رأي

للتاريخ

د. محمود عباس

عودة إلى الماضي القريب، علها تنبهنا لحاضرنا وتؤخذ عبرة لمستقبلنا، نتعلم من على خلفيتها تعديل لهجتنا عند التهجم، وتصحيح أخطاء بعضنا بنقد بناء، ونعرف المنطق السياسي بين الحركات التحررية والدول الكبرى، ومدى تأثير العلاقات الدبلوماسية على مواقف الدول، التي تشترك مصالحها معنا ومع محتلينا.

الحديث يجري وبشكل مقتضب عما يردده البعض من الأخوة الكورد قبل المتربصين، لقول الرئيس الأمريكي السابق (دونالد ترامب) عن القوات الكوردية التي قاتلت داعش، وبشكل خاص عن قوات قسد “لقد قاتلوا معنا، لقد دفعنا الكثير من المال لكي يقاتلوا معنا، وهذا جيد”. ويكررونها ليست فقط كناقصة، بل كوصمة عار، دون الانتباه إلى أنها كانت وستظل صفحة من صفحاته السوداء التي انعكست فيها الجهالة المعرفية، والخطأ السياسي الذي لاتزال أمريكا تدفع ثمنه حتى الأن في المنطقة الكوردية، بل وربما على مستوى الشرق الأوسط، والتي لولا القوات الكوردية في الإقليمين، لكانت اليوم المنطقة تعيش في ظلام دولة داعش، ولظلت أمريكا وأوروبا تعيش رعب الإرهاب الإسلام السياسي، وهو ما حدا بمعظم دول العالم الحضارية والسياسيين الأمريكيين وبترامب ذاته في شهوره الأخيرة، تقديم الشكر والتقدير للخدمات التي قدمها الكورد للعالم أجمع.

ويتناسى الأخوة الكورد بشكل خاص (لا عتب على نعت الأعداء) أن مقولة ترمب بنيت على قاعدتين:

1- الركيزة الأولية لمعلوماته، التي تبينت فيما بعد على أن معظم مداركه عن الكورد وتاريخهم وحتى عن حربهم ضد داعش بمساعدة القوات الأمريكية، في بدايات رئاسته، رسختها أردوغان، ومستشاريه أثناء اجتماعاتهم المتكررة، والتي في جميعها كانت القضية الكوردية أحد البنود الرئيسة فيها، على أثرها قال ” أن حزب العمال الكوردستاني ليس بأفضل من داعش” نفس الصيغة الكلامية التي يرددها أردوغان في معظم تصريحاته.

2- انعدام معلوماته ليس فقط عن القضية الكوردية والكوردستانية، وصراعهم مع الدول المحتلة لكوردستان وضد داعش، بل وعن الشعب الكوردي وتاريخهم وجغرافيتهم وقواهم السياسية. تبينت هذه الحقيقة بشكل جلي عندما سأله مراسل قناة روداو (مجيد نظام الدين) ولعدم معرفته بالكورد تملص من الشرح بوصف المراسل بـ (مستر كورد) وجملتين فضفاضتين بدون معنى، أنتبه لذلك مستشاريه فقدموا له بعدها معلومات أولية عن الكورد ومحاربتهم لداعش، ولكن لعدم كفاية ما سردوه له، أو لعدم اهتمام الرئيس بها، ظلت الضحالة المعرفية ذاتها، وأدت ذلك إلى سقوطه في مهزلة تاريخية، عندما قال بعدها بفترة في أحدى تصريحاته عن الكورد، أنهم لم يكونوا أصدقاءنا في الحرب العالمية الثانية، ولم يشاركوننا في هجوم (النورماندي). ولضخامة الفضيحة، انتبه لها مستشاروه، فتم تلقينه دروسا عن الكورد وتاريخهم وما يقدمونه للعالم مع قوات التحالف في حربهم ضد داعش. تغيرت بعدها سوية حديثه وموقفه عن الكورد رأسا على عقب، وتوضحت عندما سأله مراسل روداو في المرة الثانية، فإلى جانب تقديره للمراسل، أقدم على تقدير القوات الكوردية ووصف الشعب بنبرة عالية، وقد كان الأسلوب الذي أبداه، شبه اعتذار حسب المنطق الدبلوماسي عما قاله سابقا، وتعديل على المعلومات التي لقنها لها أردوغان ومستشاريه في الماضي.

وللأسف الأخوة الكورد الذين هاجسهم مهاجمة البعض والذين يعانون من وباء التآكل الداخلي، ومن منطق تصغير الذات، يستندون على بدايات مواقف الرئيس دونالد ترمب، فترة عدمية معلوماته، وما كان يتلقاه من أردوغان الذي كان بين عائلته وعائلة أردوغان صفقات ومشاريع، وهو ما استند عليها أردوغان كثيرا للحصول على قراره بالانسحاب من سوريا، والتي أدانها الكونغرس الأمريكي وبأغلبية ساحقة 354 مقابل 60، وهاجمها العديد من أعضاء الكونغرس وعلى رأسهم ليندسي غراهام أحد أقطاب حزبه. كما وصفها بعض الجنود الذين حاربوا مع القوات الكوردية ضد داعش بالـ (الخيانة).

ليس دفاعا عن الإدارات الأمريكية، ولا تجاهلا لمنطق السياسية، ولا تناسيا لمصالح الدول، وخاصة الإمبراطوريات والتي بإمكانها التخلي عن الشعوب والأنظمة بكل أريحية عندما تتطلب مصالحها، ولا تبريرا لأخطاء الحراك الكوردي والكوردستاني، ولا دعما لطرف دون آخر، بل عن مدى حقدنا على البعض، وتصغيرنا لمكانتنا أمام العالم والأعداء، كحراك وشعب. فلننتبه على أننا نحن من قزمنا بعضنا، وأبدينا ذاتنا كشعب بسيط أمام العالم رغم كل إمكانياتنا، وجعلنا حراكنا دون مستوى القضية، والقدرة على تمثيل الشعب في الداخل والمحافل الدولية.

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى