعها إلى توريد الغذاء بالعملات الأجنبية، إلى أن أصبحت شُعُوبُها تواجه مصاعب في توفير الغذاء، مع خفض أو إلغاء دعم أسعار الخبز والزّيوت النباتية والطّاقة والأدوية…
التأثيرات المباشرة للحرب الروسية الأوكرانية:
وصلت أسعار الغذاء في الولايات المتحدة الأمريكية لمستويات غير مسبوقة مع ارتفاع أسعار لحم البقر بنسبة 16% والدواجن بنسبة 14% بحسب وكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب. – 17 نيسان/ابريل 2022)، ما أدّى إلى ارتفاع نسبة التّضخم وإلى انهيار شعبية الرئيس “جوزيف بايدن” إلى نحو 33%، “بسبب أسلوبه في التعاطي مع الحرب في أوكرانيا” بحسب تقارير صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، لِيُهْدِرَ الرئيس الأمريكي فُرَصَ حزبه في انتخابات الكونغرس النّصْفِية (تشرين الثاني/نوفمبر 2022 )، وأشعلت الولايات المتحدة حرب الطاقة مع روسيا بهدف تسويق الغاز الصّخْرِي الأمريكي نحو ألمانيا وبلدان أوروبية أخرى، وبلدان آسيا، وأورَدَتْ نشْرة “كوك بوليتيكال ريبورت” أن ارتفاع الأسعار أدّى إلى بلوغ التضخم نسبة 8,5% بنهاية شهر آذار/مارس 2022، وهي أعلى مستوياته منذ أربعين عاماً، بحسب مؤشر أسعار المستهلك الصادر يوم الثلاثاء 12 نيسان/ابريل 2022، ويدّعي أقطاب الحزب الديمقراطي الأمريكي (حزب الرئيس) أن روسيا مسؤولة عن ارتفاع الأسعار ونسبة التضخم، لتبرير توسيع حلف شمال الأطلسي لمحاصرة روسيا، ولزيادة الإنفاق العسكري لمجابهة روسيا بالوكالة، عير أوكرانيا، وعبر حث الدّول الأوروبية على مواصلة شحن الأسلحة إلى أوكرانيا، وعرقلة أي حل دبلوماسي أو تسوية سلمية، بحسب موقع “كابيتال ايكونومكس”، الذي أشار إلى الأضرار التي لحقت اقتصاد أوروبا، وحوض البحر الأبيض المتوسط، الذي يضم البلدان العربية التي يُعاني سُكّانها من خفض الإنفاق الحكومي، ومن خَفْض دعم المواد الغذائية. من جهة أُخْرى استغلّت الشركات الرّأسمالية الإحتكارية فُرْصَةَ الحرب لزيادة أسعار المواد الغذائية المُنْتَجَة مَحَلِّيًّا، بل أن دُوَل الإتحاد الأوروبي وأمريكا الشمالية من كبار مُصَدِّرِي المواد الغذائية، وخاصة الحُبُوب، وتتلاعب الشركات الرّأسمالية الإحتكارية بحجم السّلع التي تطرَحُها في الأسواق للمُحافَظَة على الأسعار المُرْتَفِعَة، التي يتمُّ “تَعْدِيلُها” على مُستوى عالمي.
كانت أسعار السلع الغذائية مُرتفعة لِعِدّة أشْهُرٍ قبل الحرب، وشكّلت الحَرْبُ عاملاً إضافيا، لارتفاع أسعار الغذاء العالمية، بعد توقف الصادرات من روسيا وأوكرانيا، وانخفاض الإمدادات، وبذلت الولايات المتحدة ما في وسعها لتمديد أمَد الحرب، فكانت شُعُوب الدّول “النّاشِئَة” (أي الفقيرة) أول وأكبَرَ مُتضَرِّرٍ، إلى جانب كادحي وفُقَراء الدّول الرأسمالية المتطورة…
تعتمد البُلدان العربية على واردات الحبوب والبُذُور من روسيا وأوكرانيا، كما تعتمد عليها دول آسيا وأفريقيا وأوروبا الوسطى، بدرجة أقل، أما بلدان أمريكا الجنوبية فهي أقل اعتمادًا على التوريد منهما، وتمثل الواردات الروسية والأوكرانية من الحبوب والبذور النباتية نسبةً تتراوح بين 20% و30% من إمدادات القمح المَحَلِّيَّة في تركيا وإندونيسيا وأجزاء من أفريقيا، ونسبة تراوح بين 40% و50% في كل من مصر والإمارات وتونس، وتمثل واردات بذور زيت عباد الشمس 30% من الإمدادات المحلية في تركيا وبولندا والصين وكوريا، و60% في البلدان العربية وأكثر من 70% في تونس والهند وماليزيا، وتستورد كل من تركيا وبولندا معظم حاجاتهما من فول الصويا من أوكرانيا وروسيا، فيما تعتمد عليهما تونس لاستيراد الذّرّة، والإمارات لاستيراد منتجات الكاكاو…
يُتوقّع أن تستغل بعض دول أوروبا الوسطى والهند وأستراليا والأرجنتين فُرصَةَ الحرب، وحَظْرِ بعض البلدان تصدير هذه الحبوب والمنتجات الزراعية، “لحماية الإمدادات المحلية”، لزيادة أسعار صادراتها من القمح نحو البُلدان الفقيرة التي لم تُخَطِّطْ لتأمين إمداداتها الغذائية، ما قد يؤدي إلى وصول أسعار الغذاء إلى أعلى مستوياتها، وارتفاعها بشكل كبير في البلدان العربية، كمصر وتونس والجزائر، وما يزيد من مُعاناة الفُقراء الذين يُخصّصون حصة كبيرة من دخلهم الهزيل للحبوب والزيوت، خصوصًا بمناسبة شهر رمضان، حيث ارتفع مُتَوسّط تكاليف الأغذية عالميا بأكثر من 50% منذ منتصف سنة 2020، وأشار موقع “بلومبيرغ” (14 نيسان/ابريل 2022) إلى أن الحكومات في مصر والمغرب وتونس، التي تُعاني من الجفاف منذ سنوات، وتضم أعدادا كبيرة من السكان في المناطق الحضرية، تُحاول تَجَنُّبَ الغضب الشعبي، من خلال الحفاظ على دعم الغذاء والوقود، رغم أوامر صندوق النّقد الدّولي والبنك العالمي، وكان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة قَدْ حَذَّرَ من “نقطة الإنهيار” التي بلغتها قدرة مواطني العديد من البلدان (منها البلدان العربية) على التّحَمُّل، بحسب وكالة “بلومبيرغ” (14 نيسان/ابريل 2022)، حيث انخفضت قيمة الجُنَيْه المصري (على سبيل المثال) بنسبة 15% منذ الرابع والعشرين من شباط/فبراير 2022، تاريخ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، وبحلول أوائل مارس/آذار 2022، أدت الحرب إلى ارتفاع أسعار طَحِين (دقيق) القمح بنسبة 19% والزيوت النباتية بنسبة 10%، بحسب بيانات الحكومة المصرية، في بلد يبلغ فيه متوسط دخل الأسرة حوالي 5 آلاف جنيه (نحو 272 دولارا) شهريا، يتم إنفاق حوالي 31% منه على الغذاء، وفقا لوكالة الإحصاء الحكومية، بحسب موقع وكالة “بلومبيرغ” الذي أفاد أن الوضع في تونس أسوأ من مصر، بسبب الإرتفاع المُشِطّ، وغير المُبَرّر لأسعار الإنتاج المحلي كالبَيْض والمُخلّلات والخُضروات التي يزيد استهلاكها خلال شهر رمضان، على سبيل المثال، ولم تتمكن حكومة تونس من الحُصُول على قَرْض بنحو أربعة مليارات دولارا من صندوق النقد الدولي الذي يتخوف من خطر تخلف تونس عن سداد ديونها… أما في المغرب فقد أعلن محافظ المصرف المركزي أن البلاد تُواجِهُ وضعًا غير مسبوق، فمن المتوقع أن ينخفض النمو إلى 0,7% سنة 2022، وترتفعَ نسبة التضخم إلى 4,7%، وقد تلجأ الحكومة إلى البحث عن خط سيولة ائتماني من صندوق النقد الدولي، وكما في تونس ومصر، تتخوف حكومة المغرب من انفجار الغضب الشعبي بسبب ارتفاع الأسعار…
دُرُوس الإنتفاضات العربية
كان الفقر والبطالة وقَمْع الحريات وارتفاع أسعار السّلع والخَدَمات الأساسية من أسباب انتفاضة الفُقراء والمُعَطَّلِين عن العمل والكادحين في تونس ومصر والسُّودان والمغرب واليمن والأردن وغيرها، حيث ارتفع مؤشر أسعار الغذاء لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة من 106,7 نقطة سنة 2010 إلى 131,9 نقطة سنة 2011، وبعد أكثر من عقد، عادت أسعار الغذاء للإرتفاع، على مُستوى عالمي، بل وصلت إلى أعلى مستوى لها، منذ ستين سنة، أي منذ بدء إطلاق المُتابَعة الشّهْرِيّة لمنظمة الأغذية والزراعة، لقياس مُؤَشِّر الأسعار العالمية لخمس مجموعات غذائية (الحبوب واللحوم والسُّكّر والزّيوت النباتية والألبان ومُشتقاتها) في الأسواق الدّولية (وليس أسعار البيع للمُسْتَهْلِكين بالتجزئة )، ويُهدّد ارتفاعُ الأسعارِ الأمنَ الغذائيَّ لمواطني البلدان الفقيرة وفُقراء العالم، فيما يتخَوّف الدّائنون والحُكُومات والرّأسماليون من عدم الاستقرار السياسي، كما حصل، خلال شهر نيسان/ابريل 2022، في باكستان وسريلانكا وبيرو، وغيرها، بعد أن ارتفعت أسعار الفحم والغاز، وأسعار النفط العالمية بنسبة 60% خلال عام واحد تقريبًا، بالإضافة إلى استمرار الجفاف في البلدان العربية وفي إفريقيا، وتباطؤ النمو وانخفاض قيمة العُملات المَحَلِّيّة، وارتفاع حجم الدَّيْن العام، ومن المتوقّع أن يزدادَ الوضع سوءًا خلال بقية أشْهُر السّنة الحالية 2022، حيث يتهدّد العجز عن تسديد الدّيُون نحو 60% من البُلدان الفقيرة، بحسب موقع البنك العالمي (الإثنين 11 نيسان/ابريل 2022) في ظل نقص الغذاء وارتفاع الأسعار ونسبة التضخم…
أكدت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو” أن ارتفاع المعيار القياسي لأسعار الأغذية العالمية إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، يُهَدّدُ الأمن الغذائي العالمي على أمَدٍ طويل، وخاصة في الوطن العربي، حيث ارتفعت معدّلات الفقر، وزيادة انتشار الجوع بنسبة 91,1 % منذ العام 2000، أي خلال عِقْدَيْن، فالدّول العربية من أكبر مستوردي الغذاء في العالم، وتستورد نحو 63,5% من احتياجاتها من القمح و75% من الذرة ( المُستخدمة كأعلاف الحيوانات لإنتاج اللحوم الحمراء ولحم الدواجن) و55% من حاجتها إلى الأرز ومن الزيوت النباتية، و65% من السكر، بحسب تقرير “أوضاع الأمن الغذائي العربي”، الصادر عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية، وبلغت قيمة وارداتها من الأغذية نحو مائة مليار دولار سنوياً (بالعملات الأجنبية)، وفق تقرير قطاع الشؤون الاقتصادية بجامعة الدول العربية في أيار/مايو 2020.
لم تهتم أنظمة الدّول العربية بالاستثمار في قطاع الفلاحة والبحث العلمي، وبدعم المزارعين، واعتمدت على استيراد الغذاء من الخارج، بدل الإنفاق في تأمين إنتاج الإحتياجات الغذائية للمواطنين الذين يتذمرون خلال شهر رمضان الحالي (نيسان/ابريل 2022) من الإرتفاعات غير المسبوقة، في أسعار السلع الغذائية، واختفاء سلع اعتادت الأُسَرُ على استهلاكها خلال شهر رمضان، كالخُبز والتّمور والزيوت النباتية والأرز والعجين والحليب والبَيْض، والخُضار والفَواكه، أما عن اللّحوم فحَدِّثْ ولا حَرَج، خصوصًا في تونس ومصر والسّودان ولبنان وسوريا واليمن، بحسب وسائل الإعلام العربية التي أوجزتها وكالة “رويترز” (17 نيسان/ابريل 2022)، ونشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تقريرًا بنهاية شهر آذار/مارس 2022 (قبل بداية شهر رمضان)، عن اقتصاد المغرب العربي، حيث يُعاني المغرب الأقْصَى من الجفاف، وعجزت حكومة تونس عن توفير ثمن واردات القمح “حتى قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية”، بينما يُعاني المواطنون من ارتفاع أسعار الطحين والزيت والسكر، وغير ذلك من المواد الغذائية الأساسية، ما يُهدّد “بحدوث اضطرابات اجتماعية” وفقَ تقرير “نيويورك تايمز”، عن “رمضان والأسعار في المنطقة العربية”.
المُتضررون:
أدّت زيادة أسعار الغذاء على مستوى عالمي إلى أزمة غذاء وإلى ارتفاع عدد من يُعانون من الجوع بنحو 280 مليون شخص حول العالم، وسط مخاوف من اتّساع حجم المجاعة بسبب حرب أوكرانيا، وحَذّرت وكالات الأمم المتحدة من أزمة غذاء “ستكون مأساوية للجميع”، بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، مع انخفاض التمويل.، وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة (الخميس 14 نيسان/ابريل 2022) “إن الدول الفقيرة ستواجه ثلاثية مدمرة ستَضُرُّ بالفُقراء، بسبب هشاشة اقتصاد بعض الدّول، وبسبب التبعات الاقتصادية الناجمة عن الحرب”، وقَدَّرَ الأمين العام للأمم المتحدة أن قرابة ستمائة مليون شخص إضافي أصبحوا فُقراء، وأن حوالي 1,7 مليار شخص يُعانون من انخفاض الدّخل (أو انعدامه) ومن شُحّ الغذاء والطاقة، مما يرفع نِسَبَ الفقر والجوع، وأعرب مدير برنامج الأغذية العالمي، عن قلقه إزاء تراكم أزمات المناخ والصحة علاوة على أزمة أوكرانيا، بسبب التحاق 280 مليون شخص حول العالم بمكن كانوا على شفير مجاعة، ما يُحتّم (بحسب تصريحاته) “دَعْمَ الفئات الضعيفة من السكان، لأن أي مجاعة قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي”، وحذرت منظمة “أوكسفام” البريطانية من أن ارتفاع أسعار الغذاء سوف يؤدي إلى زيادة عدد من يُعانون من الفَقْر المدقع بأكثر من 263 مليون شخص إضافي، سنة 2022، لأن عددا كبيرا من الحكومات على وشك التخلف عن سداد ديونها وسوف تضطر إلى خفض الإنفاق العام لتخصيص مبالغ عالية لدفع حِصص الدُّيون ولاستيراد الغذاء والوقود، ويتضرر مواطنو البلدان الفقيرة أكثر من غيرهم من ارتفاع أسعار الغذاء، لأن تكاليف الغذاء تُمثل 17% من إنفاق المستهلكين في البلدان الغنية، فيما ترتفع إلى نحو 40% في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وطالبت “أوكسفام” بإلغاء ديون الدول الفقيرة، واهتمام حكومات هذه البلدان بفرض ضرائب تصاعدية على الفئات الأكثر ثراء، من أجل توفير الأموال لحماية الفئات الأكثر ضعفا، ولتتمكن من الاستثمار في شبكات الأمان الاجتماعي، وتُقدّر “أوكسفام” أن إلغاء الديون، يؤدّي إلى توفير أكثر من ثلاثين مليار دولار سنة 2022 … أما برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، فقد أعلن حاجته إلى 16 مليار دولار إضافية لإطعام 137 مليون شخص خلال الأشهر المتبقية من سنة 2022…
لا يُتوقع انخفاض أسعار الغذاء، بل يُتوقَّعُ أن يَسْتَمِرَّ الارتفاع خلال السنة القادمة، 2023، لأن عملية إنتاج الغذاء تستغرق حوالي سنة أشهر في المتوسّط، كما لا توجد مؤشرات عالمية على انتهاء موجة ارتفاع الأسعار وعلى تعافي الإقتصاد العالمي من تأثير الأزمات، بل تدفع الولايات المتحدة حلفاءها في أوروبا وحلف شمال الأطلسي نحو مزيد من التّصادم مع مُنافسيها (الصين وروسيا) ونحو إشعال أو إدامة الحُرُوب، ما يُؤَدِّي إلى ارتفاع أسعار الغذاء حول العالم وإلى تفاقم أزمة الجوع، خصوصًا في إفريقيا، حيث يتهدّد الجُوع وسوء التّغذية 38,3 مليون شخص هذا العام (2022)، بحسب برنامج الغذاء العالمي…
ما العمل؟
تُقدّر المساحة الإجمالية للدول العربية بما يُعادل 10,2% من إجمالي المساحة العالمية، وتُقَدَّرُ مساحة الأراضي العربية الصالحة للزراعة بنحو 14% من المساحة الإجمالية للدول العربية، ولا تتجاوز النسبة المُستغَلّة منها 5% ما يُبيّن حجم الفجوة بين الأراضي الزراعية العربية القابلة للزراعة والأراضي المزروعة بالفعل، كما أظْهرت الأحداث التاريخية، وآخرها الحرب الروسية الأوكرانية، أن الوطن العربي من بين المناطق الأكثر تأثّراً بارتفاع أسعار الحبوب والمواد الغذائية، بسبب اعتماد الدّول العربية على توريد معظم احتياجاتها من الخارج، بالعملات الأجنبية، وحاليا، تستورد الدّول العربية الغذاء، ولا سيما الحبوب، من أوكرانيا وروسيا، ومن بلدان أخرى، وتستورد بعض الدول العربية أكثر من نصف حاجاتها من القمح.
تُظهر بيانات البنك العالمي أن 10,7% من أراضي السودان قابلة للزراعة، ونسبة 16,8% من أراضي تونس والمغرب، ونسبة 3,2% من أراضي الجزائر، ونسبة 2,9% من أراضي مصر، وتصل النسبة إلى 35,4% من إجمالي الأراضي السورية، و11,5% في العراق ، و2,1% في اليمن، وتختلف قدرات الدول العربية، فبعضها تضم مساحات شاسعة قابلة للزراعة وغير مستغلة، بسبب ضعف الإمكانات المادية أو بسبب سوء التخطيط وبسبب نقص الكفاءات والخبرات بجانب دول لديها الخبرات، فيما تمتلك دول أخرى المال ولكن أراضيها قاحلة وتَقِل بها المساحات القابلة للزراعة، ما يُحَتّم حل هذا التناقض لصالح الشُّعُوب العربية…
لا يُمكن حل المسألة الزراعية على مدى قصير، ولا في كل بلد على حدة، بل يمكن إرساء منظومة تكامل غذائي عربي، لزيادة إنتاج الزراعات الأساسية، وتبادل الإنتاج، لتحقيق الأمن الغذائي العربي من الإنتاج المَحَلِّي، كخطوة نحو تحقيق السيادة الغذائية، ويُعتبر السودان “سلّة غذاء الوطن العربي” لأنه يضم مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية الخصبة، وموارد مائية وثروة حيوانية هامة، وما إلى ذلك، لكنه بلد غير مُستقر، بفعل التدخلات الأجنبية، وبفعل النظام الحاكم، الذي انتهى إلى التّطبيع مع الكيان الصّهيوني بعد انتفاضة شعبية، التفّ عليها الجيش والفئات الرجعية والكمبرادورية، كما تَضُمُّ سوريا والعراق مناطق زراعية خصبة، لكن الأولى تُعاني حرباً عدوانية منذ أكثر من عشر سنوات والثانية مُحتلة منذ عشرين سنة، بعد حصار دام 12 سنة…
يتطلّب تحقيق السيادة الغذائية العربية إعادة النّظر في مِلْكيّة الأراضي الزراعية، ويتطلّب استغلالاً مُشتركًا للموارد الطبيعية، وتمويلاً مُشتركًا لاستغلال الأراضي الزراعية والثروة الحيوانية، وتحفيز ودعم الفلاحين من أجل إنتاج ما نحتاجه من حبوب ولحوم وزيوت ومشتقات الألبان ومن الإنتاج البحري، مع تنسيق التّسويق ونوزيع الإنتاج، ومع احترام البيئة والمُحيط، فالفلاحة المُستَدامة تُساهم في حل مشاكل الفقر والبطالة والحدّ من العجز التّجاري ومن عجز ميزانية الدّول…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى