في الواجهة

متى تتوقف فظائع إطلاق النار بأمريكا؟

*مصطفى قطبي
باتت فوضى حمل السلاح في الولايات المتحدة الأمريكية ثقافة راسخة، حيث تشهد كل يوم تقريباً
حوادث إطلاق نار… وفي ظل الانتشار غير المسبوق وغير المنضبط للأسلحة النارية في المدن
الأميركية، قُتل 5 أشخاص برصاص مسلّح أطلق النار، صباح الاثنين 10/04/2023، في لويفيل
بولاية كنتاكي، في وسط شرق الولايات المتّحدة، بحسب ما أعلنت شرطة المدينة.
قبل الذهاب إلى التحليل، لابد أن نؤكد أنّ الأخبار التي تتداولها وسائل الإعلام عن وقوع حوادث إطلاق
نار في الولايات المتحدة لا تعتبر مستغربة أو جديدة، فهي تعتبر من أحد السمات البارزة للمجتمع
الأمريكي باعتبار حق حيازة السلاح حرية فردية وميزة للديمقراطية الأمريكية، إلا أن تواتر وقوع مثل
هذه الحوادث التي يستفيق عليها الأمريكيون بشكل شبه يومي تسارع منذ العام الماضي، وفق ما كشفته
بيانات رسمية، فقد سجلت أعمال العنف المسلح وحوادث إطلاق النار في الولايات المتحدة ارتفاعاً
خطيراً. فمنذ مطلع العام الحالي وقع أكثر من 130 حادث إطلاق نار جماعي في جميع أنحاء الولايات
المتحدة هذا العام، وتظهر الأرقام من منظمة ”أرشيف العنف المسلح” وهي قاعدة بيانات بحثية غير
ربحية أن عدد عمليات إطلاق النار الجماعية قد ارتفع بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث كان هناك
خلال السنوات الثلاث الماضية أكثر من 600 حادث إطلاق نار جماعي قتل أو أصيب فيه أكثر من أربعة
أشخاص بمتوسط مرتين في اليوم.
عندما نغوص عميقاً في الإحصاءات، فإننا نكاد نختنق من الأرقام الصادمة التي هي نتيجة وسبب لثقافة
الانحلال والانفلات الأخلاقي التي لا يزال تروج لها أمريكا والغرب تحت مسميات وعناوين مختلفة، منها
على سبيل المثال لا الحصر (الليبرالية الحديثة) التي تعد الأخطر في أهدافها ومفاهيمها وغاياتها
التخريبية. فهل يعلم أولئك الذين يصفقون لتلك المفاهيم الأمريكية الغريبة عن مجتمعاتنا تحت عنوان
(التحضر والحضارة) أن هناك واحدة من أصل ثلاث نساء في أمريكا وحدها تعاني العنف الجسدي أو
الجنسي، وأن ثلاث نساء تقتل يومياً بسبب العنف المنزلي وأن هناك (24) مليون امرأة تمارس البغاء،
وأن هناك (8) جرائم قتل كل (19) دقيقة، و(2) جرائم اغتصاب كل (7) دقائق، و(3) حالات سطو
مسلح كل (59) ثانية، وهناك (257) ألف طفل يتم إجهاضهم، وهناك (21) مليون طفل يولدون بشكل
غير شرعي أي لا يعرفون آباءهم، وكل ما سبق يجري تحت رعاية الأيدلوجيات الغربية التي يصدرونها
إلى مجتمعاتنا رغماً عنا. وهناك (32) ولاية أمريكية من أصل خمسين ولاية تعترف قانونياً بزواج
المثليين جنسياً، حيث تضاعفت أعداد المثليين لتصل إلى (33 في المائة) من أفراد المجتمع بعد تبني
النموذج النيوليبرالي. مسؤولة الأمن القومي السابقة بوزارة العدل الأميركية ماري ماكورد، صرحت في
آب 2019 أن ما تشهده الولايات المتحدة من عنف مسلح يمثل ”مشكلة أخلاقية”.
وللأسف، فالعلاقة الفريدة التي تجمع الولايات المتحدة بحيازة الأسلحة، سخرها الدستور الأمريكي ذاته
حيث انتشرت ثقافة حق الفرد في حيازة سلاح ناري برعاية القانون كإحدى مفرزات الليبرالية الحديثة
التي تعطي الفرد حرية منفلتة من أي ضوابط والتي تهدد المجتمع الأمريكي والأسرة ولا سيما في ظل
انتشار أعمال العنف والانتحار وجرائم القتل الجماعي. في الولايات المتحدة يمتلك الأمريكيون بين 300
و350 مليون قطعة سلاح فردي للدفاع عن النفس، وهذا ما يجعل من الولايات المتحدة إحدى أكثر دول
العالم خطورة من حيث انتشار الجرائم وأعمال العنف المختلفة، وأكثر من ذلك، لم توفر موجة إطلاق
النار الشباب والأطفال حتى في جميع أنحاء الولايات الأمريكية، فقد أودى إطلاق النار بحياة نحو 300
طفل في عام 2020، وفي سياق متصل، ذكرت منظمة البحث “Gun Violence Archive” في

الولايات المتحدة أنّ حوادث إطلاق النار عام 2022 حصدت أرواح أكثر من 43.6 ألف شخص، وأصيب
أكثر من 37.9 ألف شخص.
لقد تعالت الأصوات الأمريكية المندّدة بتسيّب السلاح وبيعه دون قيود، وللإشارة إلى خطورة العنف
المسلح كظاهرة متنامية لا يمكن إغفالها، وفي هذا السياق وصف الكاتب الأميركي كوينتين يونغ العنف
المسلح وظاهرة حمل السلاح الفردي المتفشية على نحو مخيف في الولايات المتحدة بأنها ترقى إلى
مستوى ”حرب بالوكالة”، تستهدف المواطنين الأميركيين العاديين بمن فيهم الأطفال والنساء بدعم من
دستور البلاد والمتعصبين له. وقال يونغ في مقال نشره موقع ”كولورادو نيوز لاين” الأميركي: إن
أعمال العنف المسلح تفضي إلى مذابح وحوادث إطلاق نار جماعية جديدة كل يوم في الولايات المتحدة،
حيث يرفض الأميركيون الذين يصرون على حيازة الأسلحة الفردية بذريعة التعديل الثاني من الدستور
الاعتراف بأن أيديهم ملطخة بالدماء، بل يعتبرون أن الحل للجرائم وحوادث إطلاق النار التي خرجت
عن السيطرة في الولايات المتحدة هو المزيد من الأسلحة”. واعتبر يونغ أن أحداث العنف المسلح التي
يشهدها المجتمع الأميركي على نحو يومي ما هي إلا حرب مشتعلة يمثل المؤيدون لحيازة السلاح من
سياسيين وأفراد طرفاً رئيسيا فيها. وأوضح يونغ أن الأسلحة تتسبب بمقتل ما يقارب 49 ألف شخص
سنوياً في الولايات المتحدة، ما يعني أن أي شخص يمكنه أن يصل إلى استنتاج بسيط مفاده بأن مزيداً
من الأسلحة يعني مزيداً من الموت، مؤكداً أن تسامح الإدارة الأميركية مع حيازة الأسلحة الفردية هو
حالة استثنائية وغير مسبوقة في العالم.
ورغم وعود بايدن بتشديد قوانين حيازة السلاح، والتحرك ضد عنف حمل السلاح واتخاذ إجراءات إلا
أن شيئاً لم يتغير، إذ كثيرين يعتبرون مهمته هذه شبه مستحيلة في بلد يمتلك أسلحة أكثر مما يمتلك من
المواطنين، ومنذ توليه الحكم وقعت عدة حوادث قتل، وقد أعلن بايدن أسفه لحدوثها، معتبراً أن هذا
القتل الجماعي وباء ووصمة عار لشخصية أمريكا أمام العالم. وبحسب مختصين في الشؤون الأمريكية
لن تلقى الإجراءات التي يحاول بايدن اتخاذها التوافق بسهولة داخل الكونغرس، فأحد الأشياء الأساسية
للجمهوريين ولليمين المعارض لبايدن هو ثاني تعديل في الدستور الأمريكي والذي يضمن حق المواطن
في حمل السلاح، بحجة أنه إذا لم يسمح القانون للناس بحمل السلاح بسهولة فإن المخالفين للقانون هم
فقط من سيحملون السلاح. ويرى العديد من الخبراء الدوليين في مجال حقوق الإنسان أن حق حيازة
السلاح للأشخاص في القانون الأمريكي ”حرية أمريكية قاتلة”.
إنّ دورة العنف المتصاعد في الولايات المتحدة، والتي يتبادل فيها المجتمع والسلطة الأدوار في ارتكاب
الجرائم، تذكر مجدداً بالحالة التي تعيشها الولايات المتحدة في ظل أوهام “الليبرالية الحديثة”، ققد بات
واضحاً وجلياً تلك الهوة الشاسعة بين الواقع السيئ الموجود والمستفحل داخل المجتمع الأمريكي، وبين
ما تحاول تسويقه وتصديره إلينا أمريكا، على أنه حضارة وحرية وتطور يساهم في إعطاء مساحات
وفُسح جديدة للحريات والحقوق، فيما الواقع من الداخل يكشف ويؤكد عكس ذلك تماماً… ! ما سبق هو
أنموذج واحد لما يعرف بالليبرالية الجديدة وثقافتها ومنهجها وهو النموذج الأمريكي الذي يبدو أكثر
انكشافاً ودلالة ووضوحاً، وسوف نأتي لاحقاً على نماذج غربية أخرى تعري الأهداف الحقيقية لكل ما
يصدِّره إلينا الغرب الاستعماري تحت شعارات وعناوين خادعة وزائفة باتت غاياتها وأهدافها مكشوفة
وواضحة…
كاتب صحافي من المغرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى