أحوال عربية

مجلس الأمن مصاب بالحول

ضرغام الدباغ
نعلم ويعلم الجميع أن مجلس الأمن مكتب (لا أريد أن أحط من قدره أكثر مما هو منحط فعلاً) تديره وزارة الخارجية الأمريكية بقيادة ساع بريد لا أكثر. ولكن الأمريكان أبقوا لهذا المكتب (الأمم المتحدة ومجلس الأمن) بعض الأعتبار… قلنا بعض وليس كثير من الاعتبار…. حتى الاحتلال الأمريكي للعراق الذي لم تفلح الولايات المتحدة استصدار قرار يشرعن عدوانها بسبب الموقف الروسي والصيني والفرنسي المتميز آنذاك.
ولكن في عصرنا الحالي الذي يتميز بتداخل، وصعود قوى وهبوط أخرى، عصر أختلط فيه الحابل بالنابل، عصر أشتد فيه الضباب على مسرح السياسة الدولية، وأعاصير ورياح يصعب حتى لأقوى الدول الصمود حيالها، فما بالك ببرتغالي دبلوماسي تأكدت الولايات المتحدة من قدراته في ذروة تألقها أن تأتي به كأمين عام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريس). ولكن مع ذلك ما نراه من تخبط لا يغتفر حتى لدبلوماسي مبتدئ …كيف …!
خلال أيام قليلة نحو شهر ونصف فقط … يصدر عن مجلس الأمن كمؤسسة تابعة للأمم المتحدة، ومن الأمين العام نفسه، ما يحمل حتى مالك الحزين على الضحك …. سوف أذكر هنا أكثر المواقف المثيرة للضحك والهزل …وكما يقول المثل العربي : ” لقد هزلت حتى سامها كل جاهل ..! ”
1ــ بعد عشرين عاماً من احتلال جائر استطال حتى بلغ عشرين عاماً كاملة لأفغانستان، شهدنا فيه كافة أنواع الخروقات لحقوق الإنسان، وامتهان للإنسانية والبشرية، لم يكلف الأمين العام نفسه لينصح (مجرد نصيحة مهذبة)، الغزاة المعتدين، بأن خففوا قليلاً من غلواءكم .. فأنتم دول تدعون التحضر والديمقراطية وحقوق الإنسان، وما تفعلونه لا يليق حتى بأكلة لحوم البشر .. ولكنه في اليوم الثاني لتحرير كابل، يصرح الأمين العام، أنه يخشى على الفتيات الافغانيات من الحجاب الإجباري … بالله عليكم ألا يضحك هذا ..!
2ــ بعد أيام من الأنتخابات العراقية التي قيل أن نسبة المشاركة لم تزد على 14%، وبالغ أحدهم وقال 18% ولم تزد في أفضل الأحوال عن 20%، ، يهنئ مجلس الأمن بطريقة مبتذلة الشعب العراقي على الانتخابات الديمقراطية … كذا .. ولا يكلف الأمين العام نفسه ليصحو من سباته ويسأل لماذا إذن يشهد العراق نسبا قياسية دولية في تنفيذ الإعدام في محاكمات وفق قوانين الغابة .. ولماذا بلد يهجره الملايين من سكانه ..
3ــ يعقد مجلس الأمن جلسات من أجل مناقشة حركة تصحيح في السودان، رغم أنه لم يقتل فيه نفر واحد، ولكنه يغضب ويساير الغرب في الاحتجاج على محاكمة أنقلاب الفاشل في تركيا قتل فيه 250 فرداً من الشعب وقصف البرلمان وجموع من الشعب …..!
الجرائم من حول الأمين العام وتحت مرمى بصره، ولكنه لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم إلا بأوامر … ولا يستخدم حواسه إلا حين يطلب منه … ومجلس الأمن هو إدارة للعالم بيد خمسة قوى، يفعل وبتحرك كما تراه وتعتقد، أما ما تعانيه شعوب الأرض من ألام وأوجاع، فهذا لا يهم … لعمري أن هذا أسوء من عصبة الأمم ومن عصر الاستعمار بمراحل عديدة .. فالعدوان على العراق كان خلافا لإرادة العالم تم أمام أنظار العالم ومزق بلد أمام أنظار العالم دون مبرر ولو تافه، وحدثت جرائم فظيعة وما تزال تداعياتها، والعدوان على أفغانستان تم بموافقة مجلس الأمن تنفيذا لإرادة أمريكية، دون أن يعرض له سبب ونتيجة، ومجلس الأمن في نقاهة، ولكنه ينفعل ويحتد لحركة في السودان … خارج الإرادة الأمريكية …. يا لها من مسخرة …!
الغرب الرأسمالي لم يعد بوسعه تسويق شعاراته الكاذبة في الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي آخر ما تبقى له ترويجها، وعلى الغرب أن يبحث عن أشكال وسياقات جديدة، وتغير الوجوه الكالحة وأظن أن ذلك سيتم وشيكاً، فقد أحترق مسرح الكراكوزات وافتضح أمر المهرجين .. ولكنهم بصرون على الأدوار الرديئة …!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى