أخبار العالمأمن وإستراتيجيةفي الواجهة

ماذا يعني انتصار روسيا في حرب أوكرانيا ؟

ماذا لو انتصرت روسيا؟ أوكرانيا الخاضعة لسيطرة الكرملين ستغير أوروبا

هديل حربي ذاري العايدي

في المقال الذي تم نشره في مجلة فورن افريز الامريكية في18 فبراير/ شباط عام 2022 ، يوضح كلا من ليانا فيكس، و مايكل كيميج ، بأن روسيا الاتحادية عندما تدخلت في الحرب الأهلية في سوريا ، في عام 2015 ، صدمت الولايات المتحدة وشركائها ، ما دفع الرئيس الامريكي الاسبق باراك أوباما آنذاك الى القول : ” بأن سوريا ستصبح “مستنقعًا” لروسيا والرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، مع تصاعد تكاليف التدخل الروسي ، مؤكدا بأن سوريا قد تكون هي فيتنام الروسية أو أفغانستان بوتين ، وهو خطأ فادح سيرتد في النهاية ضد المصالح الروسي” . لكن لم تكن التوقعات الامريكية صائبة ، إذ لم ينتهي الأمر بسوريا إلى أن تصبح مستنقعًا للرئيس الروسي فلاديميربوتين ، بل على العكس من ذلك غيرت روسيا مسار الحرب ، وأنقذت الرئيس السوري بشار الأسد من الهزيمة الوشيكة ، ثم ترجمت روسيا الاتحادية القوة العسكرية إلى نفوذ دبلوماسي ، ما جعل لروسيا دورا لا يمكن تجاهله في سوريا ، ما مهد لها نفوذاً إقليمياً أكبر ، من إسرائيل إلى ليبيا ، واحتفظت بشريك مخلص لللرئيس السوري بشار الأسد لإبراز قوة روسيا في سوريا ، الامر الذي آشار الى فشل إدارة أوباما في توقع احتمال نجاح التدخل الروسي في سوريا .
ومع نهاية عام 2021 ، وبداية عام 2022 ، بدأت الهواجس مرة اخرى تتزايد لكل من الولايات المتحدة وأوروبا ، لاسيما مع احتمال تدخل عسكري روسي كبير في أوروبا نفسها. ما دفع العديد من المحللين للتحذير من العواقب الوخيمة التي سينتجها هذا التدخل ، ففي 11 فبراير/ شباط عام 2022 ، توقع وزير الدولة البريطاني لشؤون أوروبا جيمس كليفرلي أن حربًا أوسع في أوكرانيا “ستكون مستنقعًا” لروسيا ، في تحليل عقلاني للتكلفة والعائد ، في اشارة الى التكاليفة الباهضة الثمن للحرب الروسية الشاملة في أوكرانيا ، فضلا عما سيترتب عليه إراقة دماء كبيرة. وفي هذ الصدد يشير الباحثان بأن الولايات المتحدة قدرت ما يصل إلى 50،000 ضحية من المدنيين ، إلى جانب تقويض دعم بوتين بين النخبة الروسية ، التي ستعاني شخصيًا من التوترات اللاحقة مع أوروبا ، هذا اضافة الى الآثار السلبية التي يمكن ان يتعرض لها الاقتصاد الروسي نتيجة الحرب . في الوقت نفسه ، يمكن أن تقترب قوات الناتو من حدود روسيا ، مع احتمالية استمرار قتال روسيا مع مقاومة أوكرانية لسنوات قادمة ، الامر الذي سيوقع روسيا في شرك كارثة من صنعها.
ومع ذلك ، يبدو أن تحليل التكلفة والعائد الذي يجريه بوتين يؤيد تغيير الوضع الأوروبي الراهن ، إذ تتحمل القيادة الروسية المزيد من المخاطر ، إذ بالرغم من الصراع السياسي ، يقوم بوتين بمهمة تاريخية لترسيخ نفوذ روسيا في أوكرانيا (كما فعل مؤخرًا في بيلاروسيا وكازاخستان). وكما ترى موسكو ، فإن النصر في أوكرانيا قد يكون في متناول اليد. إذ قد تطيل روسيا ببساطة الأزمة الحالية دون أن تغزو أو تجد طريقة مستساغة لفك الارتباط ، ولكن إذا كانت حسابات الكرملين صحيحة ، كما كانت في النهاية في سوريا ، فيجب أن تكون الولايات المتحدة وأوروبا مستعدين أيضًا لاحتمال آخر غير المستنقع ، وهو ماذا لو فازت روسيا في أوكرانيا؟ فإذا استطاعت روسيا السيطرة على أوكرانيا أو تمكنت من زعزعة استقرارها على نطاق واسع ، فستبدأ حقبة جديدة للولايات المتحدة وأوروبا، إذ سيواجه قادة الولايات المتحدة وأوروبا التحدي المزدوج المتمثل في إعادة التفكير في الأمن الأوروبي وعدم الانجرار إلى حرب أكبر مع روسيا ، كما سيتعين على جميع الأطراف النظر في إمكانات الخصوم المسلحين نوويًا في مواجهة مباشرة. هاتان المسئولتان – الدفاع بقوة عن السلام الأوروبي وتجنب التصعيد العسكري مع روسيا – لن تكونا متوافقين بالضرورة. فقد تجد الولايات المتحدة وحلفاؤها أنفسهم غير مستعدين تمامًا لمهمة الاضطرار إلى إنشاء نظام أمني أوروبي جديد نتيجة للأعمال العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وفي هذا الصدد يطرح الباحثان طرق عديدة لتحقيق النصر الروسي في هذه الحرب ، إذ يؤكدان :
1- أن النصر في أوكرانيا قد يتخذ أشكالًا مختلفة. كما هو الحال في سوريا ، إذ لا يجب أن يؤدي النصر إلى تسوية مستدامة. بل يمكن أن ينطوي على تنصيب حكومة ممتثلة في كييف أو تقسيم البلاد. وبدلاً من ذلك ، فإن هزيمة الجيش الأوكراني والتفاوض على استسلام أوكرانيا يمكن أن يحول أوكرانيا فعليًا إلى دولة فاشلة.
2- يمكن لروسيا استخدام هجمات إلكترونية مدمرة وأدوات تضليل ، مدعومة بالتهديد باستخدام القوة ، لشل البلاد والحث على تغيير النظام .
ومع تحقيق أي من هذه النتائج ، ستكون أوكرانيا قد انفصلت فعليًا عن الغرب ، فإذا حققت روسيا أهدافها السياسية في أوكرانيا بالوسائل العسكرية ، فلن تكون أوروبا كما كانت قبل الحرب ، اذ سيعني ذلك انتهاء تفوق الولايات المتحدة في أوروبا ؛ بمعنى إن شعور الاتحاد الأوروبي أو الناتو يمكن أن يضمن السلام في القارة سيكون من الماضي . وسيدفع هذا الامر الى حصر الأمن في أوروبا في الدفاع عن الأعضاء الأساسيين في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي . وان كل شخص خارجهما او غير منظم لهما سيكون بمفرده ، باستثناء فنلندا والسويد. وهذ لا يعني بأنه قرارًا صائبا لإنهاء سياسة التوسيع أو الارتباط ؛ لكنها ستكون سياسة الأمر الواقع . في ظل الحصار المتوقع من قبل روسيا ، وبالتالي لن يكون لدى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي القدرة على سياسات طموحة اخرى خارج حدودهما. كما ستكون الولايات المتحدة وأوروبا أيضًا في حالة حرب اقتصادية دائمة مع روسيا ، إذ سيسعى الغرب إلى فرض عقوبات شديدة ، والتي من المرجح أن تتجنبها روسيا مع التدابير الإلكترونية وابتزاز الطاقة ، بالنظر إلى التفاوتات الاقتصادية ، ويشير الباحثان هنا الى الموقف الصيني الذي قد يكون إلى جانب روسيا في هذه الخطوة الاقتصادية .
ويشير الباحثان في هذا المقال ايضا الى اوضاع السياسة الداخلية في الدول الأوروبية والتي ستكون بمثابة لعبة القرن الحادي والعشرين الكبرى ، حيث ستعمل روسيا على اذكاء أي انهيار في الالتزام بحلف الناتو والعلاقة عبر الأطلسي. من خلال أساليب عادلة وغير عادلة ، وستنتهز روسيا أي فرصة تأتي في طريقها للتأثير على الرأي العام والانتخابات في الدول الأوروبية. ويؤكد الباحثان بأن الحضور الروسي سيكون حضوراً فوضوياً في كل حالة من حالات عدم الاستقرار السياسي الأوروبي . وعليه يؤكد الباحثان بأن مقارنات الحرب الباردة لن تكون مفيدة في عالم تسوده أوكرانيا الروسية. إذ أن السيادة الروسية على أوكرانيا ستفتح منطقة واسعة من زعزعة الاستقرار وانعدام الأمن من إستونيا إلى بولندا و رومانيا وصولا إلى تركيا. وطالما استمر ، فإن الوجود الروسي في أوكرانيا سينظر إليه من قبل جيران أوكرانيا على أنه استفزازي وغير مقبول ، وبالنسبة للبعض ، سيشكل تهديدًا لأمنهم . وسط هذه الديناميكية المتغيرة ، سيكون تصور النظام في أوروبا من منظور عسكري في المقام الأول – والذي ، نظرًا لأن لروسيا يد أقوى في الجيش منها في المجال الاقتصادي ، ستكون في مصلحة الكرملين – وتهميش المؤسسات غير العسكرية مثل الاتحاد الاوربي .إذ تمتلك روسيا أكبر جيش تقليدي في أوروبا ، وهو جاهز للاستخدام في السياسة الدفاعية للاتحاد الأوروبي – على عكس سياسة الناتو – فأنها بعيدة كل البعد عن كونها قادرة على توفير الأمن لأعضائها. وبالتالي ، فإن الطمأنينة العسكرية ، لاسيما من دول الاتحاد الأوروبي الشرقية ، ستكون أساسية ، وبالتالي لن يكون الرد على روسيا الانتقامية بالعقوبات والإعلان الخطابي عن نظام دولي قائم على القواعد كافياً.
اولا : غزو شرق أوروبا
يؤكد الباحثان هنا بأن الانتصار الروسي في أوكرانيا ، يعني بإن الموقف ألماني في أوروبا سوف يواجه تحديات شديدة. إذ تعد ألمانيا قوة عسكرية هامشية أسست هويتها السياسية على رفض الحروب. وبالتالي فإن الدول التي تحيط بها ، لاسيما في الشرق مع بولندا ودول البلطيق ، سيعني المخاطرة بزعزعة استقرارها من قبل روسيا. اما بالنسبة لفرنسا والمملكة المتحدة ، فأنهما ستضطلعان بأدوار قيادية في الشؤون الأوروبية بفضل جيوشهما القوية نسبيًا والتقاليد العريقة في التدخل العسكري . ومع ذلك ، سيظل العامل الرئيسي في أوروبا هو الولايات المتحدة ، إذ سيعتمد الناتو على دعم الولايات المتحدة ، كما سيعتمد على الدول المقلقة والمعرضة للخطر في شرق أوروبا ، ودول المواجهة المنتشرة على طول خط اتصال كبير جدًا وموسّع وغير مؤكد مع روسيا ، بما في ذلك بيلاروسيا والأجزاء التي تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا.
اما ما يتعلق بالدول الأعضاء الشرقية ، بما في ذلك إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا ورومانيا ، فمن المرجح أن يكون لديها أعداد كبيرة من قوات الناتو المتمركزة بشكل دائم على أراضيها. وبالتالي سيكون من المستحيل رفض طلب من فنلندا والسويد للحصول على التزام بموجب المادة 5 والانضمام إلى الناتو. اما في أوكرانيا ، لن تعترف دول الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي أبدًا بنظام جديد تدعمه روسيا أنشأته موسكو. لكنهم سيواجهون نفس التحدي الذي يواجهونه مع بيلاروسيا: فرض العقوبات دون معاقبة السكان ودعم المحتاجين دون الوصول إليهم. كما سيعزز بعض أعضاء الناتو التمرد الأوكراني ، وسترد روسيا عليه بتهديد أعضاء الناتو. وهنا يشير الباحثان الى إن مأزق الحرب في أوكرانيا سيكون كبيرا للغاية ، إذ سيخلق ازمة لاجئين اخرى . وستواصل قطاعات الجيش الأوكراني التي لم تهزم بشكل مباشر القتال ، منذرا بأعادة الحرب الحزبية التي مزقت هذه المنطقة بأكملها من أوروبا أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية.
وعليه ، يؤكد الباحثان بأنه قد تظل حالة التصعيد الدائمة بين روسيا وأوروبا باردة من منظور عسكري ، لكنها من المحتمل أن تكون ساخنة اقتصاديًا ، إذ لم تكن العقوبات المفروضة على روسيا في عام 2014 ، والتي كانت مرتبطة بالدبلوماسية الرسمية (يشار إليها غالبًا باسم عملية “مينسك” ، على اسم المدينة التي عُقدت فيها المفاوضات) شديدة القسوة ، إذ كانت قابلة للعكس وكذلك مشروطة ، لكن بعد الغزو الروسي لأوكرانيا ، ستكون العقوبات الجديدة على الخدمات المصرفية ونقل التكنولوجيا كبيرة ودائمة ، وفقًا للإدارة الأمريكية. ورداً على ذلك ، ستنتقم روسيا ، على الأرجح في المجال السيبراني وكذلك في قطاع الطاقة ، وستحد موسكو من الوصول إلى السلع الحيوية مثل التيتانيوم ، الذي كانت روسيا ثاني أكبر مصدر له في العالم ، وعليه حرب الاستنزاف هذه ستمتحن كلا الجانبين ، وستكون روسيا قاسية في محاولتها إقناع دولة أو عدة دول أوروبية بالتراجع عن الصراع الاقتصادي من خلال ربط تخفيف التوتر بالمصالح الذاتية لهذه الدول ، وبالتالي تقويض الإجماع في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي . هنا سيكون النفوذ الاقتصادي الروسي بمثابة عامل متحكم بالدول الاوربية ، إذ ستكون الأصول الروسية مصدرًا للانقسام أو الاضطراب المحلي في أوروبا أو في شركاء أوروبا عبر المحيط الأطلسي ، وستكون روسيا استباقية وانتهازية ، في استغلال اي حركة أو مرشح يظهر مؤيد لروسيا ، من خلال تشجيع هذا المرشح بشكل مباشر أو غير مباشر. لا سيما مع اضعاف نقطة الخلل الاقتصادي أو السياسي من فعالية السياسة الخارجية للولايات المتحدة وحلفائها ، وبالتالي ستكون سلاحًا لجهود الدعاية الروسية وللتجسس الروسي . كما سوف تستخدم روسيا المزيد من الموارد ولن تكون مقيدة في اختيار الأدوات ، لاسيما ان الحرب على اوكرانيا ستؤدي الى تدفقات هائلة للاجئين إلى أوروبا ، ما يؤدي إلى تفاقم سياسة الاتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين التي لم يتم حلها الى الان ، كما ستوفر أرضًا خصبة للشعبويين. وعليه سيكون الحسم لهذه الازمات الإعلامية والسياسية والسيبرانية هي الانتخابات الرئاسية لعام 2024 في الولايات المتحدة ، إذ سيعتمد مستقبل أوروبا على هذه الانتخابات. إذ قد يؤدي انتخاب دونالد ترامب أو مرشح له نفس توجهات ترامب إلى تدمير العلاقة عبر الأطلسي في ساعة الخطر القصوى في أوروبا ، مما يضع موضع التساؤل عن موقف الناتو وضماناته الأمنية لأوروبا.
ثانيا : تحويل الناتو إلى الداخل
بالنسبة للولايات المتحدة ، سيكون لنصر روسيا آثار عميقة على استراتيجيتها الكبرى في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط ، إذ أولاً ، سيتطلب النجاح الروسي في أوكرانيا من الولايات المتحدة أن تركز على أوروبا ، ولن يُسمح بأي غموض بشأن المادة 5 من الناتو (من النوع الذي تم تجربته في عهد ترامب). إذ أن فقط التزام الولايات المتحدة القوي بأمن أوروبا سيمنع روسيا من تقسيم الدول الأوروبية عن بعضها البعض. وهذا سيكون صعبًا في ظل الأولويات المتنافسة ، لا سيما العلاقة المتدهورة بين الولايات المتحدة والصين. إذ تمتلك الولايات المتحدة أسهمًا تجارية كبيرة جدًا في أوروبا ، حيث يُعد كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أكبر شريكين تجاريًا واستثماريًا لبعضهما البعض ، فقد بلغ إجمالي التجارة في السلع والخدمات 1.1 تريليون دولار في عام 2019 ، كما تدعم أوروبا السياسة الخارجية الأمريكية – لاسيما تلك المتعلقة بشأن تغير المناخ ، وحظر الانتشار ، ودعم الامن الصحي ، لذا فأن إدارة التوترات مع الصين أو روسيا ، إذا ما تم زعزعة استقرار أوروبا ، ستجعل الولايات المتحدة وحيدة في العالم.
وهنا تجدر الاشارة الى ان الناتو هو الوسيلة المنطقية التي يمكن للولايات المتحدة من خلالها توفير الطمأنينة الأمنية لأوروبا وردع روسيا ، إذ إن الحرب في أوكرانيا من شأنها إحياء الناتو ليس كمشروع لبناء الديمقراطية أو كأداة لبعثات خارج المنطقة مثل الحرب في أفغانستان ، ولكن بوصفه تحالفًا عسكريًا دفاعيًا ، وعلى الرغم من أن الأوروبيين سيطالبون الولايات المتحدة بالتزام عسكري أكبر تجاه أوروبا ، إلا أن غزوًا روسيًا أوسع لأوكرانيا يجب أن يدفع كل عضو في الناتو إلى زيادة إنفاقه الدفاعي ، إذ بالنسبة للأوروبيين ، سيكون هذا هو النداء الأخير لتحسين القدرات الدفاعية لأوروبا – جنبًا إلى جنب مع الولايات المتحدة – من أجل مساعدة الولايات المتحدة في إدارة المعضلة الروسية الصينية.
بالنسبة لروسيا الآن ، فأنها في مواجهة دائمة مع الغرب ، ويمكن أن تكون الصين بمثابة دعامة اقتصادية وشريك في معارضة الهيمنة الأمريكية ، وفي أسوأ حالة للاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة ، قد تتشجع الصين بسبب إصرار روسيا وتهدد بالمواجهة مع الولايات المتحدة حول تايوان. لكن ليس هناك ما يضمن أن التصعيد في أوكرانيا سيفيد العلاقات الصينية الروسية. إذ إن هنالك تخوف صيني في ان يتضرر الاقتصاد الأوروبي الآسيوي من جراء الحرب في أوروبا ، ومع ذلك لن يؤدي الغضب الصيني من روسيا إلى تمكين التقارب بين الولايات المتحدة والصين ، لكنه قد يؤدي الى محادثات جديدة.
وفي نهاية المقال يشير الباحثان الى ان الصدمة الناتجة عن تحرك عسكري كبير من جانب روسيا ستثير تساؤلات في تركيا ، فقد كانت تركيا تحت قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان تتمتع بلعبة الحرب الباردة الموقرة المتمثلة في التلاعب بالقوى العظمى ، ومع ذلك ، تتمتع تركيا بعلاقة قوية مع أوكرانيا كعضو في الناتو ، وبالتالي لن تستفيد تركيا من عسكرة البحر الأسود وشرق البحر الأبيض المتوسط ، إذ قد تدفع الإجراءات الروسية التي تزعزع استقرار المنطقة تركيا إلى الوراء تجاه الولايات المتحدة ، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى إحداث شرخ بين تركيا وروسيا . والذي سيكون مفيدًا لحلف الناتو ، وسيفتح أيضًا إمكانيات أكبر للشراكة الأمريكية التركية في الشرق الأوسط ، وبدلاً من أن تكون مصدر إزعاج ، يمكن أن تتحول تركيا إلى حليف يفترض أن تكون عليه.
واخيرا يستنتج الباحثان مخرجات الحرب في أوكرانيا ، وهي أن روسيا والولايات المتحدة ستواجهان بعضهما البعض الآن كأعداء في أوروبا ، الا انهن سيكونون أعداء لا يستطيعون تحمل الأعمال العدائية إلى ما بعد عتبة معينة ، بغض النظر عن وجهات نظرهم للعالم ، ومهما كانت متعارضة أيديولوجياً ، فإن القوتين النوويتين الأكثر أهمية في العالم سوف تضطر إلى السيطرة على غضبهم ، وسيكون هذا بمثابة حالة من الحرب الاقتصادية والصراع الجيوسياسي عبر القارة الأوروبية ، دون التصعيد والتحول إلى حرب مباشرة ، في الوقت نفسه ، يمكن أن تمتد المواجهة الأمريكية الروسية في أسوأ الأحوال لتشمل الحروب بالوكالة في الشرق الأوسط أو إفريقيا إذا قررت الولايات المتحدة إعادة تأسيس وجودها بعد الانسحاب الكارثي من أفغانستان ، كما سيكون الحفاظ على التواصل ، لاسيما فيما يتعلق بالاستقرار الاستراتيجي والأمن السيبراني ، أمرًا بالغ الأهمية. ومن الجدير بالذكر أن التعاون الأمريكي الروسي بشأن الأنشطة السيبرانية مستمر حتى خلال التوترات الحالية. وستكون ضرورة الحفاظ على اتفاقيات صارمة للحد من الأسلحة النووية أكبر بعد حرب أوكرانيا ونظام العقوبات الذي يتبعها.
وختاما يؤكد الباحثان بأنه مع تطور الأزمة في أوكرانيا ، يجب على الغرب ألا يقلل من شأن روسيا ، ويجب ألا تعتمد على الروايات المستوحاة من الخيال ، لاسيما ان انتصار روسيا في أوكرانيا ليس بعيدا عن الواقع ، لكن إذا كان هناك القليل مما يمكن أن يفعله الغرب لمنع الغزو العسكري الروسي ، فسيكون قادرًا على التأثير على ما سيحدث بعد ذلك. لاسيما ومن خلال النصر العسكري ، يمكن لروسيا أن تجعل أوكرانيا دولة فاشلة. لكن لا يمكنها فعل ذلك إلا من خلال شن حرب شاملة. وما سيحدث بعد ذلك سوف تتوصل الولايات المتحدة وأوروبا وحلفاؤهما وأجزاء أخرى من العالم إلى استنتاجات لتنتقدالإجراءات الروسية ، والذي سيؤدي الى تحالفاتهما ودعمهما لشعب أوكرانيا ، وهنا يقارن الباحثان الجهود الروسية في زرع الفوضى بالجهود الغربية لإعادة النظام ، إذ بقدر ما احتفظت الولايات المتحدة بالممتلكات الدبلوماسية لدول البلطيق الثلاث في واشنطن العاصمة ، بعد أن تم ضمها من قبل الاتحاد السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية ، يمكن للغرب أن ينأى بنفسه عن هذا الصراع ليحفظ كرامته . وهنا يشير الباحثان الى ان الحروب التي يتم ربحها لا يتم ربحها إلى الأبد ، إذ في كثير من الأحيان تهزم البلدان نفسها بمرور الوقت من خلال شن الحروب الخاطئة ثم كسبها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى