رأي

لماذا نوفمبر إذا…………؟

ثمان وستون سنة تمر على أعظم ثورة في التاريخ المعاصر ..ثورة استطاعت أن تضع حدا لهمجية فرنسا وغطرستها ومن ورائها كافة جيوش الحلف الأطلسي الجاثمة على أرض الجزائر طيلة ما يزيد عن قرن وربع قرن من عمر الزمن عملت فيه قوات الإحتلال الفرنسي على طمس هوية وحضارة هذا الشعب العربي المسلم محاولة ضم هذه القطعة القدسية الطاهرة من أرض المغرب العربي وشمال إفريقيا إليها وجعلها جزء لايتجزأ من فرنسا….
غير أن الشعب الجزائري قلب الطاولة على ساسة فرنسا وأخلط كل حساباتهم بانتفاضة وهبة شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن تكون كهبة رجل واحد توحدت فيها إرادة كل الجزائريين وإلتقت فيها رؤاهم وأحلامهم على إختلاف مشاربهم وإنتماءاتهم الحزبية ومناطق سكناهم وانحداراتهم من مختلف بقاع وأصقاع الجزائر الحبيبة وكان القرار واحد لا رجعة فيه ألا وهو ضرورة تفجير الثورة المباركة خرج هذا القرار من أفواه مجموعة من الشباب لا يتجاوز عددهم ال22 فردا ولايتعدى متوسط أعمارهم ال27سنة آمنوا جميعا بأنه لامناص من الحل العسكري وأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بها وأن المستعمر الفرنسي بات لا يفهم إلا لغة السلاح بعدما أستنفذت معه كل وسائل الحوار السلمية والنضال السياسي وبعد مشاورات حثيثة وإتصال دائم مع زعماء الأحزاب آنذاك كان من بينهم الزعيم مصالي الحاج الملقب ب- أب الوطنية في الجزائر- من أجل إقناعهم بالانضمام للثورة ومباركتها ولو سياسيا غير أنه رفض ذلك رفضا قاطعا ولكن إرادتهم ما فشلت أبدا ولا فتر حماسهم ولا خارت قواهم ولا كلت عزائمهم بل زادهم ذلك إصرارا ورغبة في المضي في هذا السبيل قدما وتنفيذا ما أجمعوا عليه وبعد نقاش حاد وأخذ ورد بينهم اتفقوا على تفجير الثورة المباركة عملا بقول أحدهم –ألقوا بالثورة إلى الشارع فسيحتضنها الشعب-ألا وهو الشهيد الرمز العربي بن مهيدي الذي قال عنه السفاح- بيجار والله لو أن لي ثلة من أمثال العربي بن مهيدي لفتحت العالم-
ثارت الثورة واشتعل لهيبها ودامت ما يزيد عن السبع سنوات ونصف وما مرت عليها لحظة إلا وفيها انتصار أو شهادة وقدم الشعب الجزائري كل غال ونفيس حتى بلغ شهداء الثورة ما يزيد عن المليون ونصف مليون شهيد حتى نالت الجزائر استقلالها وارتفع علمها خفاقا في المحافل الدولية وأصبحت دولة حرة مستقلة
غير أن ما يحز في النفس ويؤرق الضمير هوأن تاريخ هذه الثورة العظيمة لم يدون رغم أن جيل الثورة قد أشرف على الزوال ولم يكد يمض شهر من الشهور حتى نفقد أحدا من هؤلاء الرجال فهل قدر لهذه الملحمة العظيمة أن تبقى حبيسة ومحصورة بين أرشيف فرنسا وأفواه صناعها وأن تظل حكاية تحكى فقط وأسطورة تروى للأجيال ويبقى تاريخ هذه الثورة محصورا بين المناسبات والأعياد وتذكر الأبطال والأمجاد كلما رحل بطل أو مجاهد ثم يغلق السجل إلى غاية إشعار آخر والغريب في الأمر أن أغلب هؤلاء المجاهدين قد ترك مذكراتا يمكن لأي باحث في التاريخ أن يرجع إليها ولكن الأغرب في الأمر هو بقاء جزء من أرشيف الثورة وتاريخها محجوزا عند الإستعمار ولم تطالب الدولة باسترجاعه ولا كلفت نفسها عناء ذلك بل أن أغلب مسؤولينا يتحاشى حتى مطالبة الإستعمار بالإعتراف بجرائمه التي إرتكبها ضد الشعب الجزائري والتي لا تقرها لا الشرائع و لاالأديان ولا القانون الدولي
فلماذا نوفمبر إذا….؟
وما الفائدة من الإحتفال به إذا كنا نخشى ونخاف حتى مطالبة الإستعمار ومحاسبته على جرائمه..
الطيب دخان
الجزائر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى