إسلامثقافة

كيف نغرس التقوى فى القلوب ؟ (1)

ا.د حلمي الفقي
أستاذ الفقه المساعد بجامعة الأزهر

تكلمنا عن ماهية التقوى وذكرنا أقوال العلماء فى تعريف التقوى ، وخلاصة ما سبق أن التقوى
هي : العمل بطاعة الله رجاء رحمة الله على نور من الله، وترك معصية الله خوف عذاب الله على نور من الله ، فالتقوى هى الوازع الديني فى قلب المؤمن ، وضميره الذى يدفعه إلى امتثال أوامر المولى سبحانه وتعالى واجتناب نواهيه ، ومراقبة الله تعالى في كل صغيرة وكبيرة .
قال ابن المعتز:
خــل الذنوب صغيرهــا وكبيرهـا ذاك التقــى
واصنع كماش فوق أرض الشوك يحـذر ما يـرى ٍ
لا تحقــــرن صغيـــــرة إن الجبال من الحصـى
وقال آخر :
إذا ما خلوَت الَّدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب
ونتحدث هنا عن سبل ووسائل غرس التقوى فى قلب المؤمن ، وهى كثيرة نقتصر منها على ما يأتي : –
1- الإيمان بالله سبحانه وتعالى .
2- طلب التقوى من الله .
3- تلاوة القرآن الكريم وتدبره والعمل به .
4- مجاهدة النفس .
5- عبادة الله تبارك وتعالى بصدق فالإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية .
6- مصاحبة الصالحين .
7- الإكثار من ذكر الله تعالى.
8- التفكر فى الموت وما بعده .
ودعونا نتناول هذه الأمور بشيء من التوضيح :
أولا : الإيمان بالله عز وجل .
شهادة التوحيد لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، هى الركن الأول من أركان الإسلام وهى أهم أركان هذا الدين وبها يدخل غير المسلم فى هذا الدين ، وبضدها يخرج المسلم من دين الإسلام.
ولا إله إلا الله باختصار أى لا معبود إلا الله ، فلا خالق ولا رازق ولا محيي ولا مميت ولا ضار ولا نافع إلا الله .
ولا إله إلا الله هى الحقيقة الوحيدة فى هذا الوجود ، وهى القوة الوحيدة فى هذا الوجود وما سواها هباء منثورا .
فإذا استقرت هذه الحقيقة فى قلب المؤمن لم ينشغل بما ضمن له عما طلب منه ، كما يقول ابن عطاء الله السكندرى : انشغالك بما ضمن لك عما طلب منك دليل انطماس البصير فيك
فالله عز وجل ضمن لنا الرزق والأجل ، وطلب منا ان نعبده فلا يصح لنا أن ننشغل بالمضمون من الرزق عن المطلوب من العبادة ، قال تعالي : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ( 57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } ( الذاريات : 56 ، 57 ،58)
وأيضا استقرار هذه الحقيقة فى قلب المؤمن تجعله لا يتوكل إلا على الله ولا يرجو إلا الله ولا يخاف إلا الله ، وهذه أوسع غرس لتنمية التقوي فى قلب المؤمن .
ثانيا : طلب التقوى من الله .
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي ِ أنه كان يقول «اللهم إني أسأُلك الهدى والتقى والعفاف والغنى } رواه مسلم . وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: { كان رسول الله يقول : اللهم آت نفسي تقواها، و َزكها أنت َخير من زكاها، أنت وليها ومولاها } رواه مسلم
وفي دعاء السفر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { الله إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى } رواه مسلم
وفى الموطأ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول : { اللهم اجعلني من أئمة المتقين } .
فالمؤمن يتبرأ من حوله وقوته إلي حول الله وقوته ويوقن أن لا حول ولا قوة فى هذا الوجود إلا حول الله وقوته .
فحصول الهداية نعمة من الله كما قال تعالى { إنك لاتهدي من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء } ، فعلى المؤمن أن يلجأ إلي الله فى كل أموره صغيرها وكبيرها دقها وجلها ، حقيرها وخطيرها فإذا أراد أن يرزقه الله التقي فليستن بسنة نبي الهدي ويسأل الله الهدي والتقي والعفاف والغني ، وأن يتبرأ من حوله وقوته ،
وعلى المؤمن أن يظهر عبوديته لربه وافتقاره إليه ، ويطلب منه العون والمدد ، والهداية والرشاد والتوفيق والسداد .
اللهم إنا نبرأ من الثقة إلا بك ، ومن الرجاء إلا منك ، ومن الأمل إلا فيك ، ومن الخوف إلا منك ، اللهم إنا نستهديك فإهدنا ونستعين بك فأعنا .
ونكمل بحول الله وقوته الحديث في مقال قادم بإذن الله .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى