ثقافة

كوابيس النهار وأحلام الليل وما بينهما

كامل عباس كوابيس النهار وأحلام الليل وما بينهما

كوابيس النهار وأحلام الليل وما بينهما
بعد رواية الجبناء استطعت الحصول على الكتاب التالي
أنا فيليني : مذكرات ترجمة عارف حديفة
و
روما فيليني ( سيناريو ) ترجمة نبيل الدبس
مشورات وزارة الثقافة – المؤسسة العامة للسينما : دمشق 2009 – 612 صفحة
قرأت الكتاب خلال خمس وعشرين يوما بين 13/12/ 2021—7/ 1/2013 مما جعلني أنسى كل همومي وأسهر معه أحلى سهرة في راس السنة الجديد وقد علقّت عليه كالعادة وها أنذا أنشر ما كتبته بدون زيادة أو نقصان , مع انني كتبته في تلك اللحظة لنفسي ولم اكن أظن ان احدا سيقرؤه غيري .
أنا وفليني أبناء زمن واحد , نمثل اتجاهين في الحياة على ما أعتقد تقول سيرته الذاتية في الصفحة 24 من الكتاب : (الحياة الواقعية لا تثير اهتمامي. أحب أن اراقب الحياة ولكن أدع مخيلتي طليقة , لم أرسم في حياتي صور الأشخاص بل الصور التي في ذهني عنهم ) فيلليني يضع ثقته في غرائزه والغريزة عنده دليل أفضل الى الحقيقة من العقل , فيليني أديب ومخرج سينمائي ينظر الى العالم من منظار حسي خيالي يريده كما يشتهي لا كما هو في الواقع ,أما انا فسياسي ينظر الى العالم من منظار واقعي ويريد تغييره نحو الأفضل من خلال التأثير بهذا الواقع ايجابيا قدر المستطاع . فيليني ابن ايطاليا الأوروبية التي اتاحت له بانفتاحها على العالم ان يصبح معروفا من خلال ما يسميهم أولاده ( افلامه ) أما انا فمن هذا الشرق التعيس الذي قضى من حياته أكثر من اربعين عاما حتى الأن بين مطاردة واعتقال, اعتقد ان تجربتي في الحياة لا تقل عمقا وعطاء عن تجربة فيليني مهما حاولوا التعتيم عليها ( انا لست مغرورا ولم أكن يوما كذلك ) لكن من يستمر في الكتابة بعد تعذيب مستمر في الأقبية من كفر سوسة الى تدمر الى صيدنايا الى السجن المدني الذي أقبع فيه حاليا يحمل في روحه الكثير مما يحمله فيلليني, اما كتاباتي فهي لا تُقرأ الا من رموزهم المخابراتية بسبب الخوف من مصير من يقرؤها , لكن سيأتي اليوم الذي تستطيع فيه تجربتي وكلماتي أن تتكامل مع تجربة فيليني من أجل غد أفضل للناس .
شدّتني الصفحات التي تتكلم عن معايشته للحرب في روما وذكرياته عنها مثل الصورتين التاليتين.

  • ص 51 ( سقطت قنبلة , عّم الذعر, انهار السقف , تراكض الناس هنا وهناك وجدت نفسي بالسروال في الشارع وفي يدي فردة حذاء التقطتها وأنا مندفع للنجاة من السقف المنهار , كانت فردتا الحذاء معا , لكن لا أعلم لماذا التقطت واحدة فقط … اضطررت للسير طويلا في الشوارع وأنا بملابسي الداخلية … لما وصلت أخيرا الى منزل اصدقائي ,لم يفاجئوا حين رأوني شبه عار …..) – الصورة الثانية ص68 (ذات يوم أخذت جيولتا( زوجة فليني ) معها بعض خواتمها الى الصائغ للاصلاح , ما أن خرجنا الى الشارع حتى سمعنا أزيز دراجة تجتازنا, كان عليها ولدان أحدهما مال نحونا واختطف الحقيبة من كتف جيوليتا, ثم انطلقا بعيدا… رحت أصرخ توقف ايها اللص , لكنهما أخذا يصيحان مثلي وكأنهما من المطاردين وليس هما السارقين , اخبرت شرطي كان يمتطي دراجة , لم يبادر الى الملاحقة بل قال بكل برود : أتعلم كم من الحقائب تسرق في روما كل يوم ؟ . )
    هاتان الحادثتان ذكرتاني بحادثتين متشابهتين
  • تقدّمت بطلب الى مدير السجن وجاءتني الموافقة أخيرا , جمعوني في الساحة مع ثمانية آخرين وربطونا على التسلسل بجنزير وساقونا الى مكتب المدير. استمع الى شكوانا معا ونحن مقيدين, جاء دوري في الكلام قلت :
  • سيادة المدير انا سجين سياسي تقدّم بي العمر وقد شلحوني في مهجع مفتوح بعد انتهاء محكمتي وراء الباب ومقابل المرحاض ووضعي صعب جدا.
  • الأسّرة في كل المهاجع المفتوحة مشغولة وفي كل مهجع ينتظر القادم دوره للحصول على سرير ورئيس المهجع مسؤول عن ذلك.
  • سيدي أنا لا اريد سريرا أريد منك ان تعطي أوامر بنقلي الى داخل المهجع وبين الأسرة وبعيدا عن الباب.
    كتب على الفور يُنقل الى داخل المهجع فورا .
    عند عودتي قال لي النقيب حرفيا . جد جده عاجز عن نقلك . انت خلف الباب تنفيذا لعقوبة من الفرع السياسي مدتها ستة أشهر …
  • آخر زيارة ناولتني زوجتي خمسة آلاف ليرة سورية وضعتها في جيبة بنطالي وعندما عدت الى المهجع وكانت المهاجع مفتوحة على بعضها كعادة فترة التنفس شلحت بنطالي دخلت الى المرحاض على عجل وخرجت منه كي ألبس البنطال والتحق بباحة التنفس , لكنهم سرقوه , أسرعت الى ادارة السجن لنجدتي فما كان من النقيب ذاته الا أن قال : انقلع من وجهي لسنا مسؤولين عن جحشنتك .
    قرأت الكتاب مرتين , سررت به جدا وفيه الكثير مما يستحق أن أوليه اهتمامي لكنني محكوم بفكرة جوهرية وهي الا يكون التعليق مجهدا لي ومتعبا لأعصابي , فأنا أقرأ الآن من اجل راحتها وليس من أجل الضغط عليها ولذلك سأعلق بالقدر الذي أشعر انّ ذلك يدعوها للاسترخاء وليس للانشداد وهذه هي التعليقات المفيدة التي كانت حقا بمثابة تفريغ شحنة على الورق ساعدت على اراحة أعصابي.
    كوابيس النهار وأحلام الليل:
    تحت هذه الفقرة كتب المخرج ما يلي ص 224 (أنا أعيش في أحلامي ليلا حياة رائعة واحلامي من المتعة بحيث أترقب النوم دائما , يعاودني الحلم أكثر من مرة , أنا لا أعاني عجزا من الأحلام وفيها أستطيع أن امارس الحب خمس وعشرين مرة في ليلة واحدة )
    واذا كا الليل عند فيلليني من أجل الأحلام السعيدة فانه عند المقهورين – مثلي والملاحقين والمراقبين دائما – كوابيس متصلة وليست أحلاما , لم أعرف الأحلام السعيدة في حياتي وما ان خرجت من السجن بعد سنوات مديدة فيه أول مرة حتى كان دائما يلاحقني في كوابيس مؤلمة لروحي , دائما أجد نفسي مطاردا ومنبوذ ا, كل كوابيسي حتى اللحظة تقودني الى البراري وما فيها من مستنقعات مائية, العجيب الغريب في كوابيسي هو اشتراكها جميعا في كوني داخلها حافيا ومن دون حذاء أما اذا كان الكابوس غليظا وقاسيا فأجد نفسي مقيدا وفردة واحدة من حذائي بجانبي وانا احاول الوصول اليها ولكنني اعجز عن ذلك فأصرح واستغيث وأظل على هذه الحالة حتى يستيقظ أحد من أهلي على صراخي فيفك أسري , هذه هي احلامنا يا مستر فيلليني في الشرق كلها كوابيس .
    كتب فيليني الكثير في سيرته عن الغريزة الجنسية وتلبيتها في المبغى وعن الحب والزواج , أحببت ابراز هذه الفقرات قبل التعليق عليها
  • ص28 تلقيت تربيتي الجنسية المبكرة من الكهنة الذين حذرونا من ملامسة بعضنا بعضا … لقد كان للكاثوليكية دوما موقف قمعي حيال الجنس الذي يمارس للمتعة لا للإنجاب . وهذا الموقف هو جزء من موقف قمعي عام حيال اللذة مهما كانت وحيال الحرية وحيال الشخصية الفردية , ومن ناحية أخرى فان الكاثوليكية على كل حال قد زينت لذة الجنس حين منعت الجنس الذي يمارس من أجل اللذة . ان التوفر السهل والشامل للجنس يقلل الرغبة فيه , إنه كالطعام , لا بد للمرء أن يجوع قليلا بين حين وآخر حتى يستمتع بالوجبة استمتاعا كاملا .)
  • ص57 ان الزواج فكرة رومانسية بالنسبة للمرأة ومرعبة بالنسبة للرجل . لم يطرأ الزواج الأحادي على الانسان طروءا طبيعيا , فالانسان ليس حيوانا أحادي الزواج . ومهما اجتهد في المحاولة فان ذلك يمثل قهرا للغرائز الطبيعية يجب عليه ان يكبت كبتا غير طبيعي حيويته الداخلية , وهذا يستهلك من الطاقة أكثر مما يستهلك للاستسلام للدافع .
  • ص58 عشنا أنا وجيوليتا خطبة رومانسية للغاية وتزوجنا عن حب كان زواجنا هو اللقاء السعيد بين الجسد والعقل . كانت قدما جيوليتا دوما على الأرض ورأسي كان دوما في السحب
    اما رأي فيليني في المبغى وتجربته داخله فهي طريفة بامتياز وهو الذي يرى ان المبغى تجربة ثمينة للكاتب والمخرج لذلك جاء الفصل الأخير في الكتاب عن المواخير ممتعا وغنيا جدا بوصفه الحي لها ومشاهداته المضحكة المبكية داخلها فهي بحق تحفة ادبية في السينما وفي الكتابة أقتطف منها هذه الكلمات .
  • أنا ملتهبة ألف ليلة وليلة في نصف ساعة .
  • بمقدوري أن أعمل لك مائة وضعية في الدقيقة .
  • أنا الرعشة الكبرى , هيا أسرع اليّ لا تتردد .
  • سأجعلك ترتعش بسرعة أقوى من التيار الكهربائي : تعال ….الخ
    ان موضوع الغريزة الجنسية وطرق تلبيتها موضوع شائك ومعقد جدا وقد اعود اليها في فترة الحرية لكن الآن اقول في هذه العجالة , لقد احتاج الجنس البشري الى ملايين السنين لينتقل في تلبيتها من العضة الى القبلة ولكن الجائع لايسأل عن نوع الطعام في البداية وهكذا بالنسبة للغريزة الجنسية فأي امرأة تصلح لممارسة الجنس لحظة الجوع أما عندما لا يكون مكبوتا فانه يفضل ان يمارسها مع امرأه يحبها على ما أعتقد .
    من جهة اخرى للانسان دورة حياة تبدأ بالولادة تليها مرحلة الطفولة والمراهقة بعدها تأتي مرحلة النضج وبالنهاية الشيخوخة, والغربزة الجنسية لديه تكون في أوجها عند مراهقته , اما في الشيخوخة فيحتاج الى اسرة دافئة أكثر مما يحتاج الى ممارسة الجنس انا شخصيا مع الزواج الحادي ومع الأسرة والتسامح داخلها من قبل الرجل والمرأة معا ان نشأت علاقة جنسية عابرة خارج المؤسسة الزوجية.
    أعجبني في فليني صراحته وواقعيته فقد بدى لي وكانه رجل شرقي داخل أسرته , هو يقيم علاقات جنسية على كيفه وامرأته ترفض اقامة علاقات مع غيره مثله ولكنها لا تردعه عن قيام تلك العلاقات ولقد وُفق في تصوير الحالة بقوله : كانت قدما جيوليتا دوما على الأرض ورأسي كان دوما في السحب , ويكفيه فخرا تلك الشفافية والواقعية والصدق مع نفسه ومع الاخرين .
    اعجبني الكتاب جدا ولي مأخذ واحد عليه . كنت أظن أنه سيعلق على المبغى وظهوره في تاريخ الجنس كحالة عابرة وعلى الدول الحضارية مثل ايطاليا واوروبا تحديدا أن تدفع باتجاه عالم لا يوجد فيه مباغي تضطر فيه المرأة لتأجير جسدها من اجل لقمة عيشها ولكنه خيّب ظني في هذا المجال .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى