مجتمع

مؤامرات الموظفين

 
راقي نجم الدين
ان حسدنا للآخرين يلتهمنا اكثر من اي شيء آخر – الكسندر سولجينتسين
هل انت غيور جدا؟
لنواجه الامر، ان كل فنان الآن على ما اعتقد ونظيره المبدع يتباهون على صفحات الانترنت بانجازاتهم، اذ اصبح سهلا اكثر من اي وقتٍ مضى ان يكون الفنان غيورا من اشياء عديدة منها:
• اعمالهم الفنية، او الموسيقية، او التأليفية،
• مبيعاتهم،
• مواقعهم الالكترونية الشخصية،
• مئات التعليقات على مدوناتهم،
• السماع عن معارضهم الاخيرة وانتشار شعبيتهم،
• ما لديهم من جحافل من الأصدقاء والمتابعين على تويتر وفيسبوك.
اقصد احيانا هناك ما يكفي ليجعلك تريد ان تنسحب الى جُحرك الابداعي الصغير والسبات فيه حتى يُعاد احيائك في نهاية العالم.
لنكن صادقين مع انفسنا هنا. قبل عشر سنوات، كلنا نعرف ان هؤلاء الناس المفرطين في الانجازات الابداعية كانوا موجودين في تلك المرحلة، ولكن في نفس الوقت ما كان لزما علينا ان نجلس هناك ونُحدق في رفوف ميدالياتهم الافتراضية يوميا.
انت لا تلقي اللوم على اي من هؤلاء الفنانين لنجاحهم. في نهاية الامر، المجد لهم لانهم يعملون بجد ويحققون مستوى معين من النجاح في مجال عملهم الابداعي. بالتأكيد انت لا تحسدهم، ولكن هذا لا يغير بالضرورة حقيقة انك في بعض الاحيان تكون غيور جدا منهم.
انت لا تستطيع ان تُبدع بعد الان..
من المعروف ان احد المتطلبات كي تكون فنانا او كاتبا هو ان تزج نفسك في فنك تماما. لا ان تغوص في عملك الفني الخاص فحسب، ولكن ايضا في اعمال الآخرين ايضا. بالنسبة للكتاب فهذا يعني قراءة الاعمال العظيمة في الادب، وبالنسبة للموسيقيين الاستماع الى الموسيقى الكلاسيكية في النوع الذي يختارونه، وبالنسبة للفنانين التشكيليين يعني دراسة روائع الذين جاءوا قبلهم.
هذا امرٌ جيد، ليس لديك مشكلة مع ذلك. ان كل شخصٍ، رغم ذلك، يحتاج الى ان يعجب بشخصٍ آخر ويحذو حذوه. ليس لديك مشكلة مع دراسة الفنانين القديرين. لكن يبدو انه لديك مشكلة مع دراسة اعمال زملائك المعاصرين!
تلاحظ عندما يتعلق الامر بالفنانين القدامى لاعمالنا الفنية، يمكنك ان تجد تفسيرا لنجاحهم عادةً. ربما حصلوا على تعليم افضل، وربما كان لديهم المزيد من الوقت لممارسة فنهم، او ربما كان لديهم معلمين حكماء قدامى شاركوهم بعض الاسرار القديمة. مهما كان يحدث هناك، انتهوا جميعا بعمل شيء جيد لانفسهم وهذا امر جيد.
انت لا تشعر بالغيرة من الاساتذة القديرين لكنك تشعر بالغيرة من اقرانك!
والآن هل هذا مجرد نوع من الخلل في شخصيتك؟ – نعم على الارجح. انت تعلم منطقيا اننا لسنا هنا نتنافس مع بعضنا البعض، وانت تدرك ان نجاح فنان آخر او استاذ آخر من المستحيل ان يقلل من فرصتك الخاصة لتحقيق اهدافك.
رغم ذلك ما زلت تشعر بالغيرة في كل مرة تنظر الى عمل فني جيد حقا. ما زلت تشعر بالحسد قليلا كلما رأيت فنانا او استاذا شابا يشق طريقه نحو النجاح. ما زلت تنزعج عندما يتوصل شخص آخر الى فكرة جيدة حقا قد تكون موجودة امامك طوال الوقت.
تقول المؤلفة (جوليا كاميرون) في كتابها الاستثنائي “طريق الفنان”*: ان الغيرة هي دائما قناع للخوف: الخوف من اننا لسنا قادرون على ان نحصل على ما نريد: الشعور بالاحباط لانه يبدو ان شخصا آخر ينال حقنا حتى لو كنا خائفين جدا من الوصول اليه. الغيرة، في جذورها، هي عاطفة بخيلة. هي لا تسمح بالوفرة وتعددية العالم. تخبرنا الغيرة ان هناك مجال لشخص واحد فقط، فنان واحد فقط، او مصمم واحد فقط، او استاذ واحد فقط.. الخ. ان اكبر كذبة هي ان الغيرة تخبرنا انه ليس لدينا خيار سوى ان نكون غيورين. على نحو معاكس، تجردنا الغيرة من ارادتنا على الفعل عندما يكون الفعل هو المفتاح لحريتنا.
ان هذا الشعور المستمر بالخوف والغيرة وعدم الكفاية هو بالتأكيد شيئا لستَ فخورا به، والسبب الوحيد في انك ستشارك هذا مع زملائك هو ظنك بانك لست وحيدا تماما.
متى يتوقف الفنانون عن المنافسة ويقتلون الحاسد النذل في دواخلهم!
هناك الكثير من انواع الحسد بما في ذلك النوع الذي يعتقد فرويد قد اكتشفه. ويسمى النوع الذي اتحدث عنه “الغيرة المهنية”** ويكون موجود لدى بعض الفنانين والاساتذة بصورة سيئة. كان موجودا لدى ساليري Salieri تجاه موزارت Mozart. ومن المفترض ان يكون واحدا من الخطايا الرئيسة. ومن خلال الكثير من الرسائل الاعترافية من الفنانين، يتبين انهم كانوا غيورين من نجاح وموهبة الاخرين. ويحدث ذلك في كل مكان – خاصةً في كليات الفنون – مع فنان مجاور يتقاسم معك نفس الاستوديو، او استاذ معك في نفس القسم او نفس الكلية.
لاحظت بعض الاشياء عن هذه الحالة: انها نشاط يحدث بشكل عام بين افرادٍ من الجنس نفسه، بين فنانٍ وفنان آخر او بين استاذٍ قدير واستاذٍ شاب، وقد يحدث بشكل اقل بين استاذ واستاذة او العكس! وغالبا ما ينظر الى الشخص المحسود بأنه يمتلك ميزة غير عادلة. اذا لم يتم ملاحظة الحسد، فأنه يمكن ان يستمر مدى الحياة. ويمكن ان يكون مدمرا، وعاقبته توهان وسط ركام الفشل. لقد طور بعض الفنانين طرقا لتجنب الوقوع في ذلك. بعضهم يتصرف كما لو ان الفنانين الآخرين موجودون بالكاد. فهم يلتفتون الى الاتجاه الخاص بهم. هؤلاء لا ينضمون الى الاندية ولا يحضرون صالات العرض وحفلات الافتتاح. انهم يعرضون انفسهم بطريقتهم الخاصة فقط وفيما يظنون انه ايجابي لاولئك الذين هم محل ثقة ليكونوا معجبين او عملاء.
في رأيي ان افضل ترياق للتغلب على الحسد هو ان ننظر الى الصورة الكبيرة. كلنا في منافسة مع الآخرين. الحياة هي غابة والبقاء للاصلح هو المبدأ الاساسي. من السهل ان نبقى مُهددين في عوالم صغيرة عندما نكون راغبين للبقاء فيها.
ان الطمع والغيرة “المعتدلة” هما في الواقع الطريق الى تحسين القدرات. ويمكن تسميتهما بالحسد الابداعي Creative Envy. انه جزء من الطموح. ويمكن توجيه الضغط الناتج عن الغيرة الى مهارات جديدة تأخذ بالفنانين الى مستوى اعلى، اقتصاديا وككائنات متطورة. يبقى هناك دائما شيء للعطاء. ان معسكر الايثار الفني مليء بالاخوية والاختية. انه مكان رائع.
اطيب التحيات
للمزيد من الاطلاع يُنظر:
* Cameron, J. (2002). The Artist’s Way: A Spiritual Path to Higher Creativity. NY: Penguin Group
** Genn, R. (2003). The Painter s Keys: A Seminar With Robert Genn. Canada: Studio Beckett Publications

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى